تقديرات: نتنياهو سيشعل الحرب على كل الجبهات.. وخامنئي لن يطيل موعد الرد
تقديرات: نتنياهو سيشعل الحرب على كل الجبهات.. وخامنئي لن يطيل موعد الرد
أخرجوا أمس في الضاحية الجنوبية-بيروت، جثة رئيس حزب الله، حسن نصر الله، من تحت أنقاض مركز القيادة، المبنى الذي قصفه سلاح الجو الإسرائيلي، الجمعة. بعد وقت قصير، أكد حزب الله مقتل علي كركي قائد جبهة الجنوب في حزب الله في الهجوم نفسه. وفي هجوم إسرائيلي آخر، السبت، قتل نبيل قاووق، وهو اسم معروف لدى قيادة حزب الله منذ ثلاثة عقود. وأمس، حيث استؤنف القصف في الضاحية، يبدو أن عدداً من الباقين في قيادة حزب الله كانوا في مرمى الهدف.
بعيداً من هناك، في إيران، في حادث لم تتضح ظروفه بعد، قتل المنسق الأعلى اليمني للحوثيين بتحطم مروحية. وفي اليمن نفسها، قصف سلاح الجو الإسرائيلي ميناء الحديدة للمرة الثانية رداً على إطلاق صاروخ على مركز البلاد أول أمس. جميع هذه العمليات، التي كل منها كانت ستحصل على عنوان كبير لو كانت قبل شهر أو شهرين، تم إقصاؤها إلى هامش الأخبار على خلفية اغتيال حسن نصر الله، الذي يعد من الأشخاص المهمين في الشرق الأوسط في العقود الأخيرة.
في مقال نشر في مجلة “تايم”، اقتبس فراس مقصد، محلل في أحد معاهد الأبحاث في واشنطن، مقولة قديمة لفلاديمير أليتش لينين: “هناك عقود لا يحدث فيها شيء. وهناك أسابيع تحدث فيها عقود”.
هذا صحيح بخصوص الأسابيع الأخيرة التي يبدو أن إسرائيل حطمت فيها تقريباً بشكل كامل العمود الفقري لقيادة لحزب الله، ودمرت جزءاً كبيراً من مخزون صواريخه وقذائفه، وأنهت ذلك بعملية الاغتيال الصارخة لرئيسه. ولكن المهمة لم تنته؛ فهجمات سلاح الجو الكثيفة تستهدف، إلى جانب الاستمرار في ملاحقة الشخصيات الرفيعة، مخازن صواريخ وقذائف أخرى. بقي سؤال واحد مفتوحاً، وهو: هل العملية التي تستكمل الهجوم الجوي، التي سجلت نتائج بعيدة المدى، ستشمل هجوماً برياً للجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان؟
رؤساء المجالس المحلية على الحدود الشمالية، التي تم إخلاء سكانها، إضافة إلى شخصيات رفيعة في قيادة المنطقة الشمالية، يضغطون للدفع بهذه الخطوة قدماً. حسب قولهم، هناك حاجة كبيرة لمعالجة البنية التحتية العسكرية التي أقامها رجال حزب الله، بالأساس وحدات قوة “الرضوان”، قرب الحدود، فوق الأرض وتحتها، خلال سنوات منذ الحرب الأخيرة في 2006. ومثلما حدث في قطاع غزة، ربما يتم هذا بإدخال قوات برية، لكن سيرافقه احتكاك عسكري أصعب وخسائر أيضاً. نوقشت خطط مختلفة طول سنين، بدءاً بدخول محدود إلى مناطق سيطرة وانتهاء باحتلال المنطقة جنوب نهر الليطاني كلها.
مع الأخذ في الحسبان الإجراءات التي قام بها حزب الله لسنوات استعداداً لعملية برية إسرائيلية في جنوب لبنان، فلن تكون هذه مهمة سهلة. حتى لو هرب كثير من أعضاء الحزب نحو الشمال. تتناول النقاشات في إسرائيل مسألة: هل تبدو العملية حيوية، وهل من الضروري الآن ضربة أخرى للحزب لتدميره والمس بمكانته وقدراته لسنوات؟
الادعاء السائد في الفترة الأخيرة هو أن إسرائيل عانت من تقدير زائد لحزب الله، وخلال سنوات أخافت نفسها منه بشكل مبالغ فيه. الضعف والتشويش الذي يظهره حزب الله منذ هجوم البيجرات في 17 أيلول يثير وبحق مثل هذه التساؤلات. مع ذلك، ليس صدفة أن هذه هي الحادثة الأولى في نوعها التي يشهد فيها جيش أو منظمة انهياراً كبيراً في وقت الحرب خلافاً للتوقعات المسبقة. ضربة مفاجئة كبيرة جداً أثناء الحرب تؤدي إلى الفوضى والشلل وتضر باتخاذ القرارات في القيادة وتترك القادة في الميدان والجنود العاديين ليحاربوا وحدهم. وعلى إسرائيل بالتحديد من بين الجميع، يجب أن تعرف ذلك. هذا ما شاهدته فرقة غزة في 7 تشرين الأول.
الإنجازات الكبيرة التي راكمها الجيش الإسرائيلي مؤخراً شجعت على أجواء النشوة في الأستوديوهات، حيث تنافس المذيعون والخبراء فيما بينهم على تقدير ضعف العدو وتوزيع المديح على إبداع إسرائيل. ومثلما هي الحال دائماً، يجدر التذكر بأنه لا صافرة نهاية هناك، وأن العدو، بدءاً بإيران وحتى حزب الله وحماس، ما زال يمكنه الرد حتى لو تعرض لضربة شديدة. وحقيقة أن حزب الله يطلق بضع مئات من الصواريخ في هذه المرحلة تعكس كما يبدو قوة الصدمة والتشويش في صفوفه. هذا لا يعني أنه لن يتولى أحد في مستوى القيادة هناك زمام الأمور قريباً.
الأمر المقلق هو رد إيران. فالحساب مفتوح على اغتيال إسماعيل هنية، وزاد بشكل كبير بعد اغتيال حسن نصر الله. وحتى إن الزعيم الروحي علي خامنئي (85 سنة)، الذي يحذر من التورط في حرب، لن يسمح لنفسه بالمرور مر الكرام على ما حدث لفترة طويلة.
بخصوص الساحة الجنوبية، يمكن التقدير وبحذر أن الشائعات حول موت رئيس حماس السنوار كانت مبالغاً فيها، وربما سابقة لأوانها. وللمفارقة، ربما يوجد في ذلك أفضلية معينة، السنوار يظهر في هذه الأثناء أنه الشخص الوحيد في حماس الذي يمكنه عقد صفقة التبادل. وهو منذ فترة طويلة، يؤخر الرد على محاولات الوساطة، لكنه ليس الوحيد الذي يفشل الصفقة. فرئيس الحكومة نتنياهو الذي بشر أول أمس المواطنين بـ “أيام كبيرة” تنتظر شعب إسرائيل، يبدو كأنه فقد الاهتمام بالمفاوضات في الجنوب كلياً.
نتنياهو يدفع ضريبة كلامية من أجل إعادة المخطوفين، لكنه عملياً يركز على الصراع الإقليمي الآخذ في السخونة. يحظى رئيس الحكومة بالتصفيق والهتافات من قاعدته السياسية على خلفية النجاحات في لبنان، التي وبحق احتاجت منه اتخاذ قرارات في ظل عدم اليقين والمخاطرة. حسب ما يمكن فهمه الآن، سيتوجه نتنياهو الآن نحو الهجمات على كل الجبهات. ولن يكون وقف إطلاق النار على رأس سلم أولوياته، رغم صراخ عائلات المخطوفين.
عاموس هرئيل
هآرتس 30/9/2024