مقالات

كيف تدمر الإبادة الجماعية مرتكبيها؟.. الإبادة كفعلٍ غبي بقلم أحمد بشير العيلة 

بقلم أحمد بشير العيلة 

كيف تدمر الإبادة الجماعية مرتكبيها؟.. الإبادة كفعلٍ غبي

بقلم أحمد بشير العيلة 

يأتي هذا الموضوع من باب جديد ، أبحث فيه عن فلسفةٍ خاصة بالممارسات الجمعية المدمرة المنطلقة من الأفكار اللامنطقية واللاطبيعية التي يمكن أن نسميها (غبية)، وقد تحمل عبارة (الغباء الجمعي) للوهلة الأولى دلالات ومعانٍ غير موضوعية بل وعنصرية أحياناً إذا قصدنا إهانة جماعة بشرية بسبب أخطاء فردية، أو من انطلاقات أيدلوجية، أو هروباً من تحليل أحداث معقدة وإحالتها إلى الغباء كمفهوم ساذج، قد يشير أحياناً إلى التعالي والاحتقار على جماعة بشرية ارتكب (بعض أفرادها) حماقات منافية للحكمة، وهذا ما جعلني أتريث كثيراً في إضافة كلمة الأمم إلى كلمة الغباء. إلا أن مرور أكثر من عامٍ على أحداث طوفان الأقصى، أوضح تورطاً جمعياً دلّ بكثافة ويقين على غباء مجموعة بشرية كاملة تتصرف بعنهجية ووحشية، توضحت في هذا العام أكثر من أي وقتٍ مضى طوال فترة الاحتلال منذ ما يقرب الثمانية عقود.

تلمودية الغباء:

وقع الصهاينة في فخٍ أيدلوجي استعماري قد يودي بهم في النهاية إلى نقمة عالمية ولعنة تلاحقهم من جيلٍ إلى جيل، وهنا أدلل بأدلة واقعية وعلمية وليس بمجرد دوافع وجودية، وأحاول هنا أن أتمالك في هذه القراءة من ألا أتجنى، فالصهاينة قد تخلوا عن كونهم كائنات إنسانية بتأجير عقولهم إلى منظومات متكاملة للشر المطلق، مورطين الديانة اليهودية، ومستغلين نصوصها الإلغائية لتحقيق أطماع إستعمارية فرزتها الرأسمالية الكونيالية ، وتؤكد ذلك هذه المقتلة الكبرى للشعب الفلسطيني، كما تدمغه استطلاعات الرأي حول نية الإبادة الجماعية لدى منتسبي ومؤيدي ومناصري الصهيونية من يهودٍ ومسيحيين أصوليين وعربٍ متصهينين، مؤكدين على تصريحات قادتهم وكتابهم ومفكريهم، بل وبسطائهم في استدعاء النصوص الدينية الظلامية الداعية لفعل الإبادة، ويمكن للقارئ الكريم الرجوع إلى هذه التصريحات والمؤشرات المختلفة المنتشرة حتى في المصادر الغربية ذاتها، لكنّا هنا نود أن نحلل هذه الظاهرة اللاإنسانية لنحذر من تبعياتها.

تبني نظرية التعميم:

إن تبني مجتمعات كاملة لفكرة إحلالية مدمرة، يجعلنا قريبين من تبني نظرية التعميم اتهاماً لهذه المجتمعات مُبرّئين أنفسنا من القراءة العنصرية لوصفها بالغباء، لوجود توافق تاريخي كلي غير مسبوق بينها على القيام بأفعال لا عقلانية، وإن قال البعض إن نظرية التعميم غير عادلة، فليساعدني الآخر الذي أتهم في أن يقف موقفاً تاريخياً ويلعن هذه الإبادة الموجعة التي أثرت على الوجدان العالمي، وهنا أتساءل أين هم الرجال الرشيدون في هذه المجموعات البشرية الداعمة للصهيونية من مفكرين وعلماء وقادة مجتمعيين، وهم أصلاً يعيشون في مجتمعات منظمة في مجموعات بشرية ومؤسسات متماسكة، وهذا سر من أسرار قوتهم، لذلك فإن تلك المؤسسات العالمية إن لم تحرض مباشرة على الإيتان بفعل الإبادة الجماعية؛ فهي راضية بسكوتها، مما ورط بالفعل فئاتٍ بعينها، كالمؤسسات اليهودية العالمية مثلاً؛ في عدم إعلانها لموقف رافض مما يحدثه الصهاينة من إبادة جماعية، وهنا أصرُّ على إعلانٍ (يهودي بالذات) رافض للإبادة، وإلا ستلحقهم جميعاً لعنة تاريخية من شعوب الأرض، كونهم استُخدِموا أوعية مغذية للفكر الصهيوني الاستيطاني الإحلالي، كيف لا وهم من أكثر المجتمعات تنظيماً لما يمتلكون من مجالس ومنظمات. أما الصهاينة العرب الذين تحركهم مصالح سيسيوسياسية؛ فسيبتلعهم حراكٍ جماهيري واعٍ أثناء حركة التاريخ.

أيدلوجيا الغباء:

من السذاجة في حالتنا هذه أن نفترض أن الغباء ساذج، لأنه يحمل جرعة جيدة من الشر، وقد ارتبط بالقوة. إن غباء القوة يستلزم قطع الروابط التي تربط العقل بالحياة، وهو السمة السائدة في العولمة النيوليبرالية التي نعيشها. فأفعال الإبادة البشرية ليست وحدها نتاجاً لهذا الغباء، بل هناك أفعال أنتجتها العقليات المتعالية الرأسمالية الغربية زادت من بؤس البشر وعملت على تدمير الطبيعة ضمن خطاب المنظومة الأخلاقية للسوق الحر، وهذا الخطاب لا يحمل سماتٍ اقتصادية أو سياسية وحسب، بل له بعد أيدلوجي تمثل الهيمنة العسكرية المدمرة أحد أهم صفاتها، وما إنتاج الحركة الصهيونية وربطها بتطلعات استعمارية وبمنطلقات تلمودية إلا أحد معالم هذا النظام النيوليبرالي الاستيطاني الدولي في هذا العصر، فيما يمكننا تسميته الغباء الأكثر قوة وثراء.

ثنائية الغباء والوجود:

إن الغباء البشري المعاصر قد تجاوز الفردية، فوصفُ شخص ما بأنه غبي هو إشارة إلى افتقاره إلى “القدرة الفكرية”، وليس بسبب عدم المحاولة؛ فالأغبياء قد لا يمتلكون هذه القدرة أو أنهم رفضوا تطويرها. وهكذا فإن الغباء الفردي مرتبط بالجهل والإنكار وليس فقط بعدم الكفاءة. أما الغباء المجتمعي فيرتبط بالمؤسسات ويصبح وقوداً للأفكار الذكية في السيطرة على العالم، وهنا يصعد الغباء ليرتبط بمسألة الوجود، فالغباء يلغي الوجود، والغبي يمتلك الأدوات الفاعلة على إنهاء كيانه، لذا فالغباء العام يسعى ذاتياً لتدمير وجوده ووجود الآخرين، فما يطرحه من أفكار غير عقلانية في التعايش الآمن على الكوكب، تُعلي من وتيرة السيطرة وإلغاء الآخر، وهو بذلك يهدد وجوده لأن خطابه غير قابل للتعايش. إذن فخطاب الكراهية الصهيوني سواء الديني أو الأيدلوجي أو السياسي هو خطابٌ غبي مهدد لوجود صاحبه.

أدوات الذكاء الغبية:

قد يصف البعض الظاهرة الغربية ومنهم الصهاينة بالذكاء لوصولهم لأعلى التقنيات، وهنا أشدد على شيئين مهمين الأول وصفي بما يسمى الحضارة الغربية بأنها ظاهرة، لأن الحضارة لا يمكن أن تكون من غير منظومة أخلاقية تعايشية، فالغرب المتعلق بالليبرالية الصهيونية لا يمتلك هذه المنظومة لذا انسلخت عنهم صفة الحضارة، والشيء الثاني يرتبط بالمفهوم الفلسفي للغباء المتفوق، ففلسفة الغباء، التي تعني التخلي عن المسارات الفكرية الموثوقة المرتبطة بمفاهيم إنسانية عامة لها القدرة على التحليل الواعي، وهنا لا نعتبر – على سبيل المثال – الذكاء الصناعي المستخدم في حرب الإبادة ذكاءً لمنتجيه ومشغليه، فهو هنا مجرد أداة خارقة لفعلٍ غبي.

الغباء الخلاق:

بظهور الحركة الصهيونية وربطها كما قلنا بالشرايين الدينية والأوردة الرأسمالية وزرعها كجهاز دوري يبث الحقد ويلتهم القدرات في الجسم العالمي، يجعلنا نوقن أننا نعيش في عصر الغباء الذهبي، وهو وصف لا يعني إطلاق السخرية على هذا العالم الظالم، ولا من باب التسلية، ولا اتهام بالجهل أو عدم الكفاءة العقلية، بل أقصد الإنتاج اللامع للعقول المصممة على الارتهان لمفاهيم الشر المطلق، مع امتلاك أدوات السيطرة على العالم بما نسميه (الغباء الخلاّق)، تلك الحالة التي تشبه خطف طائرة بموس قصاصة أظافر.

الوحش الغبي:

لقد حرّك الغباء الخلاق الصهاينة لصناعة وهمٍ يسمى (إسرائيل)، واستطاع هذا الغباء من خلال الأدوات اليهودية الماسونية الكبرى في السيطرة على الفكر الغربي ومنه على العالم، وكان لا بد لهذه الآلة الضخمة التي تعمل بالوقود الغبي، أن تنصب على أرضية تحقق من خلالها كل أحلامها، لقد نجح الحشد اليهودي الصهيوني، والامبريالي الاستعماري في أن يضعوا هذه الآلة في المكان الأكثر مثالية للسيطرة على موارد العالم، وهذا الغباء الخلاق كان يدفع به ذكاء مقيت عمل على نزع صفة البشري من هذه المنظومة وزرع المفاهيم الإحلالية فيها جعل منها وحشاً غير اعتيادي، إن لم يجد ما يأكله مع إبادة الشعب الفلسطيني، سيأكل نفسه.

ويمكننا الآن أن نتساءل ضاربين ناقوس الخطر، كيف تتجه أفعال الإبادة الجماعية إلى إبادة مرتدة؟ أي كيف تدمر الإبادة الجماعية مرتكبيها؟

قد تنشأ عواقب قانونية دولية تلاحق الصهاينة، والتي إن حدثت بشكل واعٍ ومكثف، ستؤدي حتماً إلى تدمير كيانهم ووجودهم المادي والأيدلوجي، بل ستندلع بينهم صراعات داخلية تؤدي إلى تقويض تماسكهم وانهيارهم. مع رفضهم كلياً من قبل المجتمع الدولي والمجتمع المحلي، في حالة حدوث وعي عالمي أكثر نضجاً. وسيظلون مُلاحقين من قبل الضحايا أو أحفادهم، مما يهدد حياتهم وحياة أسرهم. ناهيك عن التدمير الاقتصادي الذي سيصيبهم على نطاق واسع، من هنا يعلمنا التاريخ أن مرتكبي الإبادات الجماعية سيكون من الصعب عليهم الاستمرار والبقاء، وهذا إثبات قاطع على غباء فكرة الإبادة التي ترتد على أصحابها بالزوال.

أعيد وأحذر الصهاينة من أن لعنة الفلسطيني ستلاحقهم أينما حلوا، وستصيبهم الذلة والمسكنة بسبب غبائهم الوجودي ألف عامٍ أخرى بمجرد ضعفهم المنطقي، فالتاريخ يتحرك ولا يسكن عند علو أمة ما، وإن غباءهم في الخطاب والممارسة جعلهم عبيد الكيانات الوحشية الحديثة، وحين النهاية الحتمية المنطقية لهذه الكيانات، لن يغفر لهم التاريخ فعلتهم وستلعنهم الجغرافيا جيلاً وراء جيل.

كاتب فلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب