المغرب: ملفات سياسية واجتماعية «حارقة» مع قرب افتتاح السنة التشريعية الجديدة

المغرب: ملفات سياسية واجتماعية «حارقة» مع قرب افتتاح السنة التشريعية الجديدة
الطاهر الطويل
«ملفات حارقة» على طاولة المؤسستين التشريعية والتنفيذية، وفي مقدمتها إشكالية التعديل الحكومي، حيث تتوقع مصادر أن يُعفى وزراء من مناصبهم ويُعوَّضون بآخرين، بعد افتتاح البرلمان.
الرباط ـ حينما اختارت أسبوعية «الأيام» لغلاف عددها الجديد عنوان «لماذا يسير المغرب بسرعتين؟» فإنها تحيل بذلك إلى مفارقة لافتة، تستوقف المراقبين والباحثين وعموم المواطنين، وتتمثل في وجود صورتين متناقضتين تمام التناقض للمغرب. الصورة الأولى: البلد الذي ينجز مشاريع استراتيجية ضخمة، من موانئ بمواصفات دولية، وشبكة طرق سيارة، ومطارات كبرى، ومجمعات صناعية ضخمة، ومحطات لتوليد الطاقة البديلة الريحية والشمسية، ومحطات لتحلية المياه، وفضاءات للاستثمار الاقتصادي للشركات المحلية والدولية الكبرى وغيرها.
والصورة الثانية العكسية: البلد الذي ما زال يتعثر في مسار التنمية الاجتماعية، بسبب استمرار الخلل في الصحة والتعليم وانتشار البطالة والفقر في المدن والأرياف، ناهيك عن الغلاء غير المسبوق في أثمان المواد الغذائية والبنزين وغيرها من المنتجات الضرورية.
وبينما يُنتظر أن يُدشّن الموسم السياسي الجديد، خلال الجمعة الثانية من شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل، كما جرت العادة بذلك، حيث يفتتح العاهل المغربي محمد السادس الدورة الأولى للبرلمان بغرفتيه (النواب والمستشارين)؛ توجد «ملفات حارقة» على طاولة المؤسستين التشريعية والتنفيذية، وفي مقدمتها إشكالية التعديل الحكومي التي يتردد الحديث عنه منذ شهور، حيث تتوقع مصادر أن يُعفى وزراء من مناصبهم ويُعوَّضون بآخرين، بعد افتتاح البرلمان. فيما تستبعد مصادر غيرها التعديل، متعللة بوجود «انسجام» داخل الجهاز التنفيذي، فضلاً عن حالة «الانتشاء» التي يبدو عليها رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، وهو يستعرض ما يعتبره «منجزات» تحققت في عهده بشكل غير مسبوق، حسب ادعائه.
وإذا كان الرأي العام المحلي يشير باللمز والغمز إلى وزراء بعينهم، على اعتبار أدائهم «الضعيف» أو سيرتهم السجالية التي تؤدي إلى تراكم الأخطاء الكبرى، ومن ثم يستدعي التضحية بهم في التعديل المرتقب، فإن التاريخ السياسي المعاصر في المغرب أثبت أن ما يردده الشارع ليس بالضرورة هو ما تفكر فيه دوائر القرار العليا، فتقدير هذه الأخيرة للأمور مختلف، وتقييمها للأسماء والشخصيات مغاير لما يتداول في الصحافة والصالونات السياسية. ومن ثم، ربما لا تكون هناك حاجة لتعديل أصلاً، وقد دخلت حكومة أخنوش عامها الثالث، ولم يتبق لها سوى عامين عن انتخابات 2026.
بيد أن موضوع التعديل الحكومي وما يرافقه من استهلاك إعلامي، لا يمكن أن يغطي على تأجّج الأوضاع في قطاعات مهنية متعددة، حيث يخوض الموظفون إضرابات متعددة، كما هو الشأن بالنسبة لرجال ونساء التعليم، والممرضين والممرضات، وموظفي البلديات والمحاكم وغيرها… ولكل فئة من هذه الفئات ملفها المطلبي الذي ترفعه إلى الحكومة، ومن أجله تهدد بالتوقف عن العمل وتنفذ تهديدها، محمّلة المؤسسات الوصية عرقلة الخدمات في تلك القطاعات المهنية الحيوية.
بالإضافة إلى ما سبق، تمارس النقابات الضغط على الحكومة، لا سيما في مشاريع قوانين كمشروع قانون الإضراب الذي يُؤاخذ بكونه قد يحدّ، في حال تطبيقه، من الحرية النقابية والنشاط العمّالي الذي يضمنه الدستور المغربي والمواثيق الدولية.
المحامون، بدورهم، اختاروا التصعيد في وجه وزير العدل الذي يسعى إلى التسريع بالمصادقة على مشروع قانون «المسطرة المدنية» الجديد الذي يُعاب عليه أنه «قوّض عددًا من المبادئ الأساسية للقوانين الإجرائية، ونسف العديد من المكتسبات التشريعية في المغرب» وفق تعبير رئيس جمعية هيئات المحامين.
هذه السجالات ذات الطابع التشريعي لا تخفي «ملفات سوداء» أزكمت رائحتها الأنوف، وتخصّ شخصيات عمومية في مراكز القرار، منهم نواب ومستشارون برلمانيون أو رؤساء مجالس بلدية، ممن يتابعون في قضايا فساد، تتوزع بين الإرشاء والتدليس وبين اختلاس وتبديد أموال عمومية.
واللافت للانتباه أن بعض المتهمين ينتمون إلى أحزاب الأغلبية الثلاثة (التجمع الوطني للأحرار، الاستقلال، الأصالة والمعاصرة). ما يجعل هذه الملفات تعطي انطباعا سيئا عن العملية الانتخابية التي تفرز مفسدين يستغلون مناصبهم من أجل «الإثراء غير المشروع» وتؤدي إلى العزوف عن مشاركة المواطنين في التصويت الانتخابي. وأبرز مثال على ذلك، ما حصل في الانتخابات الجزئية التي همّت عددا من المجالس البلدية في الآونة الأخيرة، حيث كانت نسبة التصويت متدنية بشكل كبير. وهو مؤشر على ما يمكن أن تؤول إليه الأمور خلال الانتخابات التشريعية والبلدية المقبلة في عام 2026 إذا جرت بكامل الشفافية وبدون تدخل للمال من أجل استمالة الناخبين.
ويأسف مراقبون من كون حكومة أخنوش قامت، مباشرة بعد تنصيبها ببضعة أسابيع، بسحب مشروع قانون لتجريم «الإثراء غير المشروع» ظلّ يتراوح بين مكاتب البرلمان منذ سنوات. فكان من نتائج ذلك تفشّي الفساد لدى شخصيات عمومية منتخبة، اعتقادًا منها بأنها قد تفلت من المراقبة والملاحقة القضائية. ولم تستطع مؤسسات الحوكمة كـ«مجلس المنافسة» و«الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها» أن تثني المفسدين عن ممارساتهم المشينة التي تسيء إلى الممارسة الديمقراطية كما تسيء إلى صورة البلاد عمومًا.
وعلى بعد أسبوعين من افتتاح السنة التشريعية الجديدة في المغرب، ما زالت واقعة محاولة «الهجرة السرية» الجماعية لعدد من الشباب والقاصرين نحو مدينة سبتة المحتلة من لدن إسبانيا، منتصف أيلول/سبتمبر الحالي، تفرز تداعيات كثيرة، وتضع مصداقية الخطاب الحكومي على المحك. ففي الوقت الذي ما فتئ فيه عزيز أخنوش يستعرض بتباهٍ المشاريع التي يقول إن حكومتها أطلقتها للتقليص من حدة البطالة وتوفير فرص العمل للشباب، يلاحظ أن حجم محاولة الهجرة الجماعية وما رافقها من فورة حماس وهيجان على شبكات التواصل الاجتماعي فندت الكلام الحكومي، وجسدت عمق الأزمة الاجتماعية التي تعددت مظاهرها ما بين الارتفاع الباهظ لأثمان المواد الاستهلاكية والبطالة وتخبط المناهج التعليمية، بينما تتوفر للطبقة «المحظوظة» كل الفرص والتسهيلات لتحقيق مراكمة الثروات على حساب المستضعفين، والمثال الساطع على ذلك ما وقع في عيد الأضحى لعامين متتاليين، إذ رخصت الحكومة لكبار المقاولين باستيراد الأغنام والبقر من أوروبا وأمريكا اللاتينية بأثمان بخسة، تعززها إعفاءات جمركية وضريبية، بالإضافة إلى منح المستوردين مبلغ 500 درهم (50 دولارا أمريكيا) عن كل رأس غنم.
وفي مقابل هذا السخاء الممنوح لكبار المزارعين الذين يستوردون الأغنام والبقر، شهدت أسعارها ارتفاعا كبيرا، جعل الكثير من الأسر المغربية لا تقوى على اقتناء أضحية العيد ولا على شراء اللحم الذي ارتفع سعره إلى مستوى غير مسبوق.
ويبدو أن هذه العملية سوف تتكرر مع زيت الزيتون، بعدما رددت مصادر أن الحكومة تتجه إلى استيراد هذه المادة من خارج البلاد، لتدارك «النقص» الموجود فيها السنة الحالية بسبب الجفاف وشح الأمطار، ما جعل سعرها يتضاعف بأكثر من مئة في المئة، إذ قاربت 150 درهما (15 دولارا أمريكيا) للتر الواحد خلال الآونة الأخيرة.
هكذا إذن، يتبدى حاليا المشهد السياسي والاجتماعي في المغرب، فهل يتغير الإيقاع ويسير البلد بسرعتين متوازيتين، تتحقق معها انتظارات عموم الشعب في العدالة الاجتماعية والعيش الكريم، بالقدر نفسه الذي تتوفّر سبل الإقلاع الاقتصادي والصناعي؟
«القدس العربي»: