دراساتمقالات

تحجيم المشاريع الدينية الغيبية هدف استراتيجي لمنطقة آمنة بعد نفاذ الطبعات القديمة لمشروع الشرق الأوسط ج2  بقلم حسن خليل غريب

بقلم حسن خليل غريب

تحجيم المشاريع الدينية الغيبية هدف استراتيجي لمنطقة آمنة بعد نفاذ الطبعات القديمة لمشروع الشرق الأوسط
ج2
 بقلم حسن خليل غريب
بعض خلفيات المرحلة الدولية الجديدة
مما تقدَّم في الجزء الاول، ومع بروز وقائع المتغيرات الجديدة على مستوى الرأي الشعبي العالمي، كذلك على مستوى الإجماع الدولي الرسمي، منها ما ينبغي عدم اغفالها ، نذكر بعض حقائق سادت واقع المرحلة السابقة مما له علاقة بالتطورت الحالية ومنها:
1- على الرغم من ثوابت حركة الثورة العربية، القائمة على رفض الاعتراف باغتصاب فلسطين، ونضالها الضروس لتحريرها، الا انه كان هناك إجماعاً دولياً عند منظومة الدول الرأسمالية التي ناصبت حركة الثورة العربية العداء، كما الدول الشرقية التي يُفترَض انها في دائرة الأصدقاء، الذين أجمعوا كلهم على الاعتراف بحق اليهود بدولة مستقلة على أرض فلسطين على الرغم من تناقضها الصارخ مع كافة الحقائق الانسانية و التاريخية و التشريعات الدولية المعلنة حول حقوق الشعوب بالسيادة على أرضها.
2 – رغم هذا الاعتراف الدولي الجامع بين دول “الأصدقاء” والأعداء، وكذلك المزاج الشعبي الغربي والشرقي، بدولة الاغتصاب الصهيونية، الا ان هناك اتجاهاً اخذ يعمل منذ السبعينات على نزع أنياب المشروع التلمودي الصهيوني، ومنعه من التمدد خارج الأرض التي يعترفون له بحدودها الجغرافية. من خلال البدء في المقابل بالاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة على جزء من فلسطين على أن تكون محمية بقوانين وتشريعات دولية.
3 – ان الكيان الصهيوني والغرب عموماً يشتركان مع نظام الولي الفقيه الايراني في عدائهم للامة العربية، لذا فان استهدافها واضعافها هو هدف مشترك لهما. وان تقاسم المنطقة بين الكيان الصهيوني والنظام الايراني ما زال شاخصاً وبقوة.
4- إن التعاون الوثيق بين نظام ولاية الفقيه في إيران مع اميركا والغرب، في المراحل السابقة، وخاصة بعد تسليمه في العام 2011 إدارة الاحتلال في العراق بشكل علني ومباشر ولكن تحت وصاية أميركية، و ليتوسع في مشروعه الديني الغيبي، مستغلا ثروات العراق، نحو سورية ولبنان واليمن، وأخيراً إلى فلسطين، ورغم تحقيقه الاهداف الاساسية في اضعاف الامة وتهديدها، الا انه قد افرز كوارث على كافة الاصعدة اهمها انعدام الاستقرار وتفجير المنطقة وقيادتها الى مآلات مجهولة، واوصل الحال إلى أقصى درجات الخطورة في اللحظة الراهنة التي نكتب فيها مقالنا هذا.
في النتائج الاستراتيجية لا عودة إلى الوراء
بالرغم من التأثير البالغ للصهيونية العالمية على رسم مسارات استراتيجيات دول العالم، وبالأخص منها دول العالم الرأسمالي الغربي، الا انه كشفت مرحلة السابع من أكتوبر 2023 عن تحول في درجة تعبير الوعي الشعبي الغربي، كذلك في موقف الأنظمة الرسمية فيه لخطورة المشروع التلمودي الصهيوني على العالم بأسره والعمل على حكمه تحت ذريعة أن اليهود هم «شعب الله المختار» .
وإن وعي الشارع الغربي وإن لم يفرز متغيرات استراتيجية فورية، لكنه قفز قفزات إلى الأمام، ووعى خطورة المشروع في الوجدان الغربي إلى الدرجة التي لن يفكر أحد من الغربيين للرجوع إلى الوراء.
ماذا يعني إسقاط او تراجع المشروعين الغيبيّين؟
منذ العام 1948، تاريخ اعلان اغتصاب فلسطين بواسطة الصهيونية بحماية غربية، خاض شعبنا في فلسطين كما خاض ابناء الامة في الوطن العربي الكبير دولاً وجماهير، مخاضات تحرير فلسطين على كافة الاصعدة، وفي كل المجالات العسكرية والنضالية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية وغيرها. وقدم الجميع تضحيات هائلة على طريق تحقيق هذا الهدف ، وعانوا من ويلات الصراع الدائر على أرض فلسطين أشدَّ المعاناة نتيجة للاحتضان الغربي القوي والحاسم بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لدولة الكيان الصهيوني . وكانت المعاناة أشدَّ وطأة لأن الكيان الصهيوني كان يعتبر أن أرض فلسطين تشكل الممر الأساسي لتأسيس دولة (أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)، وهذا ما أصرَّت حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة على تنفيذه.
ولذلك نعتقد أن وضع حد للمشروع التوراتي يعني وضع حد لنوايا امتداده “عسكرياً ” وبشكل مكشوف خارج الحدود الجغرافية لدولة الكيان الصهيوني، ومنه يبدأ العد العكسي لتراجع الحلم الصهيوني الغيبي المشار إليه أعلاه.
إلاّ أن تراجع الوجه العسكري للصراع لا يعني انتهاءه، ففي ظل استحالة تمدد العدو الصهيوني ثقافياً وأيديولوجياً في البيئة العربية، لافتقاده الى الحاضنة الشعبية لأيديولوجيته الدينية، فقد يلجأ الى تحويل الصراع العربي – الصهيوني إلى صراع من نوع جديد، في ظاهره يتم الزعم على انه صراع “حضاري” وذلك باضفاء صفة صراع المنافسة على التنمية العلمية والثقافية والاقتصادية وما إلى ذلك، وانتهاء الصراع والتنافس على تكديس الأسلحة وحسب.
ان هذا يفتح المجال لمستوى ونوع جديد من المواجهة والتصدي العربي على العرب التحضير له، والتوعية به ، وتهيئة مقومات المواجهة فيه.
بالنسبة إلى المشروع الغيبي الإيراني
منذ العام 1979، تاريخ تأسيس نظام ولاية الفقيه برعاية غربية، عانى الوطن العربي من انتشار مشروع سياسي ديني غيبي أعطى الذريعة لحركات اخرى منها حركة الإخوان المسلمين في استعادة نشاطها بعد أن تعرَّضت لفشل ونكسات كبرى في المراحل السابقة.
وكانت معاناة العرب شديدة من المشروع الغيبي الايراني ابتداءً من اشغال العراق بالحرب الإيرانية العراقية والثمن الباهض الذي دفعه العراق من دماء ابنائه وموارده لحماية بوابة الامة العربية الشرقية، ثم مساعدة ايران لامريكا باحتلال العراق عام 2003. لكن المرحلة الأشدّ وطأة قد بدأت في العام 2011، بعد استلام النظام الايراني إدارة احتلال العراق نائباً عن الاحتلال الأميركي. وكانت المعاناة والتبعات هائلة بعد أن وظَّف النظام المذكور سرقاته لثروات العراق لتمويل التوسع باتجاه سورية ولبنان واليمن، ولاحقاً باتجاه فلسطين. وكان توسعه أشد خطورة من أهداف التوسع الصهيوني لأنه استطاع بفعل مزاعمه بأنه يمثل الإسلام، وتحت شعارات تحرير فلسطين ، أن يخدع بعض الحواضن الشعبية.
ولهذا فإن تراجع مشروعه في المراحل القادمة، يعني إنهاء عوامل القوة التي مدَّ بها أذرعه في الأقطار التي ذكرناها، والتي كانت تستقوي بسقفه، ويستقوي بربطها به وانصياعها لأوامره، وتجنيدها لخدمة متاجرة ايران واستثمارها بالقضية الفلسطينية وبدماء العرب لصالح تفاوضها مع أعداء الأمة العربية وعلى رأسهم أميركا والغرب.
وبإنهاء هذا المشروع أو تحجيمه أو انكفائه، ما يسمح بالخطوة الأولى لاستعادة العافية للأقطار العربية التي سيطر عليها، وقوَّض فيها أسس الدولة الوطنية الموحِّدة عن طريق تسليمه الحكم لميليشيات منفلتة همها الارهاب ومصادرة القرار السيادي الوطني والسرقة والفساد وقتل المعارضين وتصفية وجودهم. وان ذلك يفسح الساحة أمام عوامل التغيير الذاتي الوطنية في تلك الاقطار نحو تجاوز تلك الحقبة المظلمة .
كيف يستفيد العرب من التحولات الراهنة؟
على الرغم من المآسي والاهوال التي تعيشها الامة ، ورغم قتامة الصورة المباشرة والعدوان الصهيوني الوحشي على فلسطين ولبنان، ولكي يتمكن العرب من مواجهة وافشال تقاسم النفوذ في المنطقة بين العدو الصهيوني والعدو الايراني ، فانه ينبغي عليهم مواكبة التحولات العالمية الحاصلة. ويتم ذلك باستثمار التحولات الايجابية في الراي العام الغربي لصالح قضيتنا في فلسطين، والعمل على ترجمتها إلى واقع عملي، لذا يتوجَّب على العرب – أنظمة رسمية وحركات وقوى وأحزاب شعبية وطنية وقومية – أن يعدّوا العدة ويضعوا الاستراتيجيات العلمية والواقعية للاستفادة من مرحلة زيادة الوعي العالمي بخطورة المشروعين الدينيين الغيبيين على طريق تراجعهما وتحجيمهما، وتحقيق اقصى استقطاب دولي وعالمي لصالح القضايا العربية على الصعيد الوطني والقومي وعلى راسها تحرير فلسطين وحصول شعبنا الفلسطيني على حقوقه الكاملة غير المنقوصة في ارضه وموارده وتراثه ومصير اجياله.
وهنا، وعلى الرغم من ضعف النظام العربي الرسمي و فقدان الثقة به، يمكننا النظر إلى مقدمات ومبادرات رسمية عربية سبقت عملية طوفان الأقصى أوحت بوجود حدود دنيا من الرفض الرسمي العربي للمشاريع المشبوهة التي تنذر بالخطر على الأمة العربية. ولأن هذا النظام يمتلك الإمكانيات المادية، وبعض إمكانيات الضغط السياسي، يدفع إلى القول بضرورة تفعيل الاستفادة من تلك الإمكانيات للبناء عليها في السير لمتابعة الخطى على طريق الألف ميل لتحرير فلسطين واستعادة حقوق شعبنا كاملة فيها.
ومن جهة أخرى يتوقف على القوى الشعبية العربية -أحزاب وحركات وتيارات وشخصيات – مواكبة التطورات الحثيثة الحاصلة، والارتقاء بفعالياتها ووسائلها ، بما يرفع من كفاءتها وتأثيرها العملي في مجريات الامور ، ويجعل مبادئها قابلة للحياة، ويؤدي الى استعادة الجماهير العربية الثقة بنفسها، والاستفادة مما هو متوفر من معطيات جديدة لردم الهوة بين ما هو مُرتجى ، وبين ما هو مُتاح من متغيرات بعضها ايجابي، على طريق تحقيق الاهداف الاستراتيجية الكبرى، والارتقاء بكفاءة الامة في مواجهة معارك المصير والوجود التي تخوضها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب