ثقافة وفنون

السينما البديلة: فلسطين في نقاش مغربي

السينما البديلة: فلسطين في نقاش مغربي

سليم البيك

لا تُحال تسمية «السينما البديلة» عربياً إلا إلى زمن مضى، حين ابتُكرت التسمية للإشارة إلى نوع من الأفلام تميّز بالتزامه السياسي والاجتماعي، في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته. وحين وصلتني الدعوة للمشاركة في مؤتمر «السينما البديلة: المنطلقات الفكرية والرهانات الإبداعية» في مدينة ورزازات المغربية، اخترت أن تكون ورقتي حول السينما النضالية الفلسطينية.
المؤتمر الذي نظّمته مع شركاء، الكليةُ متعددة التخصصات في جامعة ابن زهر، والمنعقد ما بين 31 أكتوبر/تشرين الأول و2 نوفمبر/تشرين الثاني، شهد مداخلات وأوراق ونقاشات عديدة حول هذا المصطلح ومدى صلاحيته اليوم، وكان لكاتب هذه الأسطر أن استفاد وتعلّم الكثير من خلال النقاشات وحول السينما المغربية المعروفة بأولوية الاجتماعي فيها، وبتقدّمها عموماً في المشهد السينمائي العربي.
الورقة كانت بعنوان «الفيلم النضالي الفلسطيني ضمن السينما العربية البديلة: تزامن العملين السينمائي والمسلح». وتناولت جانبين أساسيين في الحديث عن هذه السينما، انتماءها إلى السينما البديلة، وتزامن الفيلم والبندقية.
بمعزل عما يمكن أن يحيل إليه مصطلح «السينما البديلة» اليوم، والنقاشات حوله، تُحال هذه التسمية أولاً إلى طبيعة نشأتها نقدياً، بالتزامن مع حركة سينمائية عالمية نشيطة وواعية، تقصّدت أن تكون بديلة لنوعين من السينما: التجارية والفنية، ولغياب النوع الثاني عربياً، واندماج السينما البديلة العربية بالفنية، شكلاً ومضموناً، صارت التسمية، «السينما البديلة العربية»، موجهة إلى السينما التجارية في حينه. فكان البديل أقرب إلى مضمون سياسي واجتماعي واعٍ لذاته، وكان بالحد الأدنى من الجماليات الفنية، أو سينما المؤلف، تلك التي غابت عنها السينما العربية، نسبياً، لعقود. ويمكن لأحدنا أن يجد مرجعاً أوّل حول هذه السينما في العدد المزدوج الخاص من مجلة «الطريق» اللبنانية الصادر في آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر عام 1972، بعنوان «السينما العربية البديلة».
يمكن القول إن السينما البديلة العربية، في حينه، كانت المقابل الموضوعي لما عرف في أمريكا اللاتينية بالسينما الثالثة، وهي سينما سياسية/اجتماعية تماماً، تقارع الرأسمالية وما بعد الاستعمار، انتشرت في الستينيات والسبعينيات، وأطلق تسميتها كما نظّر لها، الأرجنتينيان فرناندو سولانا وأوكتافيو جتينو، في بيانهما «نحو سينما ثالثة»، المنشور عام 1970 بالإنكليزية في مجلة «سينياست». وألحق المخرجان البيانَ بآخر بعد عام، وكان بعنوان «السينما النضالية: تصنيف داخلي للسينما الثالثة».
من هنا انطلقتُ في القول إن السينما النضالية هي مساهمة الفلسطينيين ضمن السينما البديلة بوصفها، الأخيرة، «السينما الثالثة» عربياً. النضالية بوصفها فرعاً من السينما البديلة، فلهذا الفرع أسلوبه ومقاربته، وفيه الإخبار والتحليل والتحريض، في شكل تجريبي في حينه ومختفٍ اليوم، لتلاشي الحركات النضالية التي لا تكون هذه السينما إلا مرفقة بها. وحين كانت الثورة الفلسطينية مرتكز السينما العربية البديلة، كان أفول الثورة أوائل الثمانينيات إيذاناً بتلاشي السينما البديلة وتهيّؤ الجميع للدخول في مرحلة تاريخية جديدة أوائل التسعينيات، تميزت باتفاقيات التطبيع الفلسطينية والعربية مع الاحتلال وبحرب الخليج، إقليمياً، وانهيار الاتحاد السوفييتي والدخول عميقاً في العولمة أحادية القطب، دولياً. هنا، تحولت السينما البديلة الأقرب لتكون ثورية، إلى سينما المهمشين، في روائيات ووثائقيات، والمفقَرين. أي إلى نوع من تصوير البؤس من دون التحريض على تغييره، أي أن السينما التي كانت تتبنى كامل عبارة المنظّر الماركسي أنطونيو غرامشي في «تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة»، اكتفت بعد الانهيارات تلك، بالقسم الأول من العبارة، التشاؤم.
الجانب الثاني من الورقة كان حول تزامن العملين السينمائي والمسلح في تجربة الفلسطينيين السينمائية، فكلاهما تأسس في الفترة ذاتها ومن المنطلق ذاته. كانت السينما جزءاً من العمل المسلح، وكان الفيلم بندقية. نهايات الستينيات بدأت الثورة بالتكوّن تدريجياً، ومن ضمنها أسَّس الفلسطينيون «وحدة أفلام فلسطين»، وسرعان ما أنشأ كلُّ تنظيم ضمن الثورة وحدته السينمائية، وجميعها ضمن النوع النضالي، الأقرب إلى الوثائقي والتجريبي في شكله، والبيان الفكري والسياسي في مضمونه.
لا ينتهي النقاش حول السينما البديلة اليوم، وإن كان بيّناً في نظرياته وتطبيقاته في ذلك الزمن، عالمياً وعربياً وفلسطينياً، لكن التسمية تبقى صالحة طالما بقيت السينما السائدة، وهي التجارية، مسيطرة، وطالما احتاج العالم بديلاً أكثر التزاماً بمبادئ إنسانية كالحق والحرية، والعدل والكرامة، يكون للسينما مكانٌ حاضر فيه.

كاتب فلسطيني/ سوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب