دروس_وتجارب؛ فتح وجدت لتبقى ولتنتصر..
بقلم مهند طلال الاخرس
تجسد فتح احتياجا موضوعيا وطنيا لأنها استجابة للحاجة الموضوعية الوطنية الفلسطينية، وفكرتها ستبقى [في المدى المنظر على الاقل] هي الرد الذاتي للحاجة الموضوعية الاساسية بالنسبة للشعب الفلسطيني وهي حالة الوجود والكينونة، لذلك ستبقى هي التنظيم الذي يمتلك أساس البقاء والاستمرار والصلاحية المستقبلية.
وقد يحدث خلل في تللك الحالة التي تمثلها فتح كضمور او قصور قدرتها على الاستجابة الموضوعية الوطنية، وقد تتنازع الاهواء والانواء الحركة وخط سيرها، وقد يعتريها شيء من الضمور والتقوقع والترهل والانتكاسة، كل هذا واكثر قد يحدث اذا تمكنت منها أيدي العبث الخارجي والداخلي، وهذا يتم عن طريق بعض الاستجابات والاستطالات ، وهذه الاستجابات قد تكون طامحة او جامحة او انتهازية او وصولية، وقد تدخل الحركة في مرحلة حرجة من الاستكانة والرتابة وبحيث تسهم جميع هذه العوامل في ادخال الحركة الى حالة من الجمود والفتور والذي يقود حتما الى ما نسميه الانفلاش التنظيمي، وهذا ينعكس سلبا على حياة الحركة واطرها وخط سيرها، فيدخلها في مسار صعب مليء بالتناقضات الداخلية التي ما تلبث ان تتفاقم وتتازم حتى تتفجر وتتشظى الحركة ويذهب ريحها ولا يبقى من تاريخها إلاّ رائحة الحزن ..
كل ذلك يمكن ان يتم [وقد تم بمراحل ومنعطفات سابقة عصفت بالحركة] وممكن ان يتم من جديد باشكال وادوات مختلفة اذا زاد الطامحون والطامعون فيها من ابنائها ومن اعدائها، لذا وجب على ابناء الحركة التيقظ اولا ، وثانيا : قراءة المشهد بدقة، وثالثا: تشخيص المشكلة وتحجيمها وعلاجها، ومحاولة امتلاك زمام الامور وناصية القيادة بغية تحديد معالم الخط السياسي وتحديد خطواته بوضوح ؛ عن طريق حراك جمعي يسهم فيه ابناء العصبة القُح من مناضليها الغيورين، المشهود لهم بتضحياتهم، والبعيدين كليا عن ذات الانا المتضخمة والمريضة، والتي اضرت بالحركة كثيرا وارهقتها واستنزفت الشيء الكثير من تاريخها. ورابعا: تعظيم دور تاريخ الحركة وتضحياتها وفاء وعرفانا واسهاما في تحديد خط سير الحركة دون مواربات او مجاملات، وهذا لن يكون الا بمزيد من التضحيات على كافة المستويات والشرائح، وهذا بالذات خزان الحركة الحامي لها ولمستقبلها، وبدون تلك التضحيات لن تكون هناك بوصلة إلاّ بوصلة الطامحين والطامعين والجائعين والجامحين والجانحين، وهو ما يذهب بالحركة وتاريخها الى مخازن التاريخ الذي لا يرحم ولا يجامل ولا يذكر ولا يُبقي إلاّ من يحرث و يزرع…وويل لمن يزرع في حقول الاخرين بعلم او بجهل، وويل لمن يحيى ويعتاش على صدقات وزكاة الاخرين حتى ولو كان من الاشقاء والاصدقاء على حد سواء. فالدول والاحزاب ووسائل الاعلام وحتى الافراد ليسوا جمعيات خيرية ليعطوا بدون مقابل، فما تاخذه من الغير اليوم سترده غدا اضعافا مضاعفة، فقط ما تاخذه من ارضك ووطنك وابناؤك يشكل صورتك ويرسم معالم مستقبلك ويمنحك هويتك الوطنية التي يفتقدها الكثيرون، ليس هذا وحسب؛ بل ويمنحك ما يفتقده الاخرون، القرار الوطني المستقل..
ان النيل من الاداة الوطنية داخل الحركة الوطنية اي كانت لن يخدم ألاّ الاحتلال واعوانه من الطامعين والحاقدين على فتح وتاريخها والراغبين بتطويعها وتدجينها، وهذا الامر بالذات بحاجة الى حوار ونقاش دائم حول الخط السياسي وفاعليته، وحول فعالية الاطر والهياكل التنظيمية، التي يقع على عاتقها حمل اعباء هذا التوجه وتقديمه كخطة عمل . لذا وجب علينا ان نتوقف قليلا عن كثير من المجاملات الكاذبة والمرعبة بحق كثير من سلوكيات ومواقف البعض من القيادة والتي تحط من قدر وقدرة فتح على حمل اعباء النضال واكمال مشروع التحرير.
وليكن معلوما وواضحا بشكل جلي ان التاريخ لا ينتظر، خاصة في تلك المحطات والمنعطفات الحرجة، فهذه دائما ما تكون مرحلة مخاض تحمل في طياتها بذور ومعالم المستقبل، والذي يلد فكرته وخط سيره ويحدد ادواته وافكاره بناء عليها..ومن كان خارج المخاض، او لم يخضه اصلا، لن يتولد له من خيلاته سوى السراب، فالعدم لا ينجب، وفاقد الشيء لا يعطيه.
إن فكرة الحرية فكرة نبيلة واصيلة ومتأصلة واحسنت فتح بتجذيرها عبر سنوات عمرها المجيد، وشكلت بتاريخها قافلة وعي وطني يسير ولا ينضب او يتعب. لكن هذا وحده لا يكفي للبقاء عند الجمود والتنافس والصراع الغير محمود مع الاخرين.. فالفكرة النبيلة دائمة الوجود، وستتجدد وستنجب أداتها الوطنية بإستمرار سواء عبر فتح او غيرها.. وسواء استجابت فتح كقيادة او لم تستجب لتلك النقاط وجب التنبيه ان المركب تسير والتاريخ لا ينتظر احدا يجلس على قارعة الطريق..
لذا وجب علينا جميعا افراد وجماهير ان ندرك وضمن قوانين التطور الطبيعي، وقوانين الصراع والفعل والاستجابة، أن المصير الوحيد للتهجين التنظيمي والسياسي هو الاخفاق طالما بقي الوعي والتاريخ الذي نعتز [وهذه مهمتنا]، فالتاريخ الذي نحفظ و نعتني ونردد، هو الذي يحدد المستقبل الذي نريد، شاء من شاء وابى من ابى.
وستبقى فتح الفكرة النبيلة والرصاصة الاولى التي كلما أشتد عيها الضغط وظن الجميع أنها ستنكسر ..فإذا بها تنفجر..تتفجر عنفوانا في مواجهة المحتل إبتداء : لأنه أساس البلاء وقبلة الصلاة بالنسبة لابناء فتح، ولأن بوصلتها دائما تشير الى القدس. وتنفجر ألما على نفسها ومحيطها المتردي لتلفظ الامراض الخبيثة والعفن الذي اعتراها فترة من الدهر، لتلد من ذاتها فكرة التجديد والانبعاث والانطلاقة الثالثة وتحديد خطاها وتنتقي ادوات نضالها بما ويتوائم مع روح العصر وقيمنا الخلقية والانسانية والاستعانة والتسلح بكل ما يلزم لتحقيق أهدافنا الوطنية المشروعة.. ففتح كما قال الرئيس جمال عبدالناصر لياسر عرفات ذات يوم، فتح وجدت لتبقى… وحسنا فعل الرئيس ابو عمار حين اكمل: ولتنتصر….حتى اصبحت هذه المقولة شعلة خالدة تسهم باضاءة الطريق كلما اصبح اكثر عتمة وظُلمة..
هكذا كانت فتح وهكذا نريدها دائما، فكرة نبيلة لا تبيع الوهم ولا تشتري السراب، وتحسن مراكمة النتائج ومواكبة الحقائق، تعطي من دمها ليحيا الآخرون، وليكن شعارنا دائما فتح وجدت لتبقى ولتنتصر…
الحوار المتمدن-العدد: 8079 – 2024 / 8 / 24 – 04:47