كيف رد ريال مدريد الصاع صاعين الى برشلونة في الكلاسيكو؟

كيف رد ريال مدريد الصاع صاعين الى برشلونة في الكلاسيكو؟
عادل منصور
لندن ـ: لقد عاد! للمرة الأولى منذ عقود طويلة، يتمكن ريال مدريد من إذلال غريمه التقليدي برشلونة، واكتساحه كرويا برباعية نظيفة مع الرأفة، في مباراة كلاسيكو إياب نصف نهائي كأس ملك إسبانيا، التي جمعتهما على ملعب «كامب نو» في منتصف الأسبوع الماضي، ليضرب النادي الميرينغي عصافير بالجملة بحجر واحد، أبرزها رد اعتبار الكيان، بعد سلسلة الهزائم المحرجة أمام الكتالان، بجانب إحياء آماله في الحصول على بطولة محلية هذا الموسم، بالحصول على تأشيرة اللعب أمام أوساسونا في نهائي الكوبا، كأفضل دفعة معنوية للمدرب كارلو أنشيلوتي ورجاله قبل صدام تشلسي في ربع النهائي في رحلة استكشاف كأس دوري أبطال أوروبا الخامسة عشرة.
استفزاز الذات المدريدية
لا يُخفى على عشاق الليغا عموما والريال بالأخص، أن جُل التوقعات والترشيحات قبل كلاسيكو الأرض كانت تصب في مصلحة «البلو غرانا»، وذلك لعدة أسباب، منها على سبيل المثال لا الحصر، التفوق النفسي والمعنوي للاعبي البارسا، نتيجة تمرسهم على قهر العدو المدريدي في الآونة الأخيرة، بتحقيق الفوز في آخر 3 مباريات بينهما في كل المسابقات، بدأت بثلاثية نهائي الكأس السوبر الإسبانية في يناير / كانون الثاني الماضي، ثم مباراتي الشهر الماضي، الأولى في ذهاب نصف نهائي الكأس والثانية في كلاسيكو الجولة الـ26 لليغا، ولعلنا لاحظنا انعكاس هذا التفوق على المايسترو وثقته في نفسه، راسما لنفسه شخصية «العراّب»، الذي يملك الوصفة السحرية لإخضاع الريال وحرمانه من مصدر قوته، بعدم منحه أي فرصة للعودة إلى أجواء المباريات، شريطة التعامل معه بكل قسوة وحدة كلما اقتربت الكرة من عرين الاخطبوط تيبو كورتوا، وعلى ما يبدو أن هذه الثقة، خلقت بشكل غير مباشر نوعا من أنواع «النرجسية» البشرية في غرفة خلع الملابس في «كامب نو»، والعكس 180 درجة بالنسبة للنادي الأبيض، الذي طار إلى الإقليم المتمرد، رافعا شعار «لا بديل عن رد الصاع صاعين»، على الأقل لحفظ هيبة وسمعة القميص الملكي في معارك الكلاسيكو، التي يشاهدها مئات الملايين في كل أرجاء المعمورة، لتكون المحصلة أو النتيجة، ما شاهدناه في سهرة الأربعاء الماضي، حيث كانت أشبه بالانتفاضة في معقل البارسا، ردا على رباعية «سانتياغو بيرنابيو» في النصف الثاني لحملة الليغا 2021-2022، وعلى ما وصفت إعلاميا وجماهيريا في الأشهر الماضية، بـ«الإهانات» التي تعرض لها الريال أمام برشلونة، ليلتقط المدرب الإيطالي أنفاسه، بعد حملة التشنيع التي تعرض لها بسبب تذبذب النتائج والعروض على المستوى المحلي، وذلك بتحقيق أفضل انتصار للنادي في الكلاسيكو في القرن الماضي، كأول مرة يتذوق فيها ريال مدريد طعم الفوز على الغريم المباشر بفارق 4 أهداف أو أكثر منذ خماسية العام 1995، التي كان بطلها أسطورة تشيلي إيفان زامورانو، بتسجيل ما مجموعه ثلاثة أهداف (هاتريك)، بالإضافة إلى تمريرة حاسمة في «سانتياغو بيرنابيو»، وهو نفس الإنجاز الذي كرره الأسطورة كريم بنزيمة في حفلة الأربعاء. لكن الجديد هذه المرة، سواء للعملاق المدريدي أو قائده الملقب بـ«الحكومة»، هو محاكاة ما حدث في يناير / كانون الثاني لعام 1963، حيث كانت المرة الأخيرة التي يفوز فيها الريال برباعية نظيفة خارج قواعده في معارك الكلاسيكو الرسمية، والمفارقة أنها أيضا المرة الأولى التي يسجل فيها لاعب مدريدي ثلاثة أهداف (هاتريك) في معقل الأعداء، منذ أن فعلها أسطورة الزمن الجميل فيرينك بوشكاش في نفس المباراة.
التفاصيل البسيطة
بالنظر إلى سيناريو المباراة أو بالعودة إلى مشاهدة الملخص عبر منصة «يوتيوب»، سنلاحظ مدى تأثير التفاصيل البسيطة في أحداث الكلاسيكو، حتى المشجع المدريدي يعرف أكثر من غيره، أن الدقائق الأولى لم تعط مؤشرات ملموسة لإمكانية حدوث هذه الدراما، بل بدون مبالغة، يمكن القول إن الأفضلية كانت للبارسا في أول نصف ساعة، بنفس الطريقة المعتادة في مباريات الكلاسيكو الأخيرة، لكن الفارق الجوهري هذه المرة، كان في غياب الحدة والفاعلية في اللمسة الأخيرة أمام المرمى، رغم وصول الكرة أكثر من مرة إلى المناطق المحظورة في الدفاع المدريدي، في فترة ما قبل استيقاظ مهندس الوسط توني كروس، الذي اعتمد عليه المدرب في مركز محور الارتكاز، كقطعة ثابتة على مسافة قريبة من رباعي الدفاع، وبالمثل مع شريكيه على الدائرة لوكا مودريتش وفيد فالفيردي، الذي ترك مكانه في مركز الجناح الأيمن للمهاجم البرازيلي رودريغو غوس، ويرجع الفضل الأكبر في نجاة الفريق المدريدي من عاصفة بداية البلو غرانا، الى قائد الدفاع المستقبلي إيدير ميليتاو، بفضل براعته في مضايقة جلاد الجلادين روبرت ليفاندوسكي، وعزله تماما عن رافينيا وغافي، فضلا عن يقظته وتوفيقه في إبعاد أكثر من كرة من أمام أقدام لاعبي البارسا داخل مربع العمليات، قبل أن يأتي الدور المعتاد من كورتوا، بتوقيعه على هدف التقدم الأول، نعم عزيزي القارئ هذا ليس تأثير الصيام، بل الحقيقة، ولو عُدنا لقصة الهدف الأول الذي سجله فينيسيوس جونيور، سنجد أنها بدأت بتصد من كوكب آخر، في لقطة كانت كفيلة بقتل المباراة إكلينيكيا قبل الذهاب إلى غرفة خلع الملابس بين الشوطين. وبدلا من أن يأخذ تشافي هيرنانديز ورجاله زمام المباراة والأسبقية، وفي رواية أخرى قطع النصف المتبقي من الطريق إلى نهائي كأس الملك، جاءت الضربة القاضية، باستقبال هدف يعتبره البعض جاء على «عكس أحداث المباراة»، وهذا يجسد قيمة ودور الحارس البلجيكي في انتصارات نادي القرن في هكذا مواعيد، كعلامة فارقة لا تقل أهمية وتأثيرا عن هداف الفريق بنزيمة، اذ يكفي أنه كان السبب الرئيسي في دخول ليفاندوسكي ورفاقه في حالة الانهيار الذهني، التي وصلوا لها في الشوط الثاني، من طاقة متفجرة وحيوية ونشاط في أغلب فترات الحصة الأولى، إلى يأس وتراخي واستسلام على مدار الشوط الثاني. وكما نعرف جميعا، هذا تقريبا ما يعشقه الريال في المواعيد الكبرى، حيث تتفجر جرعات «الأدرينالين» داخل اللاعبين، في لحظات ضعف خصومه الكبار، بالطريقة التي لقن بها ليفربول درسا لا ينسى في قلعة «الآنفيلد» في ذهاب ثمن نهائي بطولته المفضلة، وقبلها جبابرة البريميرليغ وأوروبا، سواء في ولاية زين الدين زيدان الأولى أو مع المخضرم الإيطالي، لكن الاختلاف هذه المرة، أن برشلونة كان الضحية، ليتذوق للمرة الأولى منذ سنوات مرارة الكأس التي لم ينج منها أحد في القارة العجوز.
نفحات رمضان
كل ما سبق في كفة، وما يفعله الشيخ كريم بنزيمة في شهر رمضان المبارك في كفة، أو كأن صاحبنا ينتظر شهر الصيام، ليستجمع قواه وفورمته المعروفة عنه، تماما كما فعلها العام الماضي في مثل هذه الأيام، باصطياد شباك تشلسي بهاتريك لن يمحى من الذاكرة في قلب «ستامفورد بريدج» في ذهاب ربع نهائي الكأس ذات الأذنين، ومؤخرا ضرب شباك بلد الوليد بهاتريك وهو صائم، قبل أن يضيف برشلونة إلى قائمة ضحاياه المفضلين في ليالي رمضان، تاركا بصمته بأول هاتريك في 43 مباراة كلاسيكو، ليرفع سجله الذهبي الى 16 هدفا في آخر 10 مباريات بالقميص الأبيض في الشهر ذاته، في ما يمكن اعتبارها بمثابة رسالة التحذير الجديدة، لتكرار ما فعله في الموسم الماضي، حين ارتدى عباءة أبطال سينما هوليوود في الوقت المناسب، بقيادة الفريق الى حسم لقب الليغا رقم 35 بدون معاناة، ثم إسقاط كبار أوروبا والبريميرليغ واحداً تلو الآخر، بما فعله أمام باريس سان جيرمان في إياب ثمن النهائي، وتبعه تشلسي ومانشستر سيتي في ربع النهائي ونصف النهائي، فقط توقف عن التسجيل في النهائي أمام ليفربول، الذي انتهى بهدف فيني، وهي كانت اللحظات التي صنعت موسمه الأسطوري، بتسجيل ما مجموعه 44 هدفا وصناعة 15 في 46 مباراة في مختلف المسابقات، والآن وبعد صحوته الرمضانية، أصبح في جعبته 22 هدفا و6 تمريرات حاسمة في 31 مباراة، وما زال أمامه الوقت والفرص لاستنساخ ما فعله الموسم الماضي، منها لتجاوز ما حدث معه في الأشهر الماضية، من معاناة مع لعنة الإصابات في بداية الموسم، ثم مشاكله مع مدرب المنتخب الفرنسي ديدييه ديشان، التي تسببت في خروجه من معسكر الديوك قبل أيام من ضربة بداية كأس العالم في قطر 2022، وما تبعها من أزمات تتعلق في المقام الأول بابتعاده عن تلك النسخة البراقة التي كان عليها في النصف الأول من العام الماضي، ومنها أيضا إحياء آماله في الاحتفاظ بجائزة «الكرة الذهبية»، كأفضل لاعب في العالم من قبل مجلة «فرانس فوتبول»، بعد ضياع الجائزة الثانية «ذا بيست» التابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، بسبب تتويج ليونيل ميسي بالمونديال مع منتخب بلاده، والسؤال العريض هنا: هل سيكون شهر رمضان هو بوابة كريم بنزيمة والريال للذهاب بعيدا في دوري الأبطال كما شاهدنا العام الماضي؟ أم سيعود إلى دائرة الشكوك مرة أخرى؟ هذا سيتوقف على ردة فعله أمام تشلسي في الدور القادم لدوري الأبطال وتأثيره على نتائج الريال في ما تبقى من حملة الليغا ونهائي الكأس أمام أوساسونا، المقرر في الأسبوع الأول من مايو / آيار على ملعب «لا كارتوخا» الأندلسي.
الأستاذ والتلميذ
صحيح أن المدرب أنشيلوتي، يتعرض من حين الى آخر لانتقادات عنيفة، لعدم قناعة جزء كبير من الرأي العام، بالمحتوى الذي يقدمه الفريق تحت قيادته، أو بعبارة أخرى، اعتراضا على مستوى الجودة التي يقدمها الريال داخل المستطيل الأخضر، لكن لا أحد يختلف على ذكائه وحنكته في إدارة الفريق، ولا حتى تأثير شخصيته على اللاعبين، وقبل هذا وذاك، نجاحه في تطوير بعض اللاعبين، في مقدمتهم النسخة الحالية لفينيسيوس جونيور، وهذا ينعكس على الإستراتيجية التي يسير بها الملكي، كفريق واقعي، يعرف بالضبط من أين تؤكل الكتف، بعيدا عن الاستعراض واللعب الجمالي، وبالأخص في المباريات الكبيرة، التي يحتاج خلالها إلى أبسط القواعد والأبجديات في عالم الساحرة المستديرة، باغتنام أنصاف الفرص قبل ركلات الجزاء والمحاولات المؤكدة بنسبة 100 %، وهذا ما جعلنا نعتاد على مشاهدة ريال مدريد يهزم منافسيه الكبار بنتائج عريضة. وكما أشرنا أعلاه، ظل برشلونة بمثابة الحالة الاستثنائية، باعتباره الفريق الأكثر فوزا على الريال بنتائج عريضة في الألفية الجديدة، إلى أن تحطمت هذه القاعدة على يد الأستاذ كارليتو، ليأخذ ما يمكن وصفه بالنفس العميق، بعودة ما يحتاجه من ثقة وهدوء داخل غرفة خلع الملابس، بعدما طاردته الاشاعات حول مستقبله في مدينة «فالديبيباس» أكثر من أي وقت مضى، الى درجة أن الحديث قبل الكلاسيكو، كان أغلبه عن الخليفة المنتظر للمدرب الإيطالي في النادي، بعاصفة من التقارير التي تشكك في إمكانية استمراره حتى نهاية عقده الممتد لموسم آخر، في حال سقط في الكلاسيكو الرابع تواليا، واذا تبعه بتوديع الكأس ذات الأذنين أمام البلوز، بينما الآن وبعد اقترابه من إنقاذ موسمه المحلي، بتحقيق أول كأس ملك منذ لقطة هروب غاريث بيل في العام 2014، يكون قد استراح ولو لنهاية الموسم من ضغوط وتهديد الإقالة، وهذا ما كان يريده على أمل أن تجري الأمور كما يخطط لها، بالمضي قدما في دوري أبطال أوروبا، متسلحا بخبرته النادرة في هذا الزمان بالتعامل مع الأساطير والنجوم التي تخطت حاجز الـ33 عاما، التي اكتسبها في الماضي غير البعيد، بحكمة في إدارة طاقة وجهود هذا النوع المختلف من اللاعبين، أمثال أليساندرو نيستا وباولو مالديني وكافو وبقية عظماء ميلان في العقد الأول من القرن الجديد. ولو نلاحظ، هذا ما يفعله مع كريم بنزيمة وكروس ومودريتش، بينما نظيره الكتالوني تشافي هيرنانديز، فقد أثبت مرة أخرى، أنه ما زال بعيدا عن مستوى النخبة في أوروبا، بمشاهدة نفس النسخة المنهارة ذهنيا وفنيا للبارسا في دوري الأبطال واليوروبا ليغ، عندما تحدث أشياء غير متوقعة في المباراة، ربما لضعف خبرة المدرب، وربما لحاجة هذا المشروع لمزيد من الوقت، حتى يكتسب الشخصية التي تمكنه من الصمود أمام الضغوط والأحداث غير المتوقعة، بالصورة التي يتفاخر بها عشاق الريال بفريقهم، الذي يستمد طاقته وقوته من اللحظات الصعبة، على غرار الاستجابة الأسطورية أمام ليفربول بعد التأخر بهدفين نظيفين في «الآنفيلد»، والعودة الإعجازية في نصف نهائي كأس الملك بعد خسارة ذهاب «السانتياغو» الشهر الماضي. لكن في كل الأحوال، سيبقى أمل وهدف تشافي في ما تبقى من الموسم، هو تأمين فارق الـ12 نقطة مع الريال في الصراع على الليغا، لإنقاذ وظيفته والحصول على فرصة أخرى، حتى يثبت أنه استفاد من دروس الماضي، وأهمها على الإطلاق تفادي لحظات الانهيار الذهني والتحول إلى فريق هش كلما تعرض لهزة في مبارياته الكبيرة، وكل ما سبق جعل الريال يأخذ بالثأر من سلسلة هزائمه الأخيرة أمام البارسا.
«القدس العربي»