للجيش الإسرائيلي: “حزب الله” لن يستسلم.. بل على موعد معكم في بيروت
للجيش الإسرائيلي: “حزب الله” لن يستسلم.. بل على موعد معكم في بيروت
من لم يرَ بيان وزير الدفاع غالانت فقد فوت استعراضاً لامعاً لحديث متبجح من النوع الذي يفهمه حزب الله جيداً. قبل بضع ساعات من ذلك، أعلنت قيادة حزب الله تعيين نعيم قاسم خلفاً لحسن نصر الله. لم يتح غالانت للأمين العام الجديد ولو يوم رحمة واحداً. في تغريدة على “إكس”، أرفقت بها صورة قاسم، كتب فيها وزير الدفاع بالعربية وبالإنكليزية: “التعيين مؤقت، بدأ العد التنازلي”.
ليس هناك ما هو أوضح من هذه الصيغة حتى ترسل إلى بيروت رسالة تفيد بأن قاسم لا تراه إسرائيل هدفاً مشروعاً فحسب، بل هو الهدف التالي أيضاً. وفي الغداة، ألقى قاسم خطابه الأول في منصبه. بعد نصف ساعة تقريباً، قطع الخطاب لبضع دقائق. وروى الصحافي عميت سيغال، بأن نتنياهو قال في حديث من مكتبه، بتهكم: لعل الأمر يلمح إلى شيء ما. ولم يتخلف وزير الخارجية، إسرائيل كاتس، حيث كتب في حسابه على اكس: “نعيم قاسم يعد بالسير في طريق نصر الله. سنتأكد من هذا قريبا”.
لغة المافيا هي اللغة التي يتحدث بها حزب الله منذ 42 سنة معنا، ومع ذاك لا يبدو أن الشعب اللبناني مستعد لأن يأتمر بإمرته. هذه لغة قوة تعوزها الكياسة والثقة بالنفس. بالفعل، حياة قاسم في هذا الوقت تبدو في يد إسرائيل. فإذا أرادت القيادة الإسرائيلية قتله ستفعل. وإذا أرادت أن تعفيه عفت عنه. لم يسبق أن كانت حياة زعيم حزب الله زهيدة بهذا القدر، ونعيم قاسم يعرف هذا.
غير أن هذه اللغة تنم أيضاً عن خيبة أمل هذه الأيام. فإسرائيل تجد صعوبة في فرض التسوية التي كانت تريدها على حزب الله. فالمنظمة المتمردة تستعرض العضلات ولا تستجيب لمطالب “القدس” [تل أبيب]. وزير الدفاع يعرف كل هذا، وعليه فقد وجه مسدساً إلى رأس نعيم قاسم. لو كان قاسم يبدي مرونة في الاتصالات، لما نشرت تلك التغريدة.
إسرائيل تطلب في المفاوضات منح نفسها مساحة عمل في لبنان من النوع الذي لم يكن في يديها لسنوات. قوة اليونيفيل لم تكن معدة لتقاتل بدلاً منا. هؤلاء مجرد مراقبين. مهمتهم أن يتلقوا شكاوى الطرفين عن الانتهاكات ثم نقلها، أو التحذير عندما تنتهك الاتفاقات الدولية. أما عملياً، فقد فعل حزب الله وإسرائيل في لبنان ما يشاءان. هؤلاء في الجو وفي البحر، وأولئك في البحر. والآن تطلب إسرائيل قوة دولية معززة تتمتع بصلاحيات الإشراف وتحرص على عدم تهريب حزب الله السلاح إلى لبنان أو جلب منصات وصواريخ إلى الجنوب، وجعل البلدات والقرى قواعد عسكرية. وأن تعمل هذه القوة في جنوب لبنان وفي معابر الحدود مع سوريا، وفي مطار بيروت وكل موقع قد يستخدمه رجال حزب الله لأغراض عسكرية. إضافة إلى ذلك، تطلب إسرائيل حرية عمل لجيشها في حالة وجود تهديد من لبنان. وألا يعتبر أي عمل هجومي له بروح الاتفاق انتهاكاً، بل حق مشروع.
لقاسم مزاج
استخدمت قيادة حزب الله الفيتو على هذه المطالب. صحيح أنها مستعدة للتسوية، لكن بروح إقرار مجلس الأمن 1701 الذي جاء في نهاية حرب لبنان الثانية وأعطى للجيش اللبناني الصدارة، وقضى بالانتشار على طول الحدود مع إسرائيل كجيش سيادي. بعد الحرب إياها بقليل، بدأ حزب الله يحتل مكان الجيش اللبناني، فانهار قرار الأمم المتحدة 1701. ليس صدفة أن وافقت قيادة حزب الله على العودة إلى القرار إياه، بل هي متحمسة لذلك وبلا عجب. هكذا رمم نفسه وسيفعل للجيش اللبناني ما فعل به منذ 2006 فما بعد.
ليس لحزب الله الكثير من الخيارات غير أن يقول لا لقائمة المطالب الإسرائيلية. فصمود مقاتليهم أمام الجيش الإسرائيلي يمنحهم مجال العمل الذي يتيح الرفض. سيعتبرون موافقتهم استسلاماً، وهم بعيدون عن ذلك. بعد هذه السنة، والمكان الدون الذي قادوا لبنان إليه – الخراب، النازحون، الخسائر – فإذا نزلوا على ركبهم فسيكون هذا إهانة لسنوات قادمة. “يريدوننا أن نستسلم كي يسيطروا على حياتنا، على مستقبلنا وعلى مستقبل الأجيال”، قال نعيم قاسم في خطابه أول أمس.
يتذكرون 1982
يعتقد حزب الله أن إسرائيل تعتزم مواصلة القتال بأشهر أخرى، بل والوصول إلى بيروت في عملية برية مثلما فعلت في 1982. وهم يتذكرون التاريخ أفضل منا، ويعرفون أن العادة تتكرر. صحيح أنهم يفقدون مقاتلين، لكنهم موجودون لهذا الغرض؛ للقتال بل للتضحية. سينتظرون الجيش الإسرائيلي في بيروت، ساحتهم البيتية، حيث يأملون بالنصر. إذا لم ينتصروا، فعلى الأقل لن يرفعوا علماً أبيض، مثل الفلسطيني المحبوب لديهم هذه الأيام، يحيى السنوار.
رغم كل ما قيل آنفاً، تسجل إسرائيل تفوقاً كبيراً على أعدائها. فالجيش فكك حماس، وفرض على إيران الرعب. بفضل حزب الله، انكشف لجهاز الأمن سلاح سري. القدرة على معرفة وجود كل واحد من قادة العدو، في كل مستوى ومهاجمته مباشرة. هذه وسيلة غامضة وغير مسبوقة. إلى جانب التفوق الجوي وفي ميدان المشاة أيضاً، فالجيش الإسرائيلي اليوم يعتلي حصانه أمام أعدائه في غزة وبيروت وطهران.
لقد علمنا التاريخ أن هذا التفوق عابر. وعليه، الأفضل استخدامه لنصر سياسي وتسويات تجدي إسرائيل. هذه لحظة مناسبة، وعلى إسرائيل أن تعقل استغلالها. إذا فوتت فرصة تصميم الواقع وأعداؤها مضروبون، فربما ينفد هذا التفوق. أعداؤنا سيرممون قدراتهم وسيرغبون في القتال مرة أخرى، مثلما فعلوا بعد كل مواجهة من قبل.
جاكي خوجي
معاريف 1/11/2024