ثقافة وفنون

معرض «القرية» للفنان عاطف الشافعي: محاولة جديدة لتأصيل مشروع كبير

معرض «القرية» للفنان عاطف الشافعي: محاولة جديدة لتأصيل مشروع كبير

محمد عبد الرحيم

القاهرة ـ  التشكيلي المصري عاطف الشافعي من مواليد إحدى قرى الدلتا ـ محافظة الدقهلية شمال مصر ـ عام 1964، درس الفن وفق نظام الدراسات الحرة في قسم التصوير، كلية الفنون الجميلة (الزمالك) جامعة حلوان. ويأتي معرضه المقام حالياً في غاليري (ضي) في القاهرة بعنوان «القرية» ليبدو امتداداً لمعارضه السابقة، التي لم تخرج عن تناول حياة الريف وناسه، وكأنه يواصل تأسيس وتأصيل مشروعه الفني من خلال عالم يعرفه جيداً، ويعرف كذلك كيفية التعبير عنه.

ذاكرة طفولية

اختلف الريف المصري الآن كثيراً عما عاشه طوال قرون، نظراً لقرارات سلطوية خاطئة، وبالتبعية أدت إلى ظروف سياسية واقتصادية غيّرت من وجهته، لذا يمكن القول بأن الفنان هنا يعتمد على ما عايشه وعلى ذاكرته البصرية، فهو ـ وفق لوحاته ـ لا يدّعي نقل أو تسجيل ما يشبه الواقع، بمعنى أنه يتفاعل فنياً وفق رؤية عالم الطفولة، أو الصِبا على أكثر تقدير، كمرحلة عُمرية لم تفارق التجربة الفنية. هذا لا ينفي التطور في الحِرفة والتقنية، لكنه تطور يؤكد التجربة وعالمها، دون أدنى تجاوز أو حتى التفكير في اختبار عوالم أخرى بعيدة عن ملاذ الطفولة الرحب.

عالم القرية

هناك لوحات في المعرض مؤرخة منذ 2006 ـ وربما هناك تواريخ قبل ذلك ـ أي ما يُقارب ربع قرن، ولم يزل الفنان يواصل رسم تفصيلات عالم الريف والقرية المصرية، وفق الأسلوب نفسه ـ المدرسة التأثيرية ـ مع بعض من التطورات التقنية. ووفق فكرة القرية وعالمها ـ بخلاف المدينة ـ فالبطولة هنا ليست لفرد أو شخص، وإنما للمجموع، لحشد من الناس يتفاعلون معاً في العمل وتفاصيل الحياة اليومية، وصولاً للحظات الفرح القليلة في حياتهم. ومنه تبدو اللوحات/اللقطات كثيرة الشخوص، وفي لحظة فعل مستمر، لتنتفي حالات الوحدة والاغتراب، وكل المفردات القاصرة على عالم المدينة وناسها الضائعين دوما.

الاحتفاء بالمجموع

ووفق المبدأ نفسه، لا نجد لوحات تمثل لقطات قريبة (بورتريهات) سواء لوجه إنساني، أو جزء من مكان، لكنها لقطات عامة تحشد أكبر قدر من التفاصيل، مع تفاعل دائم بين مقدمة اللوحة وخلفيتها، نرى ذلك في لوحات تمثل العمل في الحقل، أو البيع والشراء في الأسواق، وبالطبع في لوحات الاحتفالات من أفراح ومناسبات دينية وما شابه، وفي الأخيرة يتجلى تجسيد حالة (الإيمان أو التدين الشعبي المصري) من خلال رقص بعض فرق الصوفية، مجسداً (الموالد المصرية) في الشمال، وهو يبتعد تماماً عن حالات الصوفية المنقولة والمُنتَحَلة من الرقص الصوفي التركي، وهو ما نراه في العديد من لوحات فناني المدينة المصريين، الذي يعد شكلا من أشكال التسوّل الفني، والتقليد المتهافت لعالم لا يعرفونه، فقط يتاجرون به ليس أكثر ولا أقل.

تحولات اجتماعية

من تفاصيل صغيرة يمكننا أن نلمح التحولات الاجتماعية التي ضربت الريف المصري، وتأثر بها أشد التأثير، دون صراخ أو مفارقات فجة تقترب من المنشور السياسي التافه، كحال العديد من الفنانين. فمن خلال ملابس امرأة من الريف، نرى كيفية ما حدث، فالجلباب الفلاحي المعهود أصبح يختلف في تفاصيله، كما يعلوه حجاب نساء المدن في الحواري والأزقة الشعبية، دون غطاء الرأس الفلاحي المعهود. كذلك بعض الرجال يرتدون البنطال والقميص ـ أشبه بالفلاحين في اللوحات الغربية ـ بخلاف العمامة التي تم الاحتفاظ بها كأثر من زمن قديم. واللافت أن علاقة الرجل والمرأة هنا تحددها طبيعة العمل، فهي دائماً في حالة عمل مستمر، في الأرض والسوق والأولاد.. هنا تتصدر المرأة اللوحة، وتتوارى وتكاد تختفي من لوحات يتصدرها الرجال في لحظات الاحتفالات. وكعادة الفنان.. في صوت خافت ـ قوي ـ يجسد تفاصيل هذه العلاقات وتجلياتها في لوحاته، دون صخب أو هتافات هزلية عديمة الجدوى.

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب