المغرب والجزائر: «خيبتي أرحم من خيبتك»… عن «جدري القردة» و«المثلية الجنسية» و«نهاية العالم»

المغرب والجزائر: «خيبتي أرحم من خيبتك»… عن «جدري القردة» و«المثلية الجنسية» و«نهاية العالم»

غادة بوشحيط
لا صيف هادئا في المغرب العربي. استحقاقان رئاسيان، ودخول اجتماعي بانتظار شعوب المنطقة ظاهريا، والكثير من الهواجس «متوسطة المدى» على قول الخبراء. أسابيع قليلة تفرق المنطقة عن مرحلة جديدة على ما يبدو لن تكون السياسة وحدها ما سيصنع وجهها. على مواقع التواصل الاجتماعي تفاوت تفاعل الرواد مع المستجدات، وباء جديد، جفاف وسيول، وجدالات يستعصي حلها.
بورصة الأوبئة
لم تكد منظمة الصحة العالمية تعلن عن رفع التحذير بـ»جدري القردة» إلى درجة الوباء، بعد تسجيل أول حالة للمتحور الشرس في السويد، حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعية بالخبر. فيديوهات تحذيرية، أخرى شارحة للفيروس الجديد، الذي كانت دولة «الكونغو الديمقراطية» منشأه، في حين «بشرت» أخرى بتوقعات تبعات الحالة الوبائية على العالم.
تفاعل شعوب المغرب العربي لم يكن ليحيد عن القاعدة. تونس كما المغرب سرعان ما أصدرت سلطاتها الرسمية بلاغات رسمية تطمئن فيها المواطنين بحالة التأهب التي خصصتها لهذا الوباء، خصوصا في عز الموسم السياحي، الذي يعتاش اقتصاد البلدين على عوائده، عكس الجزائر، التي كرس وزير صحتها اجتماعه مع ممثليه عبر مختلف الأقاليم الوطنية لقضايا أخرى.
والحقيقة أن «جدري القردة» قد أثار لغطا كبيرا في البلاد بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي من سنتين مع بدء الفتح حدود البلاد (التي ظلت مغلقة طويلا) واضطرت السلطات حينها للتعامل مع التهويل الذي انتشر حول أخبار الوباء الآتي بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر. هدوء رواد الفضاء الرقمي الجزائري قابلته حالة تفاعل مختلف في المغرب إذ أثار إعلان الخبر حزن الكثير من المغاربة، الذين عبروا عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن خوفهم على مصير مناسبات هامة ومواعيد كبرى في حالة فرض إغلاق جديد، ككأس إفريقيا للأمم والمزمع أن تجري فعاليتها في المملكة السنة المقبلة، كما لو انحصرت تبعات الوباء في مجرد إغلاق كبير آخر.
في تونس أخذ الإعلان أبعادا سياسية وأيديولوجية أخرى، بالتوازي مع النقاشات حول طبيعة وعدد المترشحين للرئاسيات القادمة (وارتفاع عدد المساجين السياسيين أيضا في المناسبة). تحذيرات منظمة الصحة العالمية كانت فرصة للمناهضين للهجرة الإفريقية جنوب الصحراء ليعبروا عن هواجسهم وبمبررات أقوى هذه المرة. صفحات كبرى على مواقع التواصل الاجتماعي سرعان ما دعت لتشديد الرقابة على الحدود مع ليبيا خصوصا، التي تكتب فصلا جديدا من التوترات الأمنية الداخلية، فاتحة المجال أمام موجات جديدة من الهجرة الإفريقية من الجنوب نحو شمال القارة.
شطحات رواد مواقع التواصل الاجتماعي لم تتوقف هنا إذ أخذت بعض الدوائر النشطة عبر مواقع الـ»سوشيال ميديا» التي تمتهن التبشير بـ»نهاية العالم» للتحذير من الوباء الجديد الذي تسببه المثلية الجنسية بحسبهم، والتي تسجل حضورا متزايدا في البلاد (تحول نوعي، من قال إن شعوب المنطقة لا تتطور، الخطاب المجرم للعلاقات عموما صار يناهض المثلية حصرا).
شمس ورعد
لا تكاد تغيب منطقة شمال إفريقيا عن تقارير الهيئات الدولية البيئية، باعتبارها من أكثر المناطق تضررا من التغير المناخي، رغم غياب الاهتمام الشعبي بالقضية، وضعف التأثير السياسي لرسميي المنطقة عموما في خارطة القرارات الكبرى حول الموضوع.
منذ أسبوع تقريبا يتصدر المناخ اهتمامات رواد مواقع التواصل الاجتماعي، في تونس والمغرب على وجه التحديد. إذ تشكل الزراعة جزءا أساسيا في اقتصاد البلدين، من تصدير وخلق فرص عمل. لكن الأيام الماضية شكلت حالة فريدة.
عكس المغرب، الذي أعلن حالة طوارئ مناخية بسبب اشتداد حالة الجفاف التي تمتد للسنة السادسة على التوالي أثارت غضب الكثير من المغاربة الذين عبروا عن استيائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سيطرت على التونسيين حالة من البهجة، لا بسبب الحفلات الغنائية التي قسمت الجماهير، بل بأمطار نهاية أغسطس/آب المعروفة في المنطقة بـ»غسالة النوادر».
المطر الذي لا يتجاوز بالعادة سويعات قليلة على عدد أيام بسيطة، مستمر منذ ما يقارب الأسبوع أو يتجاوز، مسببا فوضى في عز الموسم السياحي، الذي يعيش «انتعاشا» بعد سنوات عجاف. تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي صور عواصف قيل إنها هبت على مدن كـ»نابل» وأخرى لجريان أودية بعد جفاف على مناطق واسعة ومتفرقة من البلاد، أدخلت للتونسيين حالة فرح وصلت بالبعض حتى تبادل التهاني والتبريكات، لما تعد به هذه الأمطار من موسم فلاحي جيد.
فلاحة تواجه تهديدات في المغرب، الذي اضطرت سلطات البلاد العليا إلى اتخاذ إجراءات صارمة كتقنين ساعات التزود بالماء في البيوت، وتشديد تقنين استخدام الحمامات العامة، التي يقبل عليها المغاربة، كما زوارهم، وغيرها من الإجراءات التي أثارت رواد مواقع التواصل في البلاد، عبروا من خلالها عن سخطهم، من السياسات العامة في المجال والتي تفاضل بين المواطن البسيط وكبار المستثمرين، إذ لا تنقطع حنفيات المركبات السياحية الكبرى، وتشير تقارير إلى نجاح موسم استزراع ثمرة «الأفوكادو» وكلها مشاريع لا تعني المواطن المغربي البسيط، بل تستنزف مخزون البلاد الاستراتيجي من المياه.
السيول، كما الجفاف كان فرصة لتفاعل الجزائريين مع «بلدان الجوار» عبر مواقع التواصل الاجتماعي لا من منطلقات التزام بيئي – لا سمح الله- بل من باب لغو رقمي لا غير.
أثارت أمطار تونس حسرة جزائريين كثر أعدوا العدة لقضاء أيام في البلد الشقيق، خصوصا بعد عودة خدمات النقل عبر السكك الحديدية للمواطنين بين البلدين. وكان الجفاف المعلن في المغرب فرصة أخرى لكتابة فصل جديد في سلسلة «المطاحنات» الرقمية بين ساكنة البلدين شعارها «خيبتي أرحم من خيبتك».
لنغرد بعيدا
لنقل إن صيف الجزائر هذه السنة يختلف عن فصل أي بلد في المنطقة. لا تبدو السياسة أكثر ما يثير اهتمام رواد مواقع التواصل الاجتماعي، التي تسيطر عليها أخبار زواج وطلاق مشاهير، ومستجدات دخول اجتماعي لم يعد يفصل عنه غير أيام قلائل، كل ذلك قبل أن تدخل الرئاسيات على الخط عقب مرحلة «إحماء» محتشمة.
من بين المترشحين الثلاث – ثلاثة هو أيضا عدد المترشحين للرئاسيات التونسية، علَ الرقم تميمة حظ- لم يشغل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر سوى الرئيس المنتهية ولايته عبد المجيد تبون، الذي أثار خطابه في قسنطينة، شرق البلاد، لغطا واسعا، جعل اسمه يتصدر الـ»سوشيال ميديا» خلال الساعات الماضية. كان الرجل قد أعلن في جملة تخللتها لحظات لالتقاط الأنفاس، عن التزامه بدعم سكان غزة إذا ما أتيح الأمر، بمساعدات ميدانية. سرعان ما تحول الخطاب إلى مادة للتحليل داخل الجزائر وكذلك خارجها.
أما في الداخل فقد ضجت المواقع بالتهليل، إذ يعتبر وعد الرئيس – المترشح مستلهما من قاموس الشارع الجزائري البسيط والشعبي التقليدي، في تفاعله الدائم مع ما يحدث في فلسطين، وأما خارج الجزائر فقد ذهبت التحليلات بعيدا جدا حد استباق أزمة دبلوماسية بين الجزائر ومصر، وإعلان مواجهة مسلحة وشيكة بين الجزائر وإسرائيل، لا مكان لها واقعا «لو لم يأخذ الرجل أنفاسه».
تكهنات لم تتوقف عند مواقع التواصل الاجتماعي وترينداتها، بل انتقلت أوارها إلى وسائل إعلام كبرى، مثيرة التساؤل والاستغراب في آن معا.
كاتبة من الجزائر