
مذكرات صهيوني..!
المكان: معسكر تيريزين..
في شارع “غودوالدوف” في مدينة “تيريزين” في جمهورية تشيكوسلوفاكيا عام 1967م، عثر عمال البناء فوق سطح بناية خربة على حقيبة نسائية، ووجدوا بداخلها كتيبًا صغيرًا مهملًا. كان هذا الكتيب عبارة عن مذكرات كتبها “إيغون ريدليخ”، وهو صهيوني بارز في منظمة “ماكابي هاكير”. كتبها وهو في معتقلات النازيين في “تيريزين” عند احتلالهم “التشيك”.. وعند طباعة هذه المذكرات، كانت تختفي من المكتبات بشكل مريب، ولم يكن من السهولة الحصول عليها.. إذ أنها، كانت تفضح التعاون الخطير بين القيادات الصهيونية في معتقلات النازيين، مع النازيين أنفسهم..
فالآلاف المؤلفة من اليهود الذين كانوا في” تشيكوسلوفاكيا” قد حُمِلوا بالقطارات زرافات إلى غرف الموت، بالتعاون مع الصهاينة أنفسهم. وكان مقابل ذلك أن تسمح لهم القيادة النازية بتدوين بضع أسماء قياديين وممولين وأغنياء الصهاينة، لكي يُستثنوا من القتل..! أي آلاف اليهود مقابل عشرات أو مئات من الصهاينة.
وكان غالبية اليهود الذين تعاون الصهاينة مع النازية لإلقائهم في المحرقة، غالبية وطنية تنتمي إلى وطنهم التشيك ومرتبطة بثقافة شعبها. وكانوا يرون أنفسهم تشيكيين قبل أن يكونوا يهودًا، ولهم واجب وطني تجاه بلدهم جنبًا إلى جنب مع بقية الشعب لمقاومة الاحتلال النازي. فمن مبادئ الصهيونية السعي لعدم اندماج اليهود في ثقافة شعوبهم، ويجب غرس ثقافة الكراهية تجاه أية ثقافة أخرى لا ترتبط بالموروث الديني اليهودي.
وعلى هذا، أنشأ “إيغون” في الغيتو، بالتعاون مع النازيين، مدرسة يهودية تهدف إلى انسلاخ الأطفال عن ثقافتهم التشيكية الأم، وفرض عليهم صلاة الصبح اليهودية.. وكان يلقى مقاومة من الأطفال أنفسهم.. فغير معرفتهم بتعاون الصهاينة مع النازيين، فلم يكن لديهم انتماء غير انتمائهم لوطنهم التشيكي.. وعلى هذا يقول في مذكراته، أنه لا سبيل لمواجهة مقاومة الأطفال إلا بالصرامة.. لأنه سمع الأطفال يصيحون «خنازير صهاينة»..!
وكانت “درويس غروسدانوفيكا”، التشيكية اليهودية الناجية من الهولوكوست، ضمن هؤلاء الذين رفضوا الذهاب إلى إسرائيل، لأنها تعتبر “تشيكوسلوفاكيا” هو وطنها وأرضها.. وكانت في نفس الغيتو الذي كتب “إيغون ريدليخ” مذكراته في مدينة تيريزين.. وقد كانت معادية للصهيونية وتقف بجانب القضية الفلسطينية.. ويبدو أن تعاون القيادات الصهيونية مع النازية في هذا الغيتو، هو الذي جعلها تتخذ هذا الموقف ضد الصهيونية..!
كانت إحدى مهام “إيغون ريدليخ”، نشر إشاعة أن غيتو تيريزين، هو محطة لتجميع اليهود فيها، محطة عبور، للانتقال بعدها إلى فلسطين.. ولكن الحقيقة أنها محطة لنقل اليهود إلى معسكر آخر في بولونيا ومن ثم رميهم في أتون المحرقة.. وقد فارق الحياة هناك 15 ألف طفل..! في ابشع تراجيديا عرفتها الإنسانية..
إن بعض اليهود الذين في هذا الغيتو، قد علموا أن غيتو تيريزين ليست إلا محطة من محطات الإبادة الجماعية.. فأرسلوا رسائل خفية إلى أقاربهم بأن يهربوا ولا يأتوا إلى هذا الغيتو.. ولكن الصهاينة، ومنهم صاحب المذكرات، كان يدوّن أسماءهم ليتم إعدامهم على يد النازيين، وذلك بحجة توثيق الثقة المتبادلة بين القيادات الصهيونية والنازيين..!
ويقول ايغون في مذكراته: “.. ليس بامكاننا أن نأخذ على عاتقنا كل كره اليهود، لأننا لسنا سوى دمى تنفذ أوامر أي كان.. احقاً كان الصهاينة بالفعل دمى مسلوبة الارادة بأيدي النازيين، أم كانوا رغم ذلك كائنات بشرية قادرة على التفكير والتحليل”.
أُعدم صاحب المذكرات “إيغون ريدليخ” في المعتقل عام 1944م، رغم تعاونه مع الغيستابو لتحديد مصير الآلاف المؤلفة من اليهود الذين لاقوا حتفهم في المحرقة..! ولكن مذكراته خرجت إلى النور لتكشف أمام الجميع أن الصهاينة كانوا متعاونين مع النازية وأن زعماء إسرائيل ليسوا سوى أبناء وأحفاد الأنذال الذين تعاونوا معهم..!
إن هذه المذكرات تكشف الخسة والنذالة التي اتسم بها القادة الصهاينة.. فالصهيونية تشكل الخطر القادم ضد يهود العالم قبل غيرهم..
….
وفي تماثل الصهيونية مع النازية، كان هرتزل الاب الروحي للحركة قد وجه رسالة الى” سيسيل رودس” أعتى العنصريين الاستعماريين الذي عانت منه افريقيا.. يبدي اعجابه بالنظام العنصري في “روديسيا” ويقول انه يود ان ينشيء نظاماً مثله في فلسطين على غرار رودس بالذات في افريقيا.
وقال أيضاً: لنفترض مثلاً أنه ينبغي علينا تطهير البلاد من الحيوانات المتوحشة (المقصود العرب من سكان فلسطين) فإنّنا لن نحلّ هذه المهمّة، مثلما فعل الأوروبيون في القرن الخامس عشر. إنّنا لن نرمي السهام والرماح ونلاحق الدِّبَبَة فحسب، سوف ننظم صيدا واسعًا ونشيطاً وسوف نطرد معًا الحيوانات و نرمی قنابل شديدة الانفجار.
وعبّرت “غولدا مائير” يومها عن حقيقة ما يجول في اعماق الصهاينة العنصريين حينما قالت: “انني لا اريد دولة ثنائية القومية، دولة أضطر فيها الى أن أكون في قلق دائم: تُرى هل الطفل المولود يهودي أم غير يهودي”؟
وصاغ ليوبنسكر الزعيم الصهيوني النظرة الصهيونية حين أكثر الحديث عن أفضليات اليهود ودورهم المتميّز في حياة الشعوب وأنهم لعبوا دورًا أهم في حياة الأمم المتحضّرة، ولذلك فهم يستحقون أكثر من غيرهم. وأضاف يقول: إنهم ذوو ماض تاريخي
وسلالة مشتركة غير ممزوجة عنصريًّا، ونشاط لا يمكن تدميره وعقيدة لا يمكن دحضها وهى الصهيونية.
وأشار “حاييم سكولوف” وهو زعيم صهيوني آخر الى أن اليهود نسبياً هم أرقى عنصر (عرق) بين الأمم المتمدنة.
…
المصدر:
كتاب مذكرات صهيوني: يوميات ايغون ريدليخ في معسكر تيريزين
ترجمة: عبدالحسين شعبان
#مذكرات_صهيوني #عبدالحسين_شعبان