الصحافه

إسرائيلياً.. هل خرج “حزب الله” من حكمه ساحة مشروطة بغزة؟

إسرائيلياً.. هل خرج “حزب الله” من حكمه ساحة مشروطة بغزة؟

عاموس هرئيل

سيصل عاموس هوكشتاين، المبعوث الأمريكي الخاص، إلى المنطقة لزيارة إسرائيل ولبنان. ورحلته الحالية تعكس قلقاً متزايداً لدى الإدارة الأمريكية من احتمالية تصعيد شامل بين إسرائيل وحزب الله. في الأسبوع الماضي، ظهر ارتفاع في قوة إطلاق النار من الطرفين مع المس بأهداف في عمق المنطقة. صباح أمس، أطلق حزب الله أكثر من ستين صاروخاً نحو الجليل على دفعتين، إلى جانب مسيرات انقضاضية، ولم يبلغ عن إصابات. وفي اليوم السابق، قتل ناشط في قوة الكوماندو التابعة لحزب الله، “قوة الرضوان”، في هجوم لسلاح الجو الإسرائيلي.

نجحت الولايات المتحدة في ردع إيران عن القيام بضرب مباشر لأراضي إسرائيل بعد اغتيال هنية في طهران نهاية آب. ولكن رغم اكتفاء حزب الله بهجوم المسيرات الذي تم إحباطه، كرد على تصفية رئيس الأركان فؤاد شكر في بيروت، فإنه لا دلائل على التوصل إلى ردع مشابه. بالعكس، إخلاء السكان المدنيين على جانبي الحدود يخلق ضغطاً جماهيرياً على القيادتين للتوصل إلى حل، لكن هذه القيادات غير قريبة من التوصل إلى اتفاق دبلوماسي على وقف النار. إطلاق الصواريخ والمسيرات من لبنان، حتى لمسافة بعيدة نسبياً عن الحدود، يشوش الحياة في مستوطنات الجليل التي لم يتم إخلاؤها. وفي ظل غياب اتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في القطاع، فإن حزب الله مقيد بوعده، ومواصلة إشغال الجيش الإسرائيلي بإطلاق النار من لبنان.

حضر وزير الدفاع غالنت الأسبوع الماضي مناورة للواء احتياط في قيادة المنطقة الشمالية، التي تدربت على عملية برية في الأراضي اللبنانية. وقال غالنت إن “مركز الثقل ينتقل إلى الشمال. نحن قريبون من استكمال المهمة في الجنوب، لكن لنا مهمة لم تنفذ، وهي تغيير الوضع الأمني وإعادة سكان الشمال إلى بيوتهم”. وزير الدفاع، مثل القيادة العسكرية، عاد وذكر بالوضع الصعب في الشمال؛ بنية التركيز على نشاطات الجيش في مواجهة مع حزب الله وتقليص القوات التي تنتشر في القطاع. في السابق، كان التفكير هو دمج العملية بوقف إطلاق النار وصفقة التبادل. أما الآن فمن الواضح أن احتمالية ذلك قلت جداً؛ بسبب العقبات التي وضعها رئيس الحكومة، والآن بسبب معارضة رئيس حماس السنوار.

تعتقد هيئة الأركان وغالنت أيضاً أن لواء رفح التابع لحماس هُزم فعلياً، ولم تعد حماس تعمل كجيش إرهابي. ما بقي هو منظمة إرهابية وعصابات، تدير نشاطات دفاعية مع استخدام خلايا صغيرة نسبياً، بعد أن أصيبت سلسلة قيادتها وسيطرتها بشكل كبير. منظومة صواريخ حماس تعرضت لضربة شديدة، ولم يبق إلا قدرة صاروخية تضم عشرات صواريخ ذات المدى المتوسط التي تصل إلى مركز البلاد، التي تجد صعوبة في استخدامها. منظومة سلاحها تعطلت، وإسرائيل تهاجم جواً مواقع القيادة التي أنشئت قرب أو داخل أماكن الإيواء الإنسانية. أمس، كانت هجمات كهذه، تكبدت فيها حماس مئات القتلى عندما تلقى جهاز مخابراتها، وجهاز مخابراتها العسكرية، الجزء الأكبر من الضرر.

مع ذلك، هناك جهود تُبذل لملء صفوف حماس، خصوصاً في شمال القطاع ومخيمات اللاجئين وسط القطاع (المنطقة التي كان الضرر فيها محدوداً نسبياً). إن غياب بديل للحكم نتيجة الحظر الذي ألقاه نتنياهو على الانشغال في ذلك، يبقي حماس البديل الوحيد في نظر سكان القطاع، رغم أن كثيرين منهم سئموا من حكم السنوار بعد الكارثة التي أنزلها عليهم.

جميع هذه الادعاءات أعدت في نهاية حزيران بعد مس جزئي بكتائب حماس في رفح، عندما شخص الجيش الإسرائيلي وجود فرصة لصفقة التبادل. في الأسبوع الماضي، تم تسويق أن الجيش استدعى مراسلين لجولة في رفح عبر الأنفاق التي قتل فيها المخطوفون الستة على يد حراسهم من حماس. وقال الجيش الإسرائيلي إن الأنفاق التي اكتشفت تحت محور فيلادلفيا كانت مغلقة من الطرف المصري، لأنه كان يمكن تدميرها في فترة قصيرة، وأنه لن يجد صعوبة في العودة واحتلال المحور إذا أخلى قواته منه في إطار وقف إطلاق النار. كل هذه الادعاءات تتضمن انتقاداً غير مباشر لنتنياهو الذي يرفض الانسحاب من فيلادلفيا ويضع المزيد من العراقيل أمام تنفيذ الصفقة.

موقف الجيش استدعى التعرض لموجة هجمات شديدة ومسمومة من قبل مؤيدي نتنياهو. في البداية، تم التشهير بالمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي بعد أن نشر فيلماً وثقه في النفق الذي قتل فيه المخطوفون الستة، استهدف تركيز انتباه العالم على جريمة الحرب التي ارتكبتها حماس وعلى معاناة المخطوفين الآخرين الذين ما زال حوالي نصفهم على قيد الحياة. بعد ذلك، هبت الأبواق واحتجت على ادعاء أن لواء رفح تمت هزيمته، واتهمت الجيش بنشر الأكاذيب.

الاعتبارات التي تقف من وراء ردود ماكينة السم الموجهة في معظمها على يد الزعيم وعائلته، واضحة. عندما ركز هاغاري الانتباه على ضائقة المخطوفين، فهو بذلك كشف ضعف وعدم حيلة نتنياهو في معالجة هذه القضية؛ وليس تصميمه أمام الضغط الخارجي كما حاول عبثاً إقناع عائلة أوري دنينو، واحد من المخطوفين الستة الذين قتلوا. في حين أن الإعلان عن استكمال المهمة في رفح سينزع من نتنياهو ذريعة مواصلة الحرب الخالدة في القطاع، والحفاظ على الجمود السياسي، والبقاء في الحكم لفترة أخرى ومواصلة صد الدعوات المتزايدة لتشكيل لجنة تحقيق رسمية.

يشعر الجيش الإسرائيلي بقلق بسبب سيناريو آخر، وهو أن رئيس الحكومة يمكنه المطالبة بزيادة الضغط العسكري على حماس بواسطة قوات كبيرة، أيضاً في مناطق أخرى في القطاع. وقد أصبح واضحاً أن هذه العمليات لا تساعد في إنقاذ المخطوفين، بل إنها تعرض حياتهم للخطر في حالات كثيرة. حقيقة أنه حماس أعدمت ستة مخطوفين في كل من رفح الشهر الحالي وفي خان يونس في آذار، إنما تزيد الخوف على حياة الباقين. احتمالية إنقاذ المزيد من المخطوفين بشكل مفاجئ تضعف إزاء الأمر الذي أعطته حماس للحراس: قتل المخطوفين إذا اقترب الجيش الإسرائيلي من المنطقة.

عملياً، يبدو أن نتنياهو لم يقرر بعد ما إذا كان سيضغط لتوسيع القتال في القطاع، أو توجيه الانتباه إلى لبنان. كالعادة، تتعلق قراراته بدرجة كبيرة بالضغوط التي تستخدم عليه. أي قرار سيتخذ سيحتاج إلى الأخذ في الحسبان مخازن السلاح والاحتياطي الموجود لدى الجيش الإسرائيلي، والعبء الكبير على الاحتياط، وتآكل الوحدات النظامية التي تتحمل العبء الرئيسي في الحرب منذ سنة تقريباً بشكل متواصل.

رغم أن بعض الضباط الكبار يعتقدون أن العبء سيصعب شن حرب واسعة في لبنان، لكنهم لا يعبرون عن مواقفهم بوضوح. وهذا ينبع جزئياً من الدماء الخبيثة التي تسري بينهم وبين نتنياهو حول أزمة الانقلاب النظامي وهبوط جاهزية الجيش. بعد ذلك، على خلفية الفشل في 7 أكتوبر. بعد هذه الأحداث، تبدو هيئة الأركان جهازاً متعباً يصعب عليه الثبات على موقفه في وقت ينثر فيه رئيس الحكومة وعوده الفارغة حول الانتصار القريب أو بمواصلة القتال بالأظافر إذا احتاج الأمر.

الواضح جداً في هذه الأثناء أنه في ظل غياب ضغط كبير على نتنياهو (مشكوك فيه إذا كانت حتى المظاهرة الكبيرة في الفترة الأخيرة تؤثر عليه) فإنه لا ينوي المضي بصفقة التبادل قبل الانتخابات الأمريكية في بداية تشرين الثاني القادم. يتبين من تصريحاته الأخيرة أنه يرى حياة المخطوفين موضوعاً ثانوياً، الأهم عنده هو البقاء في الحكم والحفاظ على علاقة جيدة مع ترامب الذي ربما يعود إلى البيت الأبيض في كانون الثاني القادم.

 هآرتس 15/9/2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب