أزمة النشر تُحبط الكُتّاب وتضع المشاريع الإبداعية في الأدراج
كمال القاضي
لا تزال أزمة النشر في مصر هي المُشكلة الأكبر التي تواجه المُثقفين من الكُتاب والمُبدعين، فرغم تصريحات وزير الثقافة الجديد أحمد هنو حول دراسة هذا الموضوع والبحث في المشكلة المستمرة منذ سنوات، إلا أن الأزمة لا تزال قائمة ومتمادية في التعقيد والتفاقم.
بدأت أزمة النشر منذ فترة طويلة، وتعود أسبابها إلى عوامل كثيرة يأتي على رأسها ارتفاع سعر الورق والطباعة، الأمر الذي يُعطل كثيراً من آلية تعامل المؤسسات الحكومية الرسمية في هذا الخصوص وتباطؤها في طباعة ونشر مئات العناوين المُقدمة من عشرات الكُتاب من مُختلف الأجيال والاتجاهات. ولأن كُبرى المؤسسات ودور النشر المملوكة للدولة كالهيئة العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة، تجد صعوبة بالغة في تلبية احتياجات الكُتّاب وإنجاز مهامها الأساسية في تسريع عجلة النشر وإنجاز المشروعات الثقافية المكتوبة، سواء الدراسات البحثية أو النقدية أو الرواية أو القصة القصيرة أو الشعر، فإن انعكاس العُطل الواضح في هذا الجانب، أدى إلى خلق حالة من الإحباط بين المُبدعين، خاصة الشباب كون ما ينجزونه من أعمال أدبيه لا يجد سبيلاً إلى النور ويؤل مآله في كثير من الأحيان إلى أدراج الدواليب والمكاتب، انتظاراً لساعة مُرتقبة يتم فيها الإفراج عن عصارة فكرهم وتجاربهم في شتى المجالات الإبداعية. وبطبيعة الحال تأثرت دور النشر الخاصة بأزمة الورق، وارتفاع تكلفة الطباعة والنشر والعمالة، فأغلق بعضها وتوقف نشاطها لأجل غير مُسمى. وعلى الرغم من تعددها وكثرتها لم تُساهم في حل الأزمة، بل ربما أضيفت أزماتها إلى أزمات دور النشر الحكومية فلم تعد هي النوافذ البديلة التي كان يلجأ إليها الكُتاب والمؤلفون لنشر أعمالهم المؤجلة منذ سنوات نتيجة المُشكلات والأزمات المُركبة، التي تُعاني منها دور النشر الرسمية كالبيروقراطية وتعقيدات لجان القراءة والمحسوبية، وطول أمد الوقوف في طوابير الانتظار الطويلة للحصول على تأشيرات الموافقة والاعتماد من صغار إلى كبار الموظفين في تسلسل مقيت وممل لم تقضِ عليه حركات التغيير الوزاري، والتعديلات الإدارية التي جرت عبر عدة سنوات ومراحل.
الغريب والمُدهش أنه رغم التغييرات المزعومة ومحاولات التنقية والفلترة التي يتحدث عنها المسؤولون لمحاصرة عيوب ومساوئ البيروقراطية داخل المؤسسات الثقافية المعنية، تزداد مع وجود الظواهر السلبية وتفاقمها مُعدلات النشر للموظفين وأصحاب النفوذ فتخرج من المطابع نماذج من الكُتب والعناوين في القصة والرواية والشعر بغير تدقيق في المستوى الإبداعي، أو اختلاف يُذكر في المضامين عما سبق نشره وتداوله في الأوساط الأدبية تحت عناوين مغايره ومُختلفة. وهذا ما دعا إلى تشجيع الطفيليين والأدعياء من غير الموهوبين إلى التجاسر على الكتابة والنشر بانتظام، بدعم من قوة مركزية داخل القطاعات الثقافية تحرص على وجود هؤلاء داخل الساحة الأدبية، دون أي مُبررات منطقية.
وعلى صعيد النشر الخاص وبالعودة إلى دور النشر الأهلية وأزماتها الطاحنة، لم يتغير في الأمر شيء، ولم تدخل أي من التحسينات على آلية التعامل باختيار المناسب واللائق والأقوى من الكتابات، لنشرها والعناية بها مع الرفق بالمؤلفين والمُبدعين في ما يتعلق بتكاليف الطباعة ورسم الغلاف والدعاية والتوزيع وغيرها، حيث صارت كل هذه البنود مسؤولية الكاتب بما فيها حفل التوقيع الذي يتكبد المؤلف الناشئ أعباءه كاملة بلا أدنى مساعدة من جانب دار النشر الخاصة.
غير أن غالبية دور النشر المملوكة لأشخاص أو جميعها، تحسب بالورقة والقلم هامش الربح العائد إليها من العملية التجارية البحتة، ومن ثم تتلاعب بأصحاب المؤلفات من الكُتاب فتوقع معهم عقد احتكار لمدة خمس سنوات أو يزيد، كحق استغلال للمُصنف المطبوع، رواية أو كتابا أو مجموعة قصصية أو ديوان شعر أو دراسة علمية أو غير ذلك، فضلاً عن أن بعض دور النشر لم تلتزم بالكمية المُتفق على طباعتها من عدد النسخ في العقد المُبرم بينها وبين المؤلف، وتلك إشكالية أخرى تتسبب عادة في أزمات وخلافات كثيرة تصل في بعض الأحيان إلى المحاكم وتستمر النزاعات حولها فترات طويلة للغاية تتجاوز الشهور والسنوات، كل هذه التفاصيل أدت إلى وجود ركود في حركة النشر وكسل وإحباط من جانب الكُتاب والمُبدعين، الذين لا يجدون وسيله لضبط العلاقة بينهم وبين الناشرين وتقريب وجهات النظر في ما يتصل بتكلفة الطباعة ومحاولة العمل بنظام الشراكة مع حفظ الحقوق الكاملة لكل طرف، بما فيها الحقوق المادية والأدبية، وذلك لاستمرار التفاهم ومضاعفة الإنتاج الأدبي والفكري والعلمي وإثراء العقل بكل ما هو نافع ومُفيد ومُجد.
وإلى أن يحدث ذلك لا بد من مُعالجة سريعة وعاجلة للتخفيف من الأزمات والحد من الاستغلال ومنح الكاتب فرصة ليتمكن من نشر أعماله دون معاناة أو إزعاج أو معارك ثقافية وقضائية.
كاتب مصري