منوعات

مسرحية «مش روميو وجولييت»: الفن في خدمة القضايا الوطنية ودعم المقاطعة

مسرحية «مش روميو وجولييت»: الفن في خدمة القضايا الوطنية ودعم المقاطعة

فايزة هنداوي

القاهرة ـ على خشبة المسرح القومي في مصر، تُعرض حاليًا مسرحية «مش روميو وجولييت» وهي واحدة من تلك الأعمال التي تجمع بين الفن والرسالة الاجتماعية والسياسية بطريقة تُلهم المشاهد وتجعله يفكر في قضايا مجتمعه بعمق. المسرحية تُبرز أهمية الفن في مواجهة التطرف، وتأتي كمثال حي على كيفية توظيف المسرح الموسيقي كأداة للتعبير عن القضايا التي تؤرق المجتمع، ومنها قضية مقاطعة المنتجات التي تدعم الكيان الصهيوني.

المخرج المبدع عصام السيد نجح في تقديم تجربة مسرحية متكاملة تمزج بين الأداء الدرامي والغناء والاستعراض، ما خلق تجربة فنية شاملة تستحق الإشادة. في هذه المسرحية، ليس الفن مجرد وسيلة للتسلية، بل هو أداة قوية للتعبير عن قضايا هامة مثل قبول الآخر والتصدي للتشدد الفكري.
المسرحية تتناول بجرأة قضية انتشار التشدد الفكري في المجتمع وتؤكد أن الفن هو الحل الأمثل لمواجهة هذه الأفكار المتطرفة. من خلال الشخصيات والأحداث، يتم تقديم رؤية عميقة لأثر رفض الآخر على تفكك المجتمع وانتشار العيون المتلصصة التي تراقب وتنتقد الحب والمشاعر الصادقة. هذه الرؤية تعزز من قيمة الفن في مواجهة التشدد، وهو ما يجعل «مش روميو وجولييت» عملاً فنيًا ذا بعد اجتماعي وسياسي.
الشاعر الكبير أمين حداد أسهم بأشعاره العميقة والمعبرة التي تتناغم بشكل بديع مع النص المسرحي الذي كتبه عصام السيد ومحمد السوري. هذه الأشعار لم تكن مجرد إضافات جمالية، بل كانت وسيلة لتوصيل رسائل المسرحية بوضوح وفعالية. كما أن الموسيقى التي وضعها أحمد شعتوت كانت جزءًا لا يتجزأ من الحوار الدرامي، ما أضاف بعدًا آخر إلى التجربة المسرحية وأثرى مشاهد العرض.
استخدام الديكور البسيط من تصميم محمد الغرباوي، كان له دور فعّال في دعم الأجواء العامة للمسرحية. كما أن الاستعانة بالسينما في الخلفية، التي صممها محمد عبد الرازق، أضافت عمقًا بصريًا للمشاهد وساهمت في تأكيد الرسائل الدرامية والموسيقية التي أراد عصام السيد إيصالها. هذا التوظيف الذكي للعناصر البصرية جعل من العرض تجربة متكاملة تثير الحواس وتدفع للتفكير.
الأداء التمثيلي في «مش روميو وجولييت» كان بمثابة القلب النابض للعرض. علي الحجار، بصوته القوي وحضوره المسرحي البارز، قدم أداءً متميزًا أضاف بعدًا موسيقيًا لا يمكن إغفاله. بينما تألقت رانيا فريد شوقي في دور زهرة المدرسة التي تقبل الآخر، حيث نجحت في تقديم نموذج إيجابي لكيفية التعامل مع الاختلافات بروح متسامحة ومنفتحة. أداؤها المتمكن في الغناء والتمثيل جعلها تلعب دورًا محوريًا في إظهار أهمية التسامح والانفتاح على الآخرين.
الموهوب ميدو عادل نجح في تجسيد شخصية الشاب المتشدد الذي يتحول بفضل الفن إلى شخصية أكثر تقبلًا وانفتاحًا. أداؤه كان غنيًا بالتفاصيل، حيث عبر بصدق عن التناقض الداخلي الذي يعيشه الشاب بين التشدد الفكري والانفتاح على الأفكار الجديدة. هذا الأداء المتقن جعل شخصية ميدو عادل واحدة من أبرز شخصيات العرض.

الفتاة الحالمة والرومانسية

على النقيض، قدمت رانيا النشار دور جولييت، الفتاة الحالمة والرومانسية التي تعبر عن مشاعرها بصدق. أداؤها المناسب للشخصية أضاف عليها لمسة من البراءة والرقة، ما جعلها تمثل نموذج الفتاة التي تحلم بالحب الصادق والحرية في التعبير عن مشاعرها.
عزت زين، في دور ناظر المدرسة، كان مثالاً للقائد المثالي الذي يُعزز من قيم القبول والتسامح في المجتمع. أداؤه المحترف أظهر كيف يمكن للمسؤول أن يكون قدوة يحتذى بها في تربية الأجيال على القيم الإنسانية العليا.
الشاب الذي جسد دور «نجاتي» قدم أداءً قويًا يعكس مدى تأثير الفكر المتشدد على الشباب. هذا الدور يتطلب قدرة على تجسيد التشدد بشكل واقعي من دون مبالغة، وقد نجح الشاب في ذلك بفضل صدقه في الأداء، ما جعل شخصية نجاتي تجسد نموذجًا حيًا للأفكار المتطرفة التي تسعى المسرحية لمواجهتها.
من أهم الرسائل التي تحملها المسرحية هي التأكيد على أهمية مقاطعة المنتجات التي تدعم الكيان الصهيوني. هذا البعد الوطني يُضيف قيمة كبيرة للمسرحية، حيث تُبرز التزامها بالقضايا القومية ودعمها لحركات المقاطعة كوسيلة فعّالة لمواجهة الاحتلال وداعميه. المسرحية تطرح فكرة المقاطعة كجزء من المقاومة الثقافية، وتدعو الجمهور للتفكير في دورهم كمستهلكين في دعم القضية الفلسطينية. المسرحية لم تكن مجرد عمل فني، بل تجربة متكاملة توظف جميع العناصر الفنية لإيصال رسائل متعددة. عصام السيد، بخبرته الطويلة في المسرح، نجح في خلق عرض يجمع بين الدراما والموسيقى والاستعراض بطريقة متوازنة تجعل الجمهور متفاعلًا ومركزًا طوال مدة العرض. إصرار السيد على تقديم تجارب مسرحية مختلفة هو ما يميز «مش روميو وجولييت» عن غيرها من العروض المسرحية.
تميز السيد في تعامله مع النصوص الشعرية للمبدع أمين حداد، حيث قام بترجمتها إلى مشاهد مسرحية نابضة بالحياة. رؤيته الإخراجية كانت حاضرة في كل جانب من جوانب العرض، من الموسيقى إلى الديكور، حيث نجح في تحقيق توازن دقيق بين الأداء التمثيلي والاستعراضات الموسيقية التي صممتها شيرين حجازي ببساطة تتماشى مع روح العرض.
«مش روميو وجولييت» هي دعوة صريحة للتفكير في دور الفن في تشكيل وعي المجتمع ومواجهة التحديات التي تواجهه. إنها ليست مجرد مسرحية موسيقية، بل تجربة فنية تهدف إلى إثارة التفكير والتأمل في القضايا الكبرى التي تؤثر على حياتنا. إن هذا العمل يؤكد على أن الفن، بتأثيره العميق والملهم، يمكن أن يكون قوة تغيير حقيقية في مواجهة التشدد والانغلاق الفكري، ووسيلة فعّالة لدعم القضايا العادلة مثل مقاطعة المنتجات الداعمة للكيان الصهيوني.
في النهاية، «مش روميو وجولييت» ليست مجرد عرض مسرحي، بل هي تجربة فنية تُبرز أهمية الفن في زمن تتداخل فيه الفنون مع القضايا الاجتماعية والسياسية. هذه المسرحية تقدم نموذجًا يُحتذى به لكيفية استخدام المسرح كوسيلة للتعبير عن القضايا الهامة وتعزيز القيم الإنسانية التي نحن في أمس الحاجة إليها اليوم.

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب