تحقيقات وتقارير

إفطار بطعم الفصل العنصري.. كيف تتسلل التمور الإسرائيلية إلى موائدنا؟

إفطار بطعم الفصل العنصري.. كيف تتسلل التمور الإسرائيلية إلى موائدنا؟

إسراء سيد

صحفية وباحثة في مجال الإعلام السياسي

يبلغ استهلاك التمور في الدول العربية والإسلامية ذروته في شهر رمضان المبارك، ولا تخلو موائد الإفطار في هذا الشهر من التمور باختلاف ألوانها وأحجامها ونكهاتها، فهي الثمرة التي يبدأ بها المسلم عادةً وجبة الإفطار، ويهادي بها أقاربه، وتدخل في صناعة الحلويات، مطمئنًّا إلى مصدرها، لكن ماذا لو علمت أن التمور الإسرائيلية قد وصلت إلى مائدتك تحت أسماء وشعارات دينية مزيفة؟

تمور بطعم الفصل العنصري

“إسرائيل” هي واحدة من أكبر 5 دول مصدّرة للتمور في العالم، وفي كل عام توسِّع حصتها في سوق التمور العالمية بزيادة 16% في عام 2011، و23% في عام 2012، متجاوزة المملكة العربية السعودية، وتُنتج أكثر من 100 ألف طن من التمور سنويًّا، بمجموع إيرادات يقارب 200 مليون دولار في السنة، يُباع أغلبها خلال شهر رمضان.

واحدة من أشهر التمور هي تمور “المجهول” المغربيّ الأصل الذي يختلف عن الأصناف الأخرى بكِبر حجمه، انتقل من الولايات المتحدة إلى “إسرائيل” في فترة الستينيات، وزرعته في وادي الأردن والأغوار الفلسطينية التي تسيطر عليها، وبدأت ثورته في “إسرائيل” في التسعينيات حتى أصبحت دولة الاحتلال في صدارة الدول المنتجة في العالم، وتُدرّ التمور في كل الكيبوتسات (تجمع سكني تعاوني تضم جماعة من المزارعين أو العمّال اليهود) الواقعة في جنوب وادي عربة 50% من الدخل.

تصنّف “إسرائيل” تمور الاستيطان المسروقة على أنها مزروعة في مناطق فلسطينية أو أردنية كالضفة الغربية أو وادي الأردن، في محاولة لإغراء المسلمين خلال شهر رمضان بشرائها.

وبحسب الأرقام، 3 من كل 4 تمور “المجهول” (أي نسبة 75%) في العالم تُنتج في “إسرائيل”، مقارنة بـ 60% عام 2013، ومعظم تمور “المجهول” الباقية من الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعني أنك إذا كنت تشتري تمور “المجهول”، فهناك احتمال مرتفع أنك تأكل تمرًا زُرع في أرضٍ مغتصبة.

وتشير الدراسات إلى أن بيع تمور “المجهول” ارتفع خلال شهر رمضان بنسبة 57% في عام 2020، وتصنّفها “إسرائيل” على أنها مزروعة في مناطق فلسطينية أو أردنية كالضفة الغربية أو وادي الأردن، في محاولة لإغراء المسلمين خلال شهر رمضان بشراء تمور الاستيطان المسروقة.

ومع تسلُّل هذه التمور إلى الأسواق العربية والعالمية في شهر رمضان، أطلقت منظمة “أصدقاء الأقصى” البريطانية حملة في المساجد والشوارع وعلى أبواب المتاجر الكبرى، تحت شعار “تفقدوا الملصق”، لتجنُّب شراء التمور الإسرائيلية من متاجر المملكة المتحدة، ونشرت علامات التمور الإسرائيلية التي تخفي حقيقة مصدر إنتاجها.

 

صورة
مشهد تمثيلي لحملة المقاطعة التي نظمتها منظمة “اصدقاء الأقصى” البريطانية

 

وبحسب المنظمة، تعدّ المملكة المتحدة ثاني أكبر سوق للتمور الإسرائيلية في أوروبا، وتستورد أكثر من 3 أضعاف عدد التمور من “إسرائيل” مقارنة بأي دولة أخرى (25 مليون دولار في عام 2021)، وتبيع المتاجر الكبرى في المملكة المتحدة التمور الإسرائيلية، وكذلك متاجر البقالة المحلية.

النبأ السار هو أن الجهود الجماعية في مقاطعة التمور الإسرائيلية لها تأثير، فبينما زاد إنتاج التمور في “إسرائيل” بنسبة 14% في عام 2019، تراجعت صادراتها من التمور إلى المملكة المتحدة بنسبة 32%، وفي الفترة نفسها قفزت صادرات التمور الفلسطينية العالمية بنسبة 37%، وكانت المملكة المتحدة ثالث أكبر سوق للتمور الفلسطينية، وتلك علامة جيدة رغم أنها لا تزال تبدو غير مؤثرة مقارنة بصادرات التمور الإسرائيلية.

لا يتوقف الأمر عند بريطانيا وحدها، ففي الولايات المتحدة جدّدت منظمة “مسلمو أمريكا من أجل فلسطين” حملتها السنوية تحت شعار “لا تفطروا بطعم الفصل العنصري”، وحذّرت الجاليات الفلسطينية والعربية من التعامل مع التمور الإسرائيلية التي تُسوَّق على أنها منتجات فلسطينية.

منذ إطلاق المنظمة حملة مقاطعة التمور الإسرائيلية عام 2011، انخفضت واردات التمور الإسرائيلية إلى الولايات المتحدة إلى 16.5% في عام 2020-2021 مقارنة بـ 25% في عام 2015، بحسب تأكيدات المنظمة، وهذا يشير إلى مدى فعالية المقاطعة.

صناعة مبنية على السرقة

تعد التمور المحصول الأكثر ربحية في “إسرائيل” حتى الآن، ويساهم بشكل كبير في عوائدها الاقتصادية، فقد حقّقت في عام 2021 عائدات تزيد بمقدار 2.5 ضعف عن أي منتج طازج آخر، وتعدّ “إسرائيل” ثاني أكبر مُصدِّر للتمور في العالم بقيمة 317 مليون دولار في عام 2021، بعد أن كانت ثالث أكبر مُصدِّر للتمور -بعد تونس وإيران- بقيمة 151 مليون دولار في عام 2014.

محاولات “إسرائيل” لا تقف عند استغلال العمّال وتشغيل الأطفال، بل تتعدّى ذلك إلى عرقلة زراعة النخيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة

80% من التمور الإسرائيلية المزروعة في المستوطنات تصدَّر للخارج، وهو ما يشكّل حوالي 40% من جميع التمور المصدَّرة من “إسرائيل”، ويصدَّر نصفها تقريبًا إلى أوروبا، ويزيد استهلاكها في أوقات محددة، أحدها خلال شهر رمضان، ففي كل عام قبل رمضان بقليل تستهدف “إسرائيل” بشكل خاص تجّار التجزئة الصغار الذين يخدمون الجالية المسلمة لتخزين التمور، والآخر خلال ليلة رأس السنة الميلادية وعيد الميلاد.

وتجني صناعة التمور الإسرائيلية أرباحًا من السرقة والاعتداء، بعض هذه الأموال تقول المنظمات الحقوقية إنها “تموِّل بشكل مباشر آلة القتل الإسرائيلية”، حيث يُزرع ما لا يقلّ عن 60% منها في المستوطنات غير الشرعية المقامة على أراضي الفلسطينيين، القريبة من منطقة الأغوار المعروفة بطبيعتها الخصبة، وما يقرب من نصف المستوطنات في وادي الأردن -الذي يغطي حوالي 30% من الضفة الغربية- تزرع التمور.

طُردت عائلات فلسطينية من أراضيها من أجل زراعة هذه التمور، وتمَّ تطهير أكثر من 80% من أراضيها من خلال القوة العسكرية الوحشية، وأفادت اللجنة الإسرائيلية لمناهضة هدم المنازل أن “إسرائيل” هدمت أكثر من 170 ألف منزل فلسطيني.

في المقابل، نمت مساحة الأراضي الزراعية التي تزرعها المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بنسبة 35% من عام 1997 إلى عام 2012، بحسب منظمة “كرم نافوت” الإسرائيلية الناشطة في مجال مراقبة مصادرة الأراضي، وقدّر البنك الدولي عام 2013 أن “القيمة الزراعية المحتملة لأراضي المستوطنات المستخدمة للزراعة لا تقلّ عن 251 مليون دولار أمريكي”.

وقضت محكمة العدل الدولية في عام 2004 بأن المستوطنات الإسرائيلية التي بُنيت فوق منازل وقرى فلسطينية مدمّرة غير قانونية بموجب القانون الدولي، وفي العام التالي اكتشف النشطاء الذين زاروا قرية فصايل الفلسطينية في وادي الأردن أن القرويين يجبَرون ببطء على ترك أراضيهم من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي لتوسيع المستوطنات، ليصبح مصدر الرزق الوحيد المتاح لهم هو العمل في المستوطنات الإسرائيلية نفسها.

علاوة على ذلك، يعتمد إنتاج التمور الإسرائيلية على الموارد الطبيعية المسروقة مثل المياه، التي أدّت السياسات الإسرائيلية إلى تقليل كمياتها في المناطق المصنفة “ج” حسب اتفاقية أوسلو، وغالبًا ما تحوَّل المياه من المجتمعات الفلسطينية إلى مزارع التمور الإسرائيلية، ما ساهم في ملوحة التربة، وبالتالي خفض مستوى الإنتاج للشجرة الواحدة بنحو 70 كيلوغرامًا.

 

صورة
تتطلب التمور أشعة الشمس الحارقة والكثير من الماء لتنمو.

 

تسيطر “إسرائيل” أيضًا على طبقة المياه الجوفية تحت الوادي الجاف، ومنحت حقوق استخراج المياه الجوفية في الوادي لشركة المياه الإسرائيلية الوطنية “ميكوروت”، وتحظر حفر آبار المياه الجديدة في غور الأردن أو تعميق الآبار القديمة لريّ الأشجار، أو تلجأ إلى ردم بعضها، بحسب تصريحات لرئيس مجلس النخيل والتمور الفلسطيني إبراهيم دعيك، ويعتمد الفلسطينيون هناك بشكل كبير على المياه التي تخصّصها شركة “ميكوروت”.

بشكل عام، يشير البنك الدولي إلى أن “نصيب الفرد من المياه للفلسطينيين في الضفة الغربية يبلغ حوالي ربع تلك المتاحة للإسرائيليين”، وانخفض بنسبة 35% فترة 1999-2007، بينما يبلغ الاستخدام المنزلي الفعلي للمياه حوالي 50 لترًا لكل فرد، ونصيب الفرد في اليوم أقل من الحد الأدنى اليومي البالغ 100 لتر الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية.

تمور إسرائيلية بأيدٍ فلسطينية

جمع محصول التمور في المستوطنات الإسرائيلية عمل شاق، ويحضر المستوطنون الإسرائيليون عمّالًا فلسطينيين يتقاضون رواتب أقل من غيرهم ولا يعوضونهم عن عملهم الشاق الذي يكسر ظهرهم، ويتعرض هؤلاء العمّال الذين يجبَرون في كثير من الأحيان بسبب الضرورة الاقتصادية على العمل في هذه المستوطنات غير القانونية لظروف عمل قاسية.

نادرًا ما تُطبّق قوانين العمل الإسرائيلية عندما يتعلق الأمر بالعمال الفلسطينيين، فخلال موسم التقليم يصعد العمال على أشجار النخيل بواسطة رافعة في الساعة 5 صباحًا، على ارتفاع يصل إلى 12 مترًا (ما يوازي مبنىً مكوّنًا من 4 طوابق)، لمدة تصل إلى 8 ساعات دون حتى استراحة المرحاض، مع عدم وجود وسيلة للنزول حتى تعود الرافعة في نهاية اليوم، يتشبّث العمال بالشجرة بأحد ذراعَيهم، ويعملون مع الأخرى للوفاء بحصتهم، خيث إذا تأخروا سيفقدون وظائفهم.

وتمتدّ ظروف العمل السيئة بالمثل إلى الأطفال، الذين من المعروف أن مزارع المستوطنات الإسرائيلية توظّفهم بشكل غير قانوني، ويفضّل الإسرائيليون تشغيلهم دون إصدار تصاريح عمل رسمية لهم، لأنهم يتسلقون الأشجار بشكل أسرع، ويعملون مقابل مبلغ أقل، ويكون الغش والإذلال أسهل.

ضبطت “إسرائيل” وهي تصف تمور الاستيطان زورًا على أنها من منتجات دول أخرى، حتى أنها وصفتها بعبارة “صنع في فلسطين” أو “الأرض المقدسة” مع طباعة العلم الفلسطيني

تضطر العائلات الفلسطينية بسبب الفقر المدقع إلى إخراج أطفالها من المدارس وتسليمهم للمستوطنين للعمل مقابل أجر زهيد، ويضطرون إلى العمل بسبب نقص الوظائف البديلة وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وهي السياسة التي تتبعها سياسات “إسرائيل” في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة.

يوثّق تقرير منظمة “هيومان رايتس ووتش” انتهاكات حقوق مئات الأطفال الفلسطينيين العاملين في مزارع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وتقع غالبيتهم في غور الأردن، ولا تتجاوز أعمارهم 11 عامًا، ويكسبون أقل من الحد الأدنى للأجور مقابل العمل في ظروف يمكن أن تكون خطرة بسبب المبيدات الحشرية والمعدّات الخطرة والحرارة الشديدة.

قال الأطفال الذين قابلتهم “هيومن رايتس ووتش” إنهم يبدأون العمل في الساعة 5:30 أو 6 صباحًا، وعادة ما يعملون حوالي 8 ساعات في اليوم، 6 أو 7 أيام في الأسبوع، وخلال فترات ذروة الحصاد يقول بعض الأطفال إنهم يعملون حتى 12 ساعة في اليوم، أكثر من 60 ساعة في الأسبوع، ووصف بعض الأطفال ضغوط المشرفين لمواصلة العمل وعدم أخذ فترات راحة.

رغم أن القانون الدولي، وكذلك القوانين الإسرائيلية والفلسطينية، يحدد سنّ الـ 15 كحدٍّ أدنى لسنّ العمل، بدأ العديد من الأطفال العمل الشاق والخطير في سن العاشرة حتى الـ 14 عامًا، وتعرّضوا لخطر السقوط من تسلق السلالم لتقليم النخيل وجمع التمور، وغالبًا ما تتجاوز درجات الحرارة في الحقول 40 درجة مئوية في الصيف، ما يعرّضهم لضربة الشمس خلال العمل في درجات الحرارة القصوى.

 

صورة
طفل فلسطيني يعمل في مستوطنة إسرائيلية غير شرعية.

 

محاولات “إسرائيل” لا تقف عند استغلال العمّال وتشغيل الأطفال، بل تتعدى ذلك إلى عرقلة زراعة النخيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك بمنع وصول الأسمدة والمبيدات الحشرية واللقاحات إلى المزارعين الفلسطينيين في غور الأردن، حيث يعيش حوالي 80 ألف فلسطيني، وأريحا صاحبة أكبر تجمع سكاني في الضفة الغربية التي ضاعفت زراعة “المجهول” تأثرًا بالمستوطنين، وفي دير البلح وخان يونس في قطاع غزة حيث يشتهر البلح من نوع “حياني”.

محاولات إسرائيلية للتزوير

حذّرت منظمة “مسلمو أمريكا من أجل فلسطين” من الملصقات التي تحمل اسم “صُنع في إسرائيل”، وأيضًا “صُنع في الضفة الغربية” أو “صُنع في وادي الأردن”، وتصنَّع التمور التي تحمل هذه العلامات دائمًا في المستوطنات الإسرائيلية، وغالبًا ما تستخدم هذه العلامات الغامضة لإخفاء أصلها الحقيقي.

لسوء الحظ، لم تعد قراءة الملصق المطبوع على المنتجات كافية، فقد ضبطت “إسرائيل” وهي تصف تمور الاستيطان زورًا على أنها من منتجات دول أخرى، حتى أنها وصفتها بعبارة “صنع في فلسطين” أو “الأرض المقدسة” مع طباعة العلم الفلسطيني أو استخدام شعار قبّة الصخرة على الصندوق.

 حتى الآن لم تعد علامة “صنع في فلسطين” ضمانًا لعدم شراء تمور الاحتلال الإسرائيلي، فغالبًا ما تدّعي الملصقات عن قصد أنها فلسطينية بينما هي في الواقع إسرائيلية.

واعترفت شركة “حديكلام” (Hadiklam)، المتخصصة فقط في إنتاج التمور، أنه منذ عام 2012 تمَّ شحن التمور تحت ملصق “إنتاج فلسطين” من وادي الأردن إلى أوروبا ودول خليجية مثل الإمارات، ومن غير الواضح حجم الإنتاج الذي يأتي من المزارع الفلسطينية أو المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية.

في وثائقي لقناة “الجزيرة” يعود لعام 2012، عرض مدير تصدير إسرائيلي من مستوطنة شدموت مخول الزراعية غير الشرعية في الضفة الغربية، التابعة لشركة “حديكلام”، أمام المراسلين علنًا صناديق من التمور المزيفة الموجّهة إلى المملكة المتحدة.

وشرح ملصق مطبوع على صناديق التمور في مستودع التعبئة الخاص به، ويحمل عنوان “فلسطين – أريحا”، بقوله: “أحيانًا يعترض البريطانيون على الشراء منا، فنتجنّب كتابة “إسرائيل” على الصناديق، غالبًا ما نطبع صناديق خاصة بناءً على طلب العميل، أحيانًا يطلبون منا تغيير اسم بلد المنشأ على الصناديق”.

في الآونة الأخيرة، أُغرق سوق المملكة المتحدة بصناديق “مشبوهة” لتمور “المجهول”، “منتجة في فلسطين”، مزيّنة بالأعلام الفلسطينية، لكنها تفتقر إلى أي تفاصيل عن الشركة، ما يجعل من المستحيل التحقق من مصدرها.

ويبدو أن هذا تكتيك شائع تستخدمه “إسرائيل” والمتاجر المتواطئة لإخفاء الأصل الإسرائيلي لتمور المجهول، رغم أنه من غير القانوني في المملكة المتحدة بيع المنتجات الغذائية دون تفاصيل عنوان المستورد أو الموزّع وبلد المنشأ الصحيح.

تتطلب لائحة ملصقات الأغذية لعام 1996 الشفافية فيما يتعلق بمنتجي المواد الغذائية، وتشترط “وضع ملصق على الطعام يتضمن تفاصيل الاسم التجاري ومكان المنشأ ومصدر الغذاء، إذا كان عدم تقديم مثل هذه التفاصيل قد يضلل المشتري بدرجة مادية فيما يتعلق بالمنشأ الحقيقي أو أصل الطعام”.

بموجب “حماية المستهلك من لوائح التجارة غير العادلة لعام 2008″، يعد عدم فعل ذلك جريمة جنائية لتقديم ادعاءات كاذبة حول أصل المنتج، يُعاقَب عليها بغرامة قصوى قدرها 5 آلاف جنيه إسترليني أو السجن لمدة عامَين.

في بعض الأحيان، تختلط تمور الاستيطان الإسرائيلي مع التمور الفلسطينية قبل تصديرها من “إسرائيل” أو بعد التصدير في المملكة المتحدة، حتى يتمكن البائع من تمرير التمور الإسرائيلية على أنها فلسطينية.

ويكشف تحقيق أجرته شبكة “أريج” عام 2014، تورُّط شركات إسرائيلية وتجّار وشركات فلسطينية في تهريب تمور المستوطنات إلى الأسواق الفلسطينية بعد تعبئتها داخل مصانع في مستوطنات، ثم تغليفها في مراكز وشركات فلسطينية، وبيعها بأسماء عربية تخدع المستهلك الفلسطيني على أنها من إنتاج مزارع وشركات فلسطينية، فيما يُعرف بعملية “تبييض التمور”.

 

صورة
مصنع صغير لتعبئة التمور الإسرائيلية المهرّبة

 

وسبق أن أعلنت السلطات الفلسطينية ضبط تمور المستوطنات في الأسواق الفلسطينية، رغم وجود قانون يجرّم التعامل بكافة أشكاله مع المستوطنات، كما أفادت تقارير عن توقيف عدد من رجال الأعمال الفلسطينيين المتهمين بـ”تبييض التمور” الإسرائيلية.

واعترضت وزارة الاقتصاد الفلسطينية في وقت سابق 20 طنًّا من تمور الاستيطان الإسرائيلية الفاسدة والتالفة، في طريقها إلى أحد مصانع التعبئة الفلسطينية لإعادة تغليفها للتصدير تحت ملصق “صنع في فلسطين”، وغالبًا ما تكون هذه التمور الأقل جودة، ما يؤثر سلبًا على التمور الفلسطينية ويشوّه سمعتها في الداخل والخارج.

في سبتمبر/ أيلول 2014، أجرى مراسل وكالة “الأناضول” مقابلات مع عدد من التجار الفلسطينيين في أريحا المتورّطين في هذا النشاط، واعترف المتعاونون بـ”المتاجرة في تمور المستوطنات التي يشترونها بأسعار تقلّ بـ 40% عن سعر السوق، ولكي يتمكنوا من تسويق التمور يقومون بتنظيفها وإعادة تغليفها واختيار الأفضل استعدادًا لبيعها في السوق المحلي، وكذلك الأسواق العربية والأوروبية”، ويقدّرون الحجم السنوي لمبيعاته الموسمية بحوالي 350 طنًّا من التمور تستخدم شركات مرخّصة مسجّلة رسميًّا.

الإسرائيليون يبيعون تمور المستوطنات غير الصالحة للتصدير بأقل من قيمتها، ويغمرون بها السوق الفلسطينية تحت أسماء عربية وهمية لجني أرباح إضافية.

تتمتع فلسطين بإعفاءات جمركية وتسهيلات متعلقة بالتصدير في التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي، لذلك تتعاون الشركات الإسرائيلية مع التجار الفلسطينيين لتصدير التمور المنتجة في المستوطنات المقامة بشكل غير قانوني في الضفة الغربية إلى الاتحاد الأوروبي، مع الاستفادة من هذه الإعفاءات.

تتم عملية التصدير بعد فحص الجهات الرسمية جودة المنتج ومواصفاته، والتأكُّد من مطابقة المنتَج للمواصفات الأوروبية والمعايير الدولية، ثم تصدَّر تحت عنوان “صنع في فلسطين”، لذا حتى الآن لم تعد علامة “صنع في فلسطين” ضمانًا لعدم شراء تمور الاحتلال الإسرائيلي، فغالبًا ما تدّعي الملصقات عن قصد أنها فلسطينية بينما في الواقع إسرائيلية.

غالبًا ما يكون الدليل الوحيد هو السعر، فالتمور الفلسطينية الأصلية المصدَّرة للخارج ستكلّف أكثر مقارنة بالتمور الإسرائيلية، لأن المزارعين الفلسطينيين تحترق أشجارهم تمامًا كلما نضجت الثمار، وتطلق قوات الاحتلال النار عليهم عند حصاد محصولهم، وغالبًا ما يسرق المستوطنون المحصول.

وإذا نجحوا في الحصاد، فإن محاصيلهم، الحساسة لدرجة الحرارة، يجب أن تمرَّ عبر العديد من الحواجز التي وضعها الاحتلال، ويجبَرون على الدفع لاستخدام الموانئ -التي كانت فلسطينية في يوم من الأيام لكنها محتلة الآن من قبل “إسرائيل”- من أجل تصدير تمورهم، ومن الصعب للغاية الحصول على التصاريح.

فيما أدّت جائحة فيروس كورونا مؤخرًا إلى خلق حالة من التوتر اتجاه التصدير الخارجي وضعف التسويق في الأسواق المحلية، ولم يتمكن المزارعون المحليون من كسب الكثير من المال لأن الإسرائيليين يبيعون تمور المستوطنات غير الصالحة للتصدير بأقل من قيمتها، ويغمرون بها السوق الفلسطينية تحت أسماء عربية وهمية لجني أرباح إضافية، في حين تتلف التمور الفلسطينية المكدّسة لارتفاع سعرها مقارنة بالتمور الإسرائيلية المهرَّبة.

ويتراوح حجم الإنتاج لقطاع التمور في منطقة الأغوار الفلسطينية ما بين 10 آلاف إلى 13 ألف طن، ورغم الزيادة النسبية في حجم الإنتاج في السنوات الأخيرة، إلا أن كساد الأسواق أثّر بشكل كبير على الطلب الخارجي، وعجز التسويق كما الأعوام السابقة في الأسواق المحلية.

الشركات المذنبة.. دليلك لتجنُّب تمور الاستيطان

تشمل قائمة المقاطعة أسماء علامات التمور الإسرائيلية وتجار التمور الإسرائيليين والشركات التي تدعم الفصل العنصري الإسرائيلي، ويأتي على رأس القائمة القرية التعاونية “موشاف غيلات” في صحراء النقب الغربية، وهي ثالث أكبر مصدِّر لتمور “المجهول” المزروعة في المستوطنات، وتشمل أسماء علاماتها التجارية “تمور الفردوس” (Paradise dates) و”تمور النجوم” (Star dates).

تفاخر “مهادرين” بمضاعفة مبيعات تمور “المجهول” مع وجود طلب قوي في رمضان، لكن في بعض الأحيان تشير عبواتها إلى أنها من “إنتاج مزارعين فلسطينيين”.

تشمل الشركات الرئيسية الأخرى المصدِّرة للتمور “حديكلام”، وهي جمعية تعاونية تضم مزارعي التمور فقط في “إسرائيل”، ورائدة في السوق العالمية في تنوع تمور “المجهول” عالية الجودة والمرغوبة كثيرًا، وتضم مزارع استيطانية غير شرعية على طول الأراضي المحتلة، وتبيع 65% من جميع التمور الإسرائيلية.

بعض أعضائها مزارع تعاونية كبيرة نسبيًّا تُعرَف باسم “الكيبوتسات” (القرى التعاونية الاسرائيلية)، التي لعبت دورًا محوريًّا وما زالت منذ وعد بلفور وصولًا إلى اليوم في نشأة دولة الاحتلال وتطورها على كافة الاصعدة، والبعض الآخر عبارة عن مزارعين خاصين صغار أو متوسطين، وغالبًا ما تكون شركات مدارة عائليًّا كانت من مزارعي التمور لأجيال.

تشمل علاماتها التجارية: الملك سليمان (King Soloman) ونهر الأردن (Jordan River)، وتحملان اسم الشركة المنتجة، بخلاف أشكال أخرى من التمور تخرج من دون تسمية مكان الإنتاج “صُنع في إسرائيل”، وتشمل “تمارا برحي للتمور” (Tamara Barhi Dates)، و”ديزرت دايموند” (Desert Diamond)، و”رابونزيل” (Rapunzel)، و”بوماجا” (Bomaja)، و”شمس” (Shams)، و”دليلة” (Delilah).

وتتفاخر “حديكلام” بتقديم منتجاتها إلى تجار التجزئة الأكبر في العالم، وتصدّر 9 أصناف من التمور إلى 50 دولة في 5 قارات، كما أنها توفر التمور الإسرائيلية لمحلات السوبر ماركت -مثل “ماركس آند سبنسر” (Marks & Spencer) و”سينسبري” (Sainsbury’s) و”أسدا” (Asda) و”موريسونز” (Morrisons) و”ويتروز” (Waitrose)-، التي تسوقها تحت علامتها التجارية الخاصة، أحيانًا تُوصف بأنها “منتجة في الضفة الغربية”، وهذا يعني أنها ليست تمرًا فلسطينيًّا.

“حديكلام” باعت أيضًا تمور المستوطنات في المغرب مع ملصق “صنع في جنوب أفريقيا” لإخفاء مصدرها الحقيقي، لكن الأرباح ذهبت إلى “إسرائيل”، وبسبب المقاطعة أنهت شركة “كارستين” (Karsten)، المورّد والمستورد الرئيسي للفاكهة داخل جنوب أفريقيا، العلاقات، وتعهّدت بعدم الشراكة مع أي كيان متواطئ في الاحتلال.

تأتي شركة مهادرين (Mehadrin) تاليًا كأكبر مصدر للمنتجات الطازجة في “إسرائيل”، مع أكثر من 5 آلاف هكتار من المزارع، ولديها شبكة فروع واسعة في جميع أنحاء أوروبا تمكنها من توفير المنتجات للعملاء وسلاسل البيع بالتجزئة، وتفاخر بمضاعفة مبيعات تمور “المجهول” مع وجود طلب قوي في رمضان، لكن في بعض الأحيان تشير عبواتها إلى أنها من “إنتاج مزارعين فلسطينيين”، وهذا يشير إلى العمال الفلسطينيين “المستعبدين” الموجودين في المزارع الإسرائيلية.

وتشمل منتجاتها من التمور بحسب ما هو منشور على موقعها الإلكتروني: تمور “مجهول” المعروفة باسم “حلوى الطبيعة”، وتحتل شريحة قدرها 75% من السوق العالمية للتمور، وتشكل 80% من مجمل أصناف التمور التي تُزرع سنويًّا في “إسرائيل”، ويصل حجم ثمارها إلى 40 ألف طن سنويًّا، ولها مكان الصدارة على الموائد العربية.

تحتوي تمورها على أسماء تجارية أخرى، مثل بريميوم مجهول (Premium Medjoul)، مجهول فاخر (Fancy Medjoul)، كنز ملكي (Royal Treasure)، البحر الأحمر (Red Sea)، وبونبونيرا (Bonbonierr).

تشمل المنتجات أيضًا تمور “دقلة نور” ولقبها “سيدة التمور” و”أصابع الضوء”، وهي من أحسن أنواع التمور في الجزائر وتونس وليبيا، وأكثرها طلبًا من قبل المهرّبين المغاربة الذين يقايضونه بالمخدرات، ويزوّرون مصدر الإنتاج لتصبح صالحة للتصدير ومن ثم تمريرها بعد ذلك إلى “إسرائيل”، بحسب ما تكشفه مصالح مكافحة المخدرات والمديرية الجهوية للجمارك بمدينة تلمسان الجزائرية.

تمكّنت هذه الشركة من اختراق السوق العربية، ففي أبريل/ نيسان 2021 وقّعت اتفاقية مع شركة مغربية لزراعة 1125 فدانًا (455 هكتارًا) من الأفوكادو في المغرب، باستثمارات بأكثر من 80 مليون درهم (8.9 ملايين دولار) لإنتاج 10 آلاف طن سنويًّا، مع توسيع الإنتاج إلى دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية، لتكون قادرة على إنتاج الفاكهة على مدار العام بتكاليف أقل.

-وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطيني تندّد بمحاولة تسويق منتجات المستوطنات في الإمارات-

“كارمل أجركسكو” هي أيضًا واحدة من الشركات الإسرائيلية التي وردَ اسمها في قائمة العلامات التجارية لمقاطعة التمور الإسرائيلية، والتي تمكّنت من الوصول إلى الأسواق العربية.

ففي يوينو/ حزيران 2021 أبرمت هذه الشركة مع شركات إماراتية اتفاقًا يسمح للمزارعين الإسرائيليين بتصدير وعرض منتجاتهم الزراعية مباشرة في الأسواق الإماراتية وبيعها بالتجزئة، كما تعتزم الشركة الاستثمار في الزراعة في الإمارات التي طبّعت علاقاتها رسميًّا مع تل أبيب في منتصف سبتمبر/ أيلول 2020.

 

صورة
بيع الفواكه والخضروات الإسرائيلية في المتاجر والأسواق الإماراتية

 

مثل محاولات الاختراق هذه بدأت مبكرًا، ففي عام 2008 أثار تسلُّل بعض أنواع التمور الإسرائيلية، على رأسها “المجهول”، إلى الأسواق في المغرب حالةً من الجدل والسخط، ليتبيّن لاحقًا أنها جاءت من أوروبا مع تغيير في تعليبها وتغليفها، لكن الاسم التجاري المسجّل فيها إسرائيلي.

وأكّد حينها رئيس المبادرة الطلابية لمناهضة التطبيع والعدوان، عزيز هناوي، ضلوع شركة “أكريسكسو” المتخصصة في المجال الزراعي، وتملك “إسرائيل” 50% من رأسمالها، وتقوم بتصدير ماركات خاصة بالتمور، وهي “جوردان فالي” (Jordan valley) و”جوردان بلاينز” (Jordan plains).

تقوم أيضًا “ميال أمبكس” (Mial Impex)، المتخصصة في استيراد وتصدير المواد الخام والمحاصيل الزراعية الطازجة، بعمليات التصدير الدولية باستخدام التمور التي تحمل ماركة “بات شيفا” أي “بئر السبع الفلسطينية” إلى الأسواق الأوروبية ومنطقة الشرق الأوسط، أما الصنف الرئيسي الذي تصدّره فهو تمور “المجهول”.

ورغم اختلاف مصادر الكثير من أنواع التمور التي يعود أصلها إلى الدول العربية، يشير حساب “إسرائيل بالعربية”، الذي أنشأته وزارة الخارجية الإسرائيلية، إلى أن 9 أنواع من التمور التجارية تنمو في “إسرائيل”، واستقدمتها من مختلف أنحاء العالم، وأغلبها ينمو في الأراضي الخصبة المحتلة على ضفاف نهر الأردن مثل وادي عربة وشمال البحر الميت وغور الأردن، بحسب ما تذكر “ميال أمبكس” على موقعها الإلكتروني.

في مثل هذه الأجواء غير العادلة للمنافسة في السوق العالمي، لا يمكن للتحديات التسويقية أن توقف خطوط الإنتاج الفلسطينية وسط آمال وتطلعات تهدف لإحياء السوق المحلية والحصول على تسهيلات إضافية في عمليات التصدير والمنافسة في الأسعار أمام التمور الإسرائيلية، ويؤكد كثيرون أن استمرار العمل مغامرة اقتصادية بالنسبة إلى مزارع النخيل الصغيرة، لكنها ضرورية باعتبار أن ما يحدث حماية للأرض من السرقة والاستيطان.

وتسافر التمور الفلسطينية إلى 26 دولة حول العالم، لجودتها ومذاقها الذي تمتاز به عن بقية التمور المنتجة في كثير من الدول، أما الأردن فيصدّر نصف إنتاجه إلى الأسواق التركية واللبنانية والأوروبية، بينما يوجّه النصف الآخر لسدّ الحاجة المتزايدة لدى المستهلك المحلي.

أخيرًا، إذا كنت تريد تمور “مجهول” موثوقة، عليك الشراء فقط من مصادر فلسطينية تمَّ التحقق منها مثل “الزيتون” (Zaytoun) أو “يافا” (Yaffa)، التي يمكنها الإجابة بسهولة على جميع أسئلتك المتعلقة بتحديد المصادر وإمكانية تتبُّع تفاصيل المنتج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب