البحث عن رجل المعطف الأبيض: منظمة “ميدغلوبال” تتساءل عن مصير حسام أبو صفية وتطالب بأجوبة

البحث عن رجل المعطف الأبيض: منظمة “ميدغلوبال” تتساءل عن مصير حسام أبو صفية وتطالب بأجوبة
إبراهيم درويش
أين ذهب رجل المعطف الأبيض؟ يحاول موقع “ذي إنترسبت” الإجابة على هذا السؤال في تقرير أعده جونا فالديز، حيث قال إن الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان الذي دمرته القوات الإسرائيلية قبل نهاية العام الماضي بوقت قصير هو واحد من ستة عاملين في الصحة مع منظمة ميدغلوبال ومقرها شيكاغو اعتقلتهم القوات الإسرائيلية ولا يعرف مكانهم.
فمع تقدم القوات الإسرائيلية نحو مستشفى كمال عدوان في الأسابيع الأخيرة، المؤسسة الطبية الأخيرة العاملة في شمال غزة، ظل الدكتور أبو صفية في داخلها لتوثيق الوضع المتدهور. وفي شريط فيديو، كشف أبو صفية غرفة العناية المركزة وقد تهشمت نوافذها، حيث قال إن شظية هشمت جمجمة ممرض كان يعتني بأحد المرضى. وفي شريط فيديو آخر سمعت أصوات القنابل وهي تهز البناية، حيث قال أبو صفية إن القوات الإسرائيلية فجرت روبوتات مزودة بقنابل على مسافة 50 مترا من المستشفى. وفي لقطات فيديو، شوهدت مروحيات رباعية وهي ترمي قنابل من بناية قريبة، كان الطاقم والمرضى ينظرون إليها.
وفي الأسبوع الماضي اقتحم الجنود الإسرائيليون المستشفى الذي بقي فيه مئة من العاملين الطبيين و75 مريضا وأقاربهم. وقال العمال الطبيون والمرضى إن الجنود الإسرائيليين ضربوهم وقتلوا طبيبا. وأشعل الجنود النيران في عدد من أجزاء المستشفى، مما أخرجه عن الخدمة.
وكان أبو صفية من بين الذين تم اعتقالهم. وكانت آخر صورة له، بثتها قناة الجزيرة القطرية وتم تبادلها على الإنترنت، كان يرتدي فيها معطفه الطبي وهو يمشي وسط حطام تجاه مصفحتين عسكريتين إسرائيليتين. واختفى منذ ذلك الوقت في نظام السجون الإسرائيلية السرية، وبدون توجيه تهم وهو أمر طبيعي يواجه المعتقلين الفلسطينيين الذين يبقون في سجون الاحتلال لأمد غير محدود.
أدى اعتقاله إلى شجب من منظمة أمنستي انترناشونال ومنظمة الصحة العالمية ومسؤولين سياسيين ومئات الأطباء الذين بدأوا حملة على منصات التواصل الاجتماعي تطالب بالإفراج عنه
وكان زملاء وعائلة الدكتور أبو صفية يحاولون البحث عن المكان الذي نقلته القوات الإسرائيلية إليه. وقد أدى اعتقاله إلى شجب من منظمة أمنستي انترناشونال ومنظمة الصحة العالمية ومسؤولين سياسيين ومئات الأطباء الذين بدأوا حملة على منصات التواصل الاجتماعي تطالب بالإفراج عنه. وكان أبو صفية من أشد الناقدين لهجمات إسرائيل على النظام الصحي في غزة. وقتل ابنه إبراهيم، 15 عاما، بمسيرة أمام مستشفى كمال عدوان في تشرين الأول/أكتوبر، حيث لجأ مع عائلته.
والدكتور أبو صفية من بين مئات الأطباء والعاملين في المجال الصحي ممن اعتقلتهم إسرائيل طوال الحرب الإبادية على غزة وبدون سبب. وبحسب عائلته وسجناء سابقين، فهو معتقل في قاعدة سدي تيمان، بصحراء النقب، وهي القاعدة سيئة السمعة والتي انتهك فيها حراس السجن حقوق السجناء الفلسطينيين.
وفي بيان أصدرته عائلته: “هو يعاني الآن من سوء المعاملة في مركز اعتقال سدي تيمان، بما في ذك الإهانة والتعرض للبرد الشديد والحرمان من العناية الطبية”. ويعمل أبو صفية مع ميدغلوبال، ومقرها شيكاغو والتي تقدم الدعم الطبي والعناية لمناطق الكوارث والنزاعات، وهو واحد من ستة عاملين طبيين لا يزالون في الاعتقال الإسرائيلي، وذلك حسب مدير المنظمة جوزيف بيلفيو. ومن هؤلاء طبيبان وعاملا نظافة وعامل في إدخال البيانات وممرض إداري، وكلهم اعتقلوا في 26 تشرين الأول/أكتوبر بمستشفى كمال عدوان.
وقال بيلفيو إن ميدغلوبال تعمل في الأيام الأخيرة مع وزارة الخارجية الأمريكية وأعضاء في الكونغرس والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والحكومة الإسرائيلية لتأمين الإفراج عن الدكتور أبو صفية وفريق ميدغلوبال المعتقل. وأكد المسؤولون الإسرائيليون اعتقالهم و”غير ذلك صمت مطبق” و”أين هم بالضبط؟ وما هي ظروفهم؟ وما هي التهم الموجهة إليهم؟ وكيف يعاملون؟ وماذا بعد؟ وما هي الإجراءات؟ لا شيء”، حسب قول بيلفيو. وقد اختفى طبيب آخر عامل مع ميد غلوبال في الشهر الماضي وخرج من المعتقل الإسرائيلي بقصة عن المعاملة الوحشية على يد جلاديه.
وفي 17 تشرين الأول/أكتوبر، اعتقل الجيش الإسرائيلي واحدا من زملاء أبو صفية في مستشفى كمال عدوان، قرب نقطة تفتيش. وأفرج الجيش الإسرائيلي عن الطبيب بعد شهر وبدون توضيح، كما قال بيلفيو.
أبو صفية يعاني الآن من سوء المعاملة في مركز اعتقال سدي تيمان، بما في ذك الإهانة والتعرض للبرد الشديد والحرمان من العناية الطبية
ورفض الكشف عن هوية الطبيب حفاظا على سلامته. وأضاف بيلفيو: “لم نستطع التحدث معه بعد أيام من الإفراج عنه، لأنه كان مصدوما مما حدث له”. وفي أثناء اعتقاله أجبر الطبيب على العيش في حظيرة دجاج مفتوحة وعرض للبرد الشديد. كما وحرم من الطعام وتعرض “لأساليب أخرى من الإهانة والمعاملة الوحشية”. وقال بيلفيو: “ليست لدينا بعد صورة كاملة نظرا للحالة التي يمر بها”، و”عليه، فإن هذا يعطيك صورة عن المعاملة التي يتلقاها زملاؤنا ويعيشونها عندما يعتقلون”.
وكان طبيب ميدغلوبال معتقلا في سجن عوفر، سيئ السمعة والمعروف بانتهاكات حراسه لحقوق المعتقلين. وفي أيار/مايو، توفي الدكتور عدنان البرش، الذي كان رئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء الذي دمره الجيش الإسرائيلي العام الماضي. وتعتقد عائلته ومنظمات حقوق الإنسان أن جراح العظام مات بسبب التعذيب.
ومنذ بداية الحرب الإبادية على غزة، قتل على الأقل ثلاثة أطباء فلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وفي سجن سدي تيمان حيث يقال إن أبو صفية احتجز هناك، روى سجناء وحراس سابقون قصصا عن التعذيب، مثل الاعتداء الجنسي والضرب والتجويع والحرمان من النوم والحرمان من الرعاية الطبية. ويواجه جنود إسرائيليون عملوا كحراس في السجن حاليا اتهامات باغتصاب سجين فلسطيني بشكل جماعي.
وقال بيلفيو إن محامين وأطباء اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لم يسمح لهم بدخول السجن وتقديم العلاج الطبي لأبو صفية، كما يقتضي القانون الدولي. ويزعم الإسرائيليون أن أبو صفية من ناشطي حماس وأن المستشفى كان مركزا لها، لكنهم لم يقدموا أي دليل يدعم مزاعمهم. ودافع بيلفيو، الذي عمل في السابق مديرا لمنظمة أطباء بلا حدود في كندا، عن الموظفين في ميدغلوبال وانتقد الجيش الإسرائيلي بأنه فشل في دعم مزاعمه بوجود حماس في المستشفى. وقال إن منظمات مثل ميدغلوبال تقوم بالتحقق من العاملين معها، ومدح حرفية وتصميم الذين استمروا بالعمل في ظروف صعبة.
وقال بيليفو إنه طوال 25 عاما من تقديم المساعدات الطبية في مناطق الصراع، والتي شملت صراعات مليئة بانتهاكات القانون الإنساني في العراق والكونغو والسودان واليمن وليبيريا وسيراليون، كانت التحديات التي واجهتها المنظمة للحفاظ على سلامة موظفيها في غزة من هجمات الجيش الإسرائيلي غير مسبوقة، مضيفا أن ميدغلوبال تفكر في اتخاذ إجراء قانوني ضد الجيش الإسرائيلي لاعتقاله أبو صفية والعاملين الطبيين الآخرين في المنظمة. كما تسعى منظمة أطباء بلا حدود إلى اتخاذ إجراء قانوني داخل النظام القانوني الإسرائيلي في محاولة لتأمين إطلاق سراح أحد أطبائها، محمد عبيد، الذي كان جراحا للعظام في كمال عدوان قبل اعتقاله في تشرين الأول/أكتوبر.
وأدى الغزو الإسرائيلي لشمال غزة إلى مقتل المئات وأجبرت آلاف الفلسطينيين على النزوح. كما أدت عمليات القصف والغارات إلى شل نظام الرعاية الصحية في المنطقة في حين يكافح الجرحى للحصول على الرعاية الكافية. وفي مختلف أنحاء غزة، يكافح الكثيرون من أجل إيجاد مأوى وسط ظروف الشتاء القاسية، حيث أدى البرد إلى مقتل خمسة أطفال على الأقل. كما تباطأت المساعدات الإنسانية في دخول شمال غزة، التي لا تزال تخضع لحصار صارم من قبل الجيش الإسرائيلي. وحذرت الأمم المتحدة من أن ظروف المجاعة أصبحت أكثر احتمالا.
وقال بيليفو: “هذه المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، حيث يتعين على أطراف الصراع اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأماكن الطبية، ونحن نشهد محوا كاملا لهذا المبدأ والتقدم أكثر نحو الإبادة الشاملة والكاملة للمرافق الطبية” و”من الصعب حتى العثور على الكلمات لوصف ذلك”.
– “القدس العربي”:




