ثقافة وفنون

مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي الـ13: حينما غاب التجريب وحضرت الجوائز

مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي الـ13: حينما غاب التجريب وحضرت الجوائز

محمد عبد الرحيم

القاهرة ـ «القدس العربي»: أختُتِمت فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي الـ(31) الذي تنوعت عروضه بين ما يمكن أن يُطلق عليها عروض تجريبية، وأخرى لا تمت لفكرة التجريب ولو من بعيد، فالعرض من الممكن أن تشاهدة في أي موسم مسرحي عادي، ولا يحتوي من عناصر التجريب ـ سواء على مستوى الشكل أو التنفيذ والأداء ـ إلا المشاركة تحت مُسمى المهرجان. أغلب العروض العربية والمصرية بالأساس ابتعدت عن مفهوم التجريب، وهو ما يثير التساؤل عن المعيار الذي تتبناه لجنة المشاهدة ـ المُنتقاة على ذوق رئيس المهرجان سامح مهران ـ لتحكم على هذا العرض أو ذاك بأنه يليق بكونه عرضاً تجريبيا، خاصة أن رئيس لجنة المشاهدة الكاتب مدحت العدل، الذي نعتقد أن لا علاقة وطيدة له بالمسرح، فما بالك بـ (التجريبي)؟!

الجوائز

نبدأ بالجوائز، حيث حصل العرض الألماني «بابل» على جائزة أفضل عرض، إخراج فرناندو ميلو وروبيرتو سكافاتي. أفضل مخرج مادلين لويزا عن عرض «أوتو رتراتور/بورتريه ذاتي» الإكوادور. أفضل ممثل سنتياغو رودريجو، عن العرض نفسه. أفضل ممثلة حلا عمران عن عرض «صمت» الكويت، وعنه حصل مؤلفه ومخرجه سليمان البسام على جائزة أفضل نص مسرحي. وذهبت جائزة السينوغرافيا إلى العرض المصري «ماكبث المصنع» الذي لا ينتمي إلى التجريب، والفائز بجائزة أفضل عرض في المهرجان القومي للمسرح المصري الأخير من حوالي أسبوعين! إضافة إلى شهادة تقدير للعرض الفلسطيني «معتقلة» إخراج معتصم أبو الحسن، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة للعرض المصري «صدى جدار الصمت» إخراج وليد عوني، من قبيل «مصر هتفضل غالية عليا».

من عروض المهرجان

تنوعت عروض المهرجان بتنوع جنسياتها، فالعروض الأوروبية دارت أغلبها حول مناقشة علاقة الرجل بالمرأة، سواء محاولة المساواة أو التنديد بالمجتمع الذكوري، كما في عرض «قطار ميديا» الإسباني على سبيل المثال، وكذلك عرض «صور ذاتية» من الإكوادور، وصولاً إلى استبعاد الرجل تماماً من المشهد، واستحضار صراعات المرأة من خلال العلاقات الاجتماعية وطبقيتها، وكذا الحالات الإنسانية كالحب والموت، كما في العرض المجري «صالون». من ناحية أخرى تناست بعض العروض العربية ما تعيشه مجتمعاتها، فدارت إما عن تهويمات وجودية متهافتة، كما في العرض السعودي «الظل الأخير» والألماني «جُرح» أو مناقشة مشكلات الرجل والمرأة في العرض الأردني «بوتكس» الذي لا علاقة له بالتجريب، يُشاركه في ذلك العرض الإماراتي «إبرة» الذي يقترب أكثر من السهرة التلفزيونية. أما فكرة الربط بين الدراما والتكنولوجيا الحديثة، ظناً أنها السبيل إلى التجريب فظهرت من خلال العرض المصري «ماكبث المصنع» واليوناني «كلتيمنيسترا ضد أجاممنون» رغم لجوء الأخير إلى أشكال مختلفة من الحكي، بداية من العرّافة اليونانية كتقليد قديم راسخ، وصولاً إلى رسائل الواتس.

بابل

من العنوان يدور العرض حول محاولة التواصل، وبما أن اللغة أصبحت مُشوّشة وغريبة، لذا كان التعامل من خلال جسد الممثل وصوته فقط ـ العرض راقص ـ دون أن يكون لهذه اللغة أو تلك أي دور. ومن الممكن أن تصبح اللغة هنا هي البديل عن السُلطة في وقتنا الراهن. حالة (بابل) هي عقاب إلهي كما في الأساطير المقدسة لهذا البرج الذي بناه الإنسان وصولاً للإله ظناً في قدرته (الإنسان) بأن يتخذ دور الإله، فما كان من الأخير سوى الغضب، ففرّق الإنسان وشتته من خلال اختلاف اللغة ـ ومن الأسطورة إلى اللغة المُسيطرة وصاحبها المتسلط، هنا أصبح الإله هو صاحب الحضارة التي تفرض رؤيتها ووجودها على الجميع، فكان لا بد من نسيان اللغة والعودة إلى حالة من البدائية وطقوسها وحركاتها، ربما وصولاً إلى فكرة تفتيت هذه السلطة. يبدأ العرض بالبرج الذي ينهار، والذي يتشكل من أجساد الممثلين، الذين يعاودون البناء لكن في شكل جديد، دون فرض لغة بعينها أو جنس بعينه، فحالات التواصل بين الأجساد/المخلوقات تتم من خلال الصوت والإيماء، فمحاولة البقاء تكمن في لغة مشتركة لا تستبعد أحدا أو تلزمه بتعاليمها، أو تطرده من رحمتها. هكذا يحلم أو يتخيل فريق العرض الألماني الفائز بجائزة أفضل عرض في المهرجان.

بورتريه ذاتي

رجل وامرأتان يدور من خلالهم عرض الإكوادور ـ جائزة أفضل مخرج وممثل ـ وكذا عدة أشكال سردية. ومن خلال إطارات خشبية (براويز) يتم سرد الحكاية التي تبدأ بخروج المرأة إلى الحياة ـ هي الأصل ـ حيث تقف ويظهر وجهها من خلال البرواز الخشبي، بينما تقف فوق إصيص فيه طين، فهي الحياة إذن. بينما الرجل ينتظر صامتاً في بروازه الخاص به. أما المرأة الأخرى فتقوم بإعداد البراويز استعداداً لالتقاط الصور/ اللحظات/ المواقف في حياة المرأة الأولى ـ الأمر نسوي في الأساس، وربما خافت لجنة التحكيم ألا تعطيه جائزة الإخراج لمخرجته، حتى لا تُتهم بالرجعية والتخلف ـ ومع تعدد هذه الإطارات وما تحتويه من صور، تتوالى حالات قهر الرجل للمرأة واستغلالها طوال حياتها وحتى بعد موتها ـ شغل يساري قديم ـ فبعد موتها لا يستطيع الرجل الحياة، فماذا يفعل؟ يُضاجعها بعد موتها. هذا العرض يؤكد أننا نتساوى والغرب في التخاريف والأمراض النفسية.

صمت

كعادة المؤلف والمخرج سليمان البسام في تناوله للحدث السياسي من خلال العرض الدرامي، ومنه تتسع الدائرة لتشمل المأزق الأصعب الذي تعيشه البلاد أو المنطقة الموصومة بالعربية ـ جائزة أفضل نص مسرحي وأفضل ممثلة، فقط.. حفظاً لماء وجه اللجنة ــ يأتي عرض «صمت» الذي يدور حول انفجار مرفأ بيروت كحدث أساس يتواتر من خلاله العديد من المشكلات، التي على رأسها تواطؤ الأنظمة العربية الحاكمة، ومساعيها الجاهدة لتحويل مجتمعاتها إلى مسوخ وفتيات ليل، وما الصوت الذي يقاوم إلا صوت الـ»صمت» فالكلام انتهى والحديث انقطع مع دوي الانفجار. تؤدي الممثلة حلا عمران حالات عدة لا تنتهي، وكأنها كائن يحاور نفسه حتى الجنون، منولوجات ساخرة سخرية سوداء، وأغنيات ورقص ــ المرجو والمفروض ـ يتقاطع معها حول حادث الانفجار صوت مهندس أمريكي متخصص في حوادث الانفجار، وعميد لبناني متقاعد. فبعد الانفجار تأتي حالة الذهول وتخفت الأصوات، وكأن الجميع أصابه صمم، فبعد الانفجار لا يُسمع سوى الـ(صمت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب