
مقاربة من معنى انسانية القومية العربية في فكر ميشيل عفلق .
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين دياب -سوريا –
شغلتني وحدة معاني المفاهيم المستعملة في الأبحاث والدراسات الاجتماعية/الانثروبولوجية ، وخلال النقاشات في الندوات الفكرية بين النخب العربية.
وبقيت أُدَوِّنُ في دراساتي ومحاضراتي أهمية وحدة المفاهيم البنائية ، نسبة إلى البناء الاجتماعي ، في كل أنساقه ، وأدعو إلى تداول معانيها ، كما يقولها الناس في حياتهم اليومية ، فغياب وحدة المفاهيم الصحيحة ، يوقعنا في بلبلة فكرية ، ويدفع من يشتغل في قضايا الفكر إلى اتجاهات فكرية مفاهيميةً متبانية في النتائج ، وفي استنطاق الظواهر البنائية ،استنطاقاً سليماً يعبر عن مضمونها ووظائفها.
والقول في ضرورة وضع المعاني السليمة للمفاهيم المتعلقة بالقضايا العربية المعاصرة ، لابد أن يبدأ من بنيانها الاجتماعي، وتاريخها ، وناسها.
وقوة المفاهيم في تاريخها ، يلزم الباحث أن يكون هذا التاريخُ ، حاضرا في وعيه ، وفي نقده ، وفي تحليله للظواهر البنائيةالعربية ، في أبعادها المحليةة، والوطنية ، والقومية.
والباحث العربي الجاد ، إذ يأخذ المفاهيم بهذه الحساسية المنهجية، فإنّه يعرف عرف اليقين إنّ المفاهيم وليدة الحياة العربية ، و ما فيها من وقائع وعلاقات اجتماعية متجددة ، وثقافة متغيرة ، والمفاهيم في حالتها هذه خزان الجدل الاجتماعي ، في قلب الحياة العربية ، نأخذ منه مضمونها و وظيفتها ، التي تحدد بدورها معانيها ، وإحالتها إلى مؤشرات ، تشير إلى ما يجري من أحداث.
أقول هذا الكلام ، وعيني موجهة إلى ثنائية القومية العربية/الإنسانية ، أو قل بيقين منهجي : العروبة الإنسانية ، من أجل تأصيل المعرفة بهذه الثنائية ، في فكر ميشيل عفلق، التي شكّلت سابقة له ، وفتحاً في دراسة العلاقة الجدلية والعضوية بين العروبة والإسلام ، وهو القائل 1″ والإسلام ولد في أرض العروبة ، وضمن تاريخها ، وأهلها […] ولا خوف على العروبة مادامت مقترنة بالإسلام”.
إذاً ، المعرفة الواعية بالمفاهيم ، واعتماداً على علم الإنسان ، في دراستها وتحليلها ، ومن ثم تفسيرها ، ووضع المعاني للظاهرة الثقافية/الاجتماعية ، من وجهة نظري ، تزيل الالتباس الموجود بين أبناء القطاع الجدي من أبناء الأمة العربية ، وتقارب بين وجهات النظر ، وتوحدها ، وتقول قولاً سليماً ، في الواقعات البنائية ، في الحياة العربية.
وما يخص ثنائية القومية والإنسانية ، فتزيدها وضوحاً، وتعطي للأستاذ حقه ، بأنّه في قوله عن إنسانية القومية العربية قد فض الاشتباك القائم بين العروبة والإسلام في ذهن فئة من الناس ، تشكك في هذه العلاقة العضوية ، وتصر على أن ترى في القومية العربية مرحلة تاريخية انقضت ، بينما هي في فكر الأستاذ قدر هذه الأمة ، التي شكلت أرضاً ونبتاً صالحاً لظهور الإسلام ، ونقصد بالقدر الظروف التي أحاطت بنشأة ، وتشكُّل الأمة العربية ، خلال تاريخها الطويل .
كما أنّ هذه المعرفة ، تُكثر المحددات الثقافية الاجتماعية التي تقوي الألفة بين الإنسان العربي ، و قوميته الإنسانية ، و تُغْني معرفته بالمفاهيم التي تطرحها وتولِّدها هذه الثنائية ، إلى حد اليقين بها ، كما إنها تُعَيُّنُ هذه المفاهيم على أرض الواقع بوقائعها ، وحقائقها ، وبنيانها الثقافي ، كما عَرِفَتْهُ الحياة العربية ، وعاشها الناس، في علاقاتهم الاجتماعية.
هذا جانب من المنهج ، أمّا الجانب الثاني فأجده في الإطارات ، و مجموعات العمل الفكري في الوطن العربي ، حيث من الملاحظ أن ّبعض هذه الأطر التي تقحم نفسها في القضايا القومية ، وخاصة القومية العربية ، و مالها وما عليها ، والعروبة الإنسانية ، إطارات أخذ بها هواها وخلفياتها الفكرية إلى الضفة الأخرى ، فلم ترتقي إلى مستوى الثنائية القومية: العروبة الإنسانية ، والقومية العربية الانسانية ، كما لم تأتي إليها ، داخلة إليها من أبوابها ، و إنما جاءت محملة بمنطق الرغبة ، و حساسيات شعوبية مهمومة بإيجاد قطيعة بين العروبة و الإسلام ، و نزعات أممية متطرفة في موقفها من القومية العربية الإنسانية ، الأمر الذي جعل منها مجموعات فكرية خارج منطق التاريخ و العصر و الحداثة ، و خارج العروبة الإنسانية.
معاني إنسانية العروبة والقومية العربية.
من هنا نبدأ ، من المعنى الأساسي للقومية العربية و العروبة الذي قال به الأستاذ “2”” فالعروبة هي إنسانية ، و نحن نفهم من قوميتنا العربية بأنها الإنسانية الصحيحية ، و بأنها تقديس لقوميات الآخرين . و يضيف الأستاذ توضيحاً في معنى العروبة قائلاً “3” “إنّ ما نفهمه بالعروبة ، هو هذه الرابطة الانسانية السمحة”.
ونسأل ، و السؤال عندي سنَّةٌ منهجية ، ماذا نستخلص من المعنى السابق للعروبة ، و هو المعنى الأساس لمعاني اخرى :
أولاً- يؤكد ان العلاقة بين القومية العربية و الإنسانية علاقة الذات مع نفسها ، و دورها ، وسلوكها الإنساني.
ثانياً- و قومية عربية تسكنها إنسانيتها لابد أن تكون شديدة الصلة بالقوميات الأخرى ، و تتعايش معها في علاقات إنسانية تجد نفسها قوية في إنسانية الإنسان.
ثالثاً- و أراد الأستاذ من إنسانية القومية العربية أن تكون مُناضلة تُعْلي من شأن الإنسان .
رابعاً- و من قوله بإنسانية العروبة ، فقد حمّلها مهام مجابهة القوميات العنصرية ، و رصيد هذه الرابطة السمحة بالفكر الإنساني ، و تأسيس ثقافة انسانية ، تكون في خدمة إنسانية الإنسانية ، و من أنّ الإنسان غاية في ذاته ، يتساكن فيها مع أخيه الإنسانية ، داخل أجواء الرابطة الانسانية السمحة للعروبة.
خامساً- و أراد الأستاذ من النزعة الإنسانية للعروبة أن يصالح بعض الاتجاهات القومية العربية ، الغارقة في النزعة الأوروبية المركزية ، ما يتأتى منها من مواقف معادية مشككة بإنسانية القومية العربية ، ومشاهدها في التاريخ الإنساني ، و أن تتجاوز هذه التيارات عقدة الثقافة الأوروبية المتأصلة في فكر هذه التيارات ، و أن تفرض ثقافة إنسانية العروبة نفسها على تلك التيارات.
و تقودنا تلك المعاني التي استخلصها الأستاذ من الحياة العربية ورموزها في الثقافة العربية ، على طريقة الدراسات الأنثروبولوجية ومنهجها في الدراسة عن بعد التي يعايشها الباحث/الدارس الأحداث ، والواقعات البنائية ، وحقائق الحياة من خلال ماكُتب و قيل عنها ، وما رواه وشاهده شاهد عصرها .
نقول تقودنا إلى مناقشة إنسانية القومية العربية/العروبة بمنأى عن نشأة القوميات الأوروبية ، ومرجعياتها الفكرية في بلدانها ، ومسألة المقارنة بين القومية الإنسانية، و القومية المتعصبة ، لأنّها واحدة من قضايا الفكر التاريخي.
* المحددات الثقافية لإنسانية القومية العربية.
تشدد الكلام عن المحددات الثقافية/الاجتماعية للعروبة الإنسانية لن يكون له مغزاه في تفسير إنسانية العروبة ، إلاّ إذا كان مضمونه الثقافي يبدأ من حقائق الثقافة العربية قبل الإسلام وبعده تمسكاً واستِئناسا بقاعدة أنثروبولوجية تقول : قل لي ما ثقافتك ، أقول لك من أنت ، بمعنى آخر أنّ الثقافة خلال تاريخ تشكلها في بنيتها الاجتماعية ، وما تمت به من تجارب ، هي التي تُكَوِّنُ مايطلق عليه ، معالم الشخصية الاجتماعية لكل أمة من الأمم ، و على هذا الأساس نجد في تباين الثقافات ، اختلاف في الشخصيات الاجتماعية لتلك الأمم.
إنّ الثقافة العربية بالنسبة للأستاذ ، كانت العين التي رأى فيها إنسانية القومية العربية ، وقد عايشها بالذهن والسؤال ، والقراءة التاريخية لمعانيها ، والحوار عن بعد مع عناصرها ومفرداتها و قيمها .
فكانت الثقافة العربية المتغيرة ، المتحولة ، المتطورة، ثقافة حوار ، وهذه كانت حصيلة تجربة أجيال عربية ، موغلة في قدمها.
وثقافة الحوار كانت وظلت السكن الشرعي للقيم الكبرى المؤسسة للشخصية الاجتماعية العربية ، التي تبدأ بعناوين كبيرة : إنسانية الإنسان العربي ، حقوقه ، واجباته ، عقده الاجتماعي ، الدستور ، المواطنة ، الحرية ، العدالة الاجتماعية ..إلخ .
وعلى طريقة الباحث المنظر يستند الأستاذ إلى تلك الخلفية النظرية لتكون عونه ، في معرفة جذور وأصول إنسانية القومية العربية ، فدلته على الإسلام و دوره الحضاري الذي شغله في الحياة العربية ، و ما سيغنيه و يعطيه للإنسان العربي”4″ “في حياتنا القومية حادث خطير ، و هو حادث ظهور الإسلام ، حادث قومي و إنساني عالمي ، و لا أجد أن الشباب العربي يعطون هذا الحادث حقه من الاهتمام […] لأنّ فيه عظة بالغة ، فيه تجربة هائلة من تجارب الإنسانية “.
و ماذام الإسلام، في رأي الاستاذ، يملك هذه القامة الكبيرة في الحياة العربية ، فقد أسس لثقافة إنسانية القومية العربية التي نراها في المحددات الآتية:”5″
*”إنّ الحزب [….] يرى أن َّالدين تعبير صادق عن إنسانية الإنسان
*” فالدين من صميم القضية العربية.”
* فالمناضل البعثي […] يعرف حقيقة الدين ، وحقيقة النفس البشرية.
* فالإسلام في حقيقته الصافية نشأ في قلب العروبة ، و أفصح عن عبقريتها أحسن إفصاح ، وساير تاريخها وامتزج به في أمجد أدواره.
*” الإسلام تجربة و استعداد دائم”
* فالإسلام هو الهزة الخيرية التي تحرك كامن القوى في الأمة العربية.
* هذه التجربة ليست حادثا ًتاريخياً يذكر للعبرة والفخر ، بل هي استعداد في الأمة العربية”.
* “حياة الرسول خلاصة لحياة العرب.”
كل عربي في الوقت الحاضر يستطيع أن يحيا حياة الرسول العربي.
* “كان محمد كل العرب ، فليكن كل العرب اليوم محمدا.”
“إنً اختيار العصر الذي ظهر فيه الإسلام، لأنّ العرب قد نضجوا وتكاملوا لقبول مثل هذه الرسالة.”
“فالإسلام إذاً كان حركة عربية ،وكان معناه تجدد العروبة وتكاملها .”
* “إنسانية الإسلام “
“* فرسالة الإسلام إنما هي خلق إنسانية عربية.”
* “فعلاقة الإسلام بالعروبة ليست إذاً كعلاقة أي دين بأية قومية.”
ونرى بوضوح لا لبس فيه تأثر الأستاذ بالآية الكريمة ، وهو يؤصل إنسانية الإنسان العربي ، بوصفها خلفيته النظرية ، حيث عرفناه يقرأ القرآن “6” ولقد كَرّمنا بني آدم حمّلناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مِمّن خلقنا تفضيلاً. – سورة الإسراء-رقم 7″.
وضع المعاني على الظواهر والمفاهيم.
وعن سؤال هل المحددات الثقافيةالسابقة تكفي لمعرفة الكيفية التي وضع بها الأستاذ المعاني الحقيقية للعروبة الإنسانية ، وإنسانية القومية العربية.
وعلى طريقة الأنثروبولوجي في وضع المعاني الصحيحة على الظواهر والمفاهيم البنائية ، فإنّ مهمته وضع المفاهيم الصحيحة ، والمتداولة بين الناس ، على الظواهر ، حتى تكون آلياته المنهجية، ومفاتيحه التحليلية والتفسيرية ، في تحليل وتفسير البناء الاجتماعي ، وما فيه من مكونات.
نقول إنَّ هذه القاعدة المنهجية مضت بالاستاذ تأصيلًا لإنسانية العروبة ، بناء على أطروحته التي تقول بأنّ العروبة هي القومية العربية ، والقومية العربية ، هي العروبة.
و لاشك أنّ العلاقة الجدلية ، والتاثير المتبادل ، القائم على الاعتماد الوظيفي ، بين الثنائية العربية : القومية العربية و العروبة ، توجه أنظارنا إلى مفاهيم الأستاذ وأطروحاته ، في موسوعته “في سبيل البعث” فنرى فيها محددات ثقافية مكملة ، تأتي تحت عناوين وإفصاحات أخرى لها إسهامها الفعال والخلاق في تشكيل تركيبة فكرية قومية ، حددها في ضوء الحالة العربية الراهنة ، ومستقبل الأمة العربية ، نطلق عليها في العلم الاجتماعي الاقتصادي ، المحدد الموضوعي ، الذي يتشكل من المكونات التالية : الإنسان ، وأرضه ، وتاريخه ، وعند مالك بن نبي: المفاعل الحضري”7″.
والاستاذ عندما يطرح مفاهيمه الجدلية ، له غاياته ومسوغاته وأهدافه ، النابعة من حقائق الحياة العربية ، وفي مقدمتها الوحدة العربية ، التي يراها أم القضايا العربية الملحة ، التي تشكل المحدد الموضوعي للتنمية المستدامة ، وللنهضة الحضارية ، في كل آفاقها المفتوحة ، على الإنسانية جمعاء.
ولِنُعْلِن ببصيرة منهجية ، عقلية الباحث/المحلل الأكاديمي ، وهو يخاطب الشباب العربي ، أُسس النهضة وعامودها الفقري : “في ذلك الوقت آمن هؤلاء الشباب بأنّهم سيصنعون تاريخاً للأمة العربية ، وأنهم سيكونون الجنود المحاربين والشهداء لنهضة عربية أصيلة تُغَذّي الانسانية جمعاء.””8”
والأستاذ عندما يشهر النهضة العربية ، بوصفه فضاءً محدداً لإنسانية القومية العربية ، والعروبة الإنسانية ، فإنه يفعل ذلك من خلال استشرافه الدور الحضاري للأمة العربية ، وهو دور إنساني بإمتياز ، لأنّ الحضارة العربية ، بكل مفرداتها و مضامينها ، شكّلت سندا وخلفية “للحضارة الاوربية “”9″، وأن “تساهم في إخصاب القيم الإنسانية ، وفي الدفاع عنها ، وفي تجسيدها تجسيداً صادقاً في حياتنا وسلوكنا.”
أليس عمر ابن الخطاب ، هو صاحب الهتاف التاريخي في التأسيس لحقوق الإنسان ، وإشهار مفاهيم وأطروحات الإنسانية العربية : “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمَّهاتهم أحرارا.”
وفي إشارته إلى ثقافة الحوار ، وهو من اهتمامات الأمة العربية ، وأحد أهم مكونات ثقافتها وتجلياتها ، وهمومها الإنسانية ، يحاول الأستاذ أن تكون مفاهيمه ، وقوله في إنسانية العروبة ، والقومية العربية ، إضافات خلاقة ، للأجيال العربية ، حتى تضع في مهامها ، المضي في إشهار إنسانية العروبة”10″”لقد أعطت ، حركة البعث للعروبة مفهومها الحديث ، ومضمونها الإيجابي الثوري ، بعد أن كانت العروبة لفظة فارغة ، وإطاراً فاقداً الروح والمحتوى ، وأصبحت القومية العربية ، مرادفة لحياة الشعب العربي ، ومشاكله السياسية.
وهو يؤكد حقائق الحياة العربية المعاصرة المعيشة ، في بحثها عن وحدتها ، وتقدمها ، وتحررها ، يُعْلي في كثير من أقواله ودراساته شأن الحرية ، لأنّها من وجهة نظره أحد أهم الطرق التي تمر بها العروبة للإنسانية ، ولأنها أيضًا لها إسهامها الفعال ، في تحرير الأمة العربية من التجزئة ، والتخلف ، والفقر ، والتبعية للغرب . وهذا له شأنه في استعادة ، الأمة العربية لدورها الحضاري ، الذي هو دور إنساني:”11″ “الحرية كأعمق أساس ، و أقوى دافع واعتبار القومية صورة حية عن الإنسانية ، واعتبار الأمة مسرحاً لتحقيق القيم الإنسانية ،”
وحقائق الحياة العربية ، يريد لها الأستاذ ان تتحول إلى تجربة ، بل الأصح أن تصبح تجربة العرب الراهنة ، بحيث تتكافأ ، مع التطلع الإنساني لدورها الحضاري ، لأنّ التجربة ترد العرب إلى ذاتهم الإنسانية ، وتحمِّلهم مسؤولياتهم ، في مباشرة دورهم الحضاري الإنساني، وتضع العرب في الطريق الصحيح ، للوصول”12″إلى حالة سليمة طبيعية [….] يستقيم للعرب أن يجتمعوا كلهم فتحسن نفوسهم ، وتصحح أفكارهم ، وتُقَوِّم أخلاقهم ، ويتفتح مجال الإبداع أمام عقولهم.”
وهذه الحالة الجديدة للأمة العربية ، التي تُغَيِّر فيها ما بداخلها من اعوجاج ، تمثل كلمة السر ، عند الأستاذ ، في إقدام العرب ، نحو حالتهم الإنسانية لصبِّها في دنيا الإنسانية “13” فإنه لن يقتصر عمل هذه التجربة ، على مشاكلهم فحسب ، بل يخرجون منها بتجربة إنسانية عميقة ، تخلق فيهم شخصية مشبعة بآلام الحياة الإنسانية ، ومعرفة أسرارها ، ومداواة أمراضها ، فيقدمون للعالم وللإنسانية كلها ثمرة هذه التجربة الخالدة.”
وهنا نسأل ، ألبست الحالة الجديدة للأمة العربية ، وتجربتهم التي يراد لها أن تأخذ بقوة بعدها الإنساني ، من المحددات والمؤشرات الأساسية لإنسانية القومية العربية؟
والأستاذ في لفتة منه لها علاقات كثيرة مع التجربة العربية يريدنا بلوغها ، وفيها أيضاً مكاشفة مع من يقفون في الضفة الأخرى المعاكسة للضفة التي يقف فيها البعث العربي ، فيقول لهم إنّ البعث ولد محملاً بمهامه الإنسانية””14″”حركة البعث تؤمن بالإنسانية ، وبأنّ للامة العربية رسالة إنسانية، وهي لا تفصل بين القومية والإنسانية،”
ويمضي الأستاذ في الإعلان عن المحددات الثقافية للعروبة الإنسانية، فيأتي إلى مفهوم “الانقلاب” عنده ليقول إنه شديد الصلة بالتجربة العربية ، إذا لم يكن ألف باء هذه التجربة . بل هو في حقيقته شرط هذه التجربة ، بكل أبعادها البنائية”15″ “وإما أن تقوم بانقلاب يحدث نهضة تفيض على بلاد العرب ، وتبلغ الشمول ، وتصبح نهضة عالمية إنسانية ، وإما أن توغل في النوم والانحطاط.”
ونعود معه إلى المحدد الثقافي لإنسانية القومية العربية ، ألا و هو الدور الحضاري للأمة العربية ، ونجده هذه المرة في مفهوم الرسالة العربية للعالم”17″ “والرسالة هي ما يقدمه جزء من البشر إلى مجموع الإنسانية ، ولايعطي معنى الرسالة لشيء ضيق أناني ، وإنما لابد من المعنى الإنساني الشامل الخالد. قد تتساءلون كيف تكون رسالتنا هذه في معالجة مشاكلنا ، فأقول لكم بأن العرب عندما يقدمون على هذه التجربة ، وهم في الواقع قد بدءوا فيها وانغمسوا فيها ، ولن يتراجعوا مطلقاً ، عندما يقومون بكل ذلك ، فإنه لن يقتصر عمل هذه التجربة ، على حل مشاكلهم فحسب ، بل يخرجون منها بتجربة إنسانية عميقة”
نسأل المرة تلو المرة ، أليس القول في وحدة مشكلات البشرية ، و من أن المشكلات العربية جزء لايتجزأ من مشكلات العالم دلالة على مصداقية إنسانية القومية العروبة ، وأحد تجلياتها الانسانية؟
والمساواة في المهام الانسانية ، واحدة من شروط وشخصية القومية العربية عند الأستاذ. لعله يرى أن الدور الحضاري ، و ما له من رسالة إنسانية لا يقتصر على العرب، وإنما من حق الأمم ، وحق الإنسان بغض النظر عن قوميته”18″ “فكل أمة من حقها أن تطمح في أن تكون لها رسالة.”
وعندما تتساوى الأمم في الحقوق والواجبات ، عندها فإن مفهوم الرسالة العربية الخالدة ، لايشكل امتيازاً للعرب يعلو بهم فوق الأمم ، وإنما هو حالة إنسانية عرفها التاريخ. أليس المفكر الفرنسي ، وأستاذ مادة الحضارة ، هو القائل:” لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب.”
إذاً ، رسالة العرب فائضاً من فوائض عروبتهم الإنسانية، وبهذه الرسالة تفصح عن نفسها و إنسانيتها ، و هذا من حقها ، شأنها في ذاك شأن كل الأمم ، التي حملت دوراً ورسالة إنسانية إلى الإنسان.
و مع ذلك ، فإنّ هذا الفائض عند الاستاذ ، لا يمر دون ثوابت إنسانية، ألا و هو الحق ، و الحق أحد المؤشرات على إنسانية القوميات من عدمه . لذلك نجده يتمثل في ثوابت العروبة ، وهو”19″ ” الحق فوق العروبة ، إلى أن يتحقق اتحاد العروبة بالحق.”
وكأنّ الأستاذ يقول ، إذا كنتم كباحثين وعارفين ومنظرين للشأن الإنساني ، ودلالاته في إنسانية القومية العربية ، فإليكم أهم شرط في ظفر العروبة بانسانيتها : “20” اتحادها بالحق ، واعترافها بأنّ الحق فوقها ، لأنّه في كل دلالاته حقٌ إنساني مطلق”.
ويريد أستاذنا من إشارته إلى التساند الوظيفي القيمي بين الحق والعروبة الإنسانية ، أن يؤكد بأنّ هذه العلاقة موجودة في تاريخ الإنسان ، وما على القطاع الجدي ، من المفكرين العرب ، إلاّ البحث عنها في تاريخ العروبة الثقافي، وفي الدور الحضاري ، الذي مارسته الأمة العربية ، خلال تجربتها الاجتماعية ، وذلك من أجل تشكيل المعرفة الواعية بها ، التي تستحقها.
وسيجد براهينها ، في رصيد من المفاهيم والمصطلحات ، التي تشكل النسق الثقافي للقومية العربية الإنسانية ، والإنسانية العربية.
ومن أهم هذه المفاهيم قول الأستاذ بالرسالة العربية الخالدة:”21″إنّ الرسالة العربية اليوم ، هي في ان يتطلّع العرب ، إلى بعث أمتهم ، فهذا خير ما يقدمونه للإنسانية ، لأنّ القيم الإنسانية لايمكن أن تخصب وتنمو إلاّ في أمة سليمة”.
وذروة إنسانية القومية العربية عند الأستاذ ، يتمثل في بلوغ الأمة العربية الانتصار على عسرها التاريخي ، لأنّ هذا الانتصار ، يجعلها تمارس دورها الحضاري.”22″”…لا يكونون قد بنو أمتهم فحسب ، وانشأوا كياناً قومياً ، بل يكونون قد قدّموا للإنسانية كلّها نتيجة هذه التجربة،أدوات صالحة…”
ونسأل ، والسؤال في كل مرّة سنّة منهجية ، تبحث عن مكونات النسق الثقافي للعروبة الإنسانية ، وحضورها في تاريخ فكر الإنسانية ، وما لها من واعز ونزعات.
نقول لماذا يرى الأستاذ في انتصار العرب على مشكلاتهم ، ومواجهة التحديات ، مواجهة ناجحة من الأمس إلى اليوم ، في تاريخ الامة العربية ، بأنّه لايقتصر عليهم وحدهم ، ولاتبقى محصورة فيهم ، لأنّ العرب بهذا الانتصار سيخرجون أقوياء:”23″ “… وأرفع روحاً وأعمق حساً وشعوراً ، وأوسع وعياً ، وأكثر واقعية.”
ولعمري ، فإنّ الانتصارات التي يحققها الشعب العربي، منقاداً بإرادته المدنية ، على مشكلاته وتحدياته ، وبلوغه الوعي التاريخي ،وبدورها ورسالتها”24″ “… يستطيعون أنْ يقدموا للإنسانية ثمرة جديدة ، هي نتيجة هذا التوحد ، بين النّظرة المثالية والواقعية ، وهي ان يغذوا الروح بقوة العمل…”
إنّ حديث الأستاذ عن إنسانية القومية العربية ، يبدأ عنده من مقدمات ، يجب الانتباه إليها ونحن نتكلم عن إنسانية القومية العربية ، وفي هذا الانتباه عصمة للباحث والمحلل والمفسر في الشأن القومي العربي ، حتى لايضل طريقه ، ويسير على مفترق الطرق ، بين القومية ، والنظرية القومية ، وبين الكلام المجرد ، والمفاهيم المجردة ، وبين المفاهيم المستخلصة ، من البناء الاجتماعي العربي، في ماضيه وحاضره ، ومابينهما من تواصل وتأثير متبادل لايتوقف ، وأهم هذه المقدمات التي فيها خشية ، من أجل فهم سليم لمعني الانسانية العربية، كما هي في تأريخها.”25″ “:
“1- اخشى أن تسف القومية عندنا إلى االمعرفة الذهنية والبحث الكلامي.
2- كثيراً ما أسمع من الطلاب عن تعريف هذه القومية ، التي ننادي بها ، أهي عنصرية تقوم على الدم ، أم روحية تُستمدُّ من التاريخ والثقافة المشتركة؟
3- وهل هي تنفي الدين أم تفسح له مكاناً.
وفي إجابته عن أسئلته/المقدمات ، وهو يخطو إلى الأمام في تعريف الشباب بقوميته العربية يقول:
” القومية التي ننادي بها ، هي حب قبل كل شيىء
ًهي نفس العاطفة التي تربط الفرد بأهل بيته.
“إنّ الذي يشعر بقدسيتها – أي القومية العربية (هذه الجملة من عندي) ينقاد في الوقت ذاته إلى تقديسها عند سائر الشعوب.
ونسأل في هذا السياق أليس في كلام الأستاذ، دعوة إلى نشر ثقافة المحبة بين الأمم والشعوب ، وما لثقافة المحبة من تراث ، وقيم وأخلاق ، وممارسات ، وتعاون ، وجهد مشترك ، وأعراف ، وتقاليد ، تصبح بمثابة السنن الاجتماعية ، التي تؤسس لعلاقات اجتماعية سليمة ، بين الشعوب.؟
“فتكون هكذا خير طريق إلى الإنسانية…خطوط تشديد”
“إنها تفتح صدرها ، وتظلِّل بجناحها كل الذين شاركوا العرب في تاريخهم ، وعاشوا في أجواء لغتهم وثقافتهم اجيالاً.
* شخصية القومية العربية.
نجد لزاماًعلي ، ونحن نطرح في هذه الدراسة ، مفهوم شخصية القومية العربية الإنسانية ، أن نشير إلى أن ترسخ هذا المفهوم ، يوصلنا إلى مضمونه ، حتى لا نضل طريقنا ونتجاوزه.
ومفهوم الشخصية ، في الفكر الانثروبولوجي ، يجمع بين روح الثقافة والقيم والنظرة الى الحياة ، كما أنها تتضمن ترابط وانتظام ، عدد كبير من العناصر ، داخل البناء الثقافي الاجتماعي ، وثمة علاقات وتأثير متبادل ، بين عناصر الثقافة ، في إطار من الحيوية/ الديناميكية.
ويرى بعض أعلام الفكر الانثروبولوجيا ، وخاصة انثروبولوجيا الشخصية والثقافة ، والانثروبولوجيا النفسية ، أن ثمة تشابه بين مفهوم الشخصية القومية ، ومفهوم الشخصية الرئيسة.
ومن البدهي في الفكر الانثروبولوجي ، أن دراسة الشخصية القومية ، يعني دراسة أكثر سمات الشخصية شيوعاً في المجتمعات ، والغاية من هذه الدراسة تقديم مشهد/سيناريو يجمع هذه السمات.
ونلاحظ ونحن نكتب عن الشخصية القومية العربية الإنسانية ، أن الأستاذ يقترب من منهج الاستنتاج الثقافي ، الذي يقوده خطوات لتفسير المادة الثقافية ، بقصد تشخيص الأسانيد الثقافية لشخصية القومية العربية وإنسانيتها ، كما يقترب من نظام دراسة هذه الشخصية،في ماضيها عن بعد ، لأنّ هذا الماضي لايسمح له بدراستها عن طريق الملاحظة المباشرة.
ويقود هذا المستوى من الدراسة وطريقته ، إلى مقارنة نقدية بين الشخصية القومية العربية ، أي أساسياتها ، وخلفياتها الثقافية التي تكونت خلال تاريخها ، ودورها الحضاري المشبع بروح انسانية ، وبين القومية وشخصيتها ، التي يفهمها ويؤمن بها قطاع من ابناء الامة العربية ، ممن تثقف على الفكر الأوروبي المجرد ، ويرى بأنها نظرية من النظريات ، التي يشبهها بالأزياء ، و الموضات الجديدة القادمة الينا من أوروبا.
وهذه التفرقة القائمة على المنهج المقارن ، لا تأتي من قبله مجاناً خلال رده على من يعتبرها نظرية أو زياً ، وإنما يزيد توضيحاً في معاني القومية العربية. إنسانيتها، ويزيل الالتباس الموجود بقوة التعنت ، والدعوة إلى تحديد الفكر القومي ، على طرية القفز من فوق ثوابته الثقافية والتاريخية ، وحقائقه الموجودة في التاريخ العربي ، فيقول : “لأنّ قوميتنا أيضاً تأتينا من الخارج ، بدل أن تُبْعَث من أعماقنا.”
والمقصود بالأعماق هنا جوانية الحياة العربية ، ومافيها من أحداث ، ومعطيات ، ووقائع تشكل قاعدة للباحث عن بعد ، وعن قرب ، أي أن يلتقط معنى المفاهيم ، من داخل الحياة العربية ، وبناها الاجتماعية:
“أن نجعل قوميتنا ، وهي أساس حياتنا نظرية من النظريات ، فنتركها عرضة لتقلبات المنطق ، والذوق والهوى .
“انحصرها في ساحة محدودة من الوعي ، ونسجنها ، كما فعل علماء الكلام بالدين.
انفهمها فهما ضيقاً ، فنساويها بأجزائها وعناصرها.”
” وإذا فعلنا ذلك بقوميتنا ، وقبلنا أن تكون الوجه الآخر للقومية ، قإنّ ثمة مخاطر تهدد رؤيتنا الصحيحة ، واستشرافنا المستقبلي لإنسانية قوميتنا ، وحاضنتها ، العروبة الإنسانية.
ومن هذه المخاطر ، في رأي أستاذنا :
1 -إنّ هذه القومية التي تأتينا من أوروبا ، مع الكتب والمجلات تهددنا بخطر مزدوج.
2 -” تنسينا شخصيتنا القومية”
3 -“تسلبنا واقعنا الحي ، وتعطينا بدلاً منه ألفاظاً فارغة ، ورموزاً مجردة.
4 – “إذاً ؛ فبحث القومية على الأسلوب الأوروبي ، يعلقنا بآمال كاذبة ، فيوهمنا أننا نبلغ ما بلغته الأمم الأوربية .
5 – كما إنه يورثنا أمراضاً ومشاكل وهمية ، فنشعر بنفس الأمراض والمشاكل التي تعانيها تلك الأمم .
والأستاذ له أسبابه في إشهاره الفروق بين القومية العربية ، والقومية في النظريات ، وفي الحياة الأوروبية ، وهذه الأسباب بعيدة كل البعد عن منطق الرغبة ، وإنما حصيلة جهد باحث ومنظر : يقرأ الواقع بعين باحث عن بعد ، ولنقل يقرأ الحياة العربية وتاريخها ، وما فيها من أبنية ثقافية متغيرة ، فيشير لنا بمنهج انثروبولوجي ، عن معنى مفاهيمه ، المأخوذة من البناء الاجتماعي العربي قائلا:
أ- لنهجر اللفظ قليلاً و لنسمي الأشياء بأسمائها وصفاتها المتغيرة ، فنستبدل بالقومية”العروبة” وبالدين”الإسلام”، اليس في هجر اللفظ عند الباحث الذي يضع الوقائع أمامه ، ويستدعي من التاريخ ما يزيده منهجية ، في وضع المعاني السليمة الصحيحة من الواقع بكل معطياته وشواهده ، دعوة للالتزام بهذا المنهج ، لأنّه وحده يجعلنا نُشَخّص الأحداث والقيم الكبرى ، في حياتنا العربية العربية وفي تاريخها ، ثم أليس الأستاذ، هو ذلك الباحث المنظِّر الذي تقصده بسؤالنا ، والذي يعيد للمعاني تاريخها ووقائعها على الأرض.” “:
ب – “فالإسلام في حقيقته الصافية نشأ في قلب العروبة ، وأفصح عن عبقريتها […] وساير تاريخها ، وامتزج به في أمجد أدواره ، فلا يكون ثمة اصطدام.”
ج -“و إنّ القومية العربية ليست نظرية ، ولكنَّها مبعث النظريات”
د -“و لا هي وليدة الفكر بل مرجعيته.”
و -“و ليس بين الحرية وبينها تضاد،لأنّها هي الحرية.”
ذ -“و قد آن لنا أن نزيل هذا التناقض ، فتعيد للشخصية العربية وحدتها ، وللحياة العربية تمامها،”
ولكن الشخصية الاجتماعية العربية،وما ملكت من محددات ثقافية اجتماعية ، كما تقول الانثروبولوجيا الثقافية تفرض على من يقاربها أن يوفر الاستحقاقات المتمثلة بحقائقها القومية الآتية ، كما نراها عند الاستاذ.” “
1-” فالإسلام كان حركة عربية.”
2-“وكان معناه تجدد العروبة و تكاملها””.”
3-“و العيوب التي حاربها ، الظواهر البنائية -الظواهر من قبلي – كانت عيوباً عربية.”
4-“والمسلم في ذلك الحين ، لم يكن سوى العربي.”
5-“كان المسلم هو العربي الذي آمن بالدين الجديد.”
غير أنّ بلوغ الإنسان العربي عهدئذ الإسلام ،والوصول إلى قيمه الاساس ، والإيمان بها كانت حصيلة أن “..استجمع الشروط و الفضائل اللازمة ليفهم أنّ هذا الدين ،.يمثل وثبة العروبة إلى الوحدة والقوّة والرُّقي.”
والسؤال المطروح على ما قاله النص السابق ، هل تكتفي معرفة الإنسان آنذاك بالإسلام حتي يصار له اكتسابه ؟
ويجيب الأستاذ ، باشهاره عدداً من المحددات الثقافية ، تشكل حصيلة لهذا الإيمان بالإسلام ، بوصفة رسالة لهم .” “
1-” الإسلام خير مفصح عن نزوع الأمة العربية إلى الخلود.” 2- وكان الاسلام”في واقعه عربي ، وفي مراميه المثالية إنساني.”
ويكمل الاستاذ إجابته بالبرهان الذي يقول إنّ معرفة الإنسان العربي بدور الإسلام. ر سالته في الحياة العربية من جهة ، وتجاه الأمم و الإنسانية عامة من جهة أخرى ، واستشراف مهامه العربية والإنسانية يدرك” “.
3- أنّ ” رسالة الإسلام ، إنما هي خلق إنسانية عربية.”
ومع ذلك فان هذه المعرفة من وجهة نظر الأستاذ مرتبطة بشرط أساسي وهو” “أن اختيار العرب لتبليغ رسالة الإسلام كان بسبب مزايا وفضائل أساسية فيهم ، وأنّ اختيار العصر الذي ظهر فيه الإسلام كان لأنّ العرب نضجوا وتكاملوا لقبول مثل هذه الرسالة ، وحملها إلى البشر.”
4- ” ومادام الارتباط وثيقاً بين العروبة والإسلام ، ومادمنا نرى في العروبة جسما روحه الإسلام ، فلا محال إذن للخوف من أن يشتط العرب في قوميتهم.”
5- وإضافة إلى ذلك”إنها لن تبلغ عصبية البغي والاستعمار.”
6- “لأنّ قوميتنا كائنٌ حي متشابك الأعضاء ، وكل تشريح لجسمها وفصل بين أعضائها يهدد بالقتل.”
ونسأل لماذا؟
7- “فعلاقة الاسلام بالعروبة ليست إذن كعلاقة أي دين بأية قومية.”
8- لذلك” فأكبر خدمة يقدمها العرب للإنسانية ، هي أن ينهضوا بقوميتهم إلى مستوى الإنسانية.”
ويختم الأستاذ مسوغاته:
” فنحن أحوج ما نكون إلى فهم صحيح للعروبة نقدمه للعالم والحضارة والتفكير الإنساني [لأنّ] القومية المغلقة المتعصبة أكبر خطر علينا لأنّها تغذي الفروق بدلاً من القضاء عليها.”
ويمضي الأستاذ بتوضيح معالم الشخصية العربية في هويتها القومية الإنسانية بقوله:
“واذا رجعنا إلى تعريف العروبة ، كما نفهمها نحن،وكما نريد أن تتحقق بأنها هي العنوان والاسم والروح التي تجمع بين هذا الشعب الواحد ، وتشعره بشخصيته ورسالته في الحياة ، فليس فيها أي جمود أو تجمد أو استعلاء.”
“فالعروبة هي الإنسانية .”
” ونحن نفهم من قوميتنا العربية بانها الإنسانية الصحيحة ، وبأنّها تقديس لقوميات الآخرين ، فتقدس هذا الشعور عند كل شعب اخر.”
“إن ما نفهمه بالعروبة ، هو هذه الرابطة الإنسانية السمحة ، وهذه الفكرة الواقعية ، التي تضمن قيام مجتمع عادل.”
والعرب اليوم “لا يريدون أن تكون قوميتهم عنصرية، وارادتهم هذه نابعة من تجربتهم ، فقد جربو مامعنى الظلم.”
وعن سؤال يطرحه الشعب العربي ، على لسان الاستاذ ، ماذا يريد لعروبته ، و على أي صورة يجب أن تكون.
ويجيب الأستاذ ” “على أن قوميتنا ، برغم هذه المرونة ، وهذا الشمول ، تبقى قومية ذات شخصية ، فهي لكي تستوعب التراث القديم المتنوع ، ولكي تتفاعل مع الحضارة الإنسانية ، يجب أن تكون لها شخصية ، فنحن نسمي عربا هذه المجموعة من البشر التي استلمت من الماضي تلك المقومات والشروط الابتدائية والضرورية للشعور المشترك ، وللمصلحة المشتركة،لالتقف عند هذا الحد ، بل كنقطة انطلاق تبدأ منها حياة جديدة ، تملؤها بكل المثل الإنسانية ، التي توحي بها ، أو تدفع إليها تجربتها الحاضرة.”
ومن حقائق معاني العروبة من أنها كما يفهمها أغلبية الشعب العربي ، هي القومية العربية ، وأنّ العروبة إنسانية بقوميتها.وهذا المعنى للعروبة وقوميتها ، يريد الشعب العربي أن يقودها للعالم وللحضارة والفكر الانساني ليقول له: هذا أنا الشعب العربي ، وهذه هويتي العربية .
الطريق إلى القومية العربية الإنسانية.
المشاهد الآتية في قول الأستاذ ، ترسم لنا الطريق إلى قومية عربية إنسانية.
أولاً:” إنّ مانفهمه بالعروبة ، هو هذه الرابطة الإنسانية السمحة ، وهذه الفكرة الواقعية التي تتضمن قيام مجتمع عادل.
ثانياً- “فالعروبة هي الإنسانية ، ونحن نفهم من قوميتنا العربية بأنها الإنسانية الصحيحة ، وبأنها تقديس لقوميات الآخرين .”
ثالثاً -” بأنّ للأمة العربية رسالة في هذه الحياة تؤديها للإنسانية،كما سبق لها في ماضيها العريق.”
رابعاً-” إننا نؤمن بأن القومية للبشر عامة هي حالة سوية،وحالة ثابتة غير مؤقتة إذا أحسن فهمها ، وإذا خلصت من التعصب ، وسلمت من الطمع والتوسع.”
إنّ مقاربتي لمفهوم القومية العربية الإنسانية،في فكر ميشيل عفلق،أفادت بأنّ هذا المفهوم يتطلب وعي مضمونه ، والإلمام بتاريخه ، والتعايش مع مؤشراته ودلالاته ، التي أتى بها الأستاذ ، في برهانه على إنسانية القومية العربية.
أ – د- عزالدين الدياب
المراجع:
1- موسوعة في سبيل البعث-ج1و2و3و4و5.
2- د – عزالدين دياب. درسات انثروبولوجية تطبيقية – الدار الوطنية 2006
*هذه الدراسة في الأساس كانت مشروع كتاب،كتبت عام 2010،وفقدت عند من اخراجها في كتاب،وفقدت منها أجزاء مهمة،والمهم،هذه حصيلة جهد متعثر،فرضه الآخر !