إقصاء وصفقات سياسية.. كيف أوصل الإطار التنسيقي الشيعي مرشحه لأكبر منصب سني في العراق؟
إقصاء وصفقات سياسية.. كيف أوصل الإطار التنسيقي الشيعي مرشحه لأكبر منصب سني في العراق؟
رغم مرور نحو أسبوعين على انتخاب النائب محمود المشهداني، رئيسًا لمجلس النواب العراقي بعد جمود سياسي دام عامًا كاملاً، لا زالت تداعيات هذا الانتخاب تُلقي بظلالها على المشهد السياسي في العراق، وبدأت تتكشف كواليس انتخاب رئيس مجلس النواب العراقي الجديد وتفاصيل إقصاء منافسيه لهذا المنصب المحجوز للسُنة العرب.
وفقًا للنظام السياسي العراقي المتبع منذ الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، فإن المناصب تُوَزَع عرقيًا وطائفيًا، إذ أن منصب رئيس مجلس النواب العراقي تم حجزه للعرب السُنّة على أن يكون النائب الأول لرئيس المجلس من الطائفة الشيعية بينما ينتمي النائب الثاني للمكون الكردي.
“عربي بوست” من خلال هذا التقرير سيكشف، من خلال مصادر سياسية مُطَّلعة من الطبقة السياسية العراقية، تفاصيل عام كامل من الصفقات السياسية والتحالفات الجديدة والشخصيات السُنّية التي تم استبعادها، قبل إكمال عملية انتخاب رئيس مجلس النواب العراقي الجديد.
كواليس استبعاد خميس الخنجر
جاء انتخاب النائب محمود المشهداني بعد أيام قليلة من استقالة السياسي ورجل الأعمال خميس الخنجر من “تحالف السيادة السُنّي”، إثر استدعائه من قبل الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة، مؤسسة حكومية لاجتثاث سياسات البعث في العراق، ويواجه السياسي السُنّي استجوابًا بشأن علاقاته المحتملة بحزب البعث.
وآثار استدعاء خميس الخنجر من قبل “هيئة اجتثاث حزب البعث” ردود فعل كثيرة واتهامات لخصومه من النخبة السياسية السُنّية بمحاولة اقصائه بالتعاون مع قوى الإطار التنسيقي الشيعي (مظلة سياسية تجمع أغلب الفصائل السياسية الشيعية المعتدلة والمقربة من إيران… وهي الحاكم الفعلي للعراق).
في هذا الصدد، يقول سياسي سُنّي من حزب “العزم” الذي يترأسه الخنجر، لـ”عربي بوست”، “تهمة التواصل مع حزب البعث تهمة مخصصة ومجهزة دائمًا لاستبعاد أي سياسي سُنّي يعارض أو يطالب بحقوق المكون السُنّي في العراق”.
وأضاف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه: “الخنجر استقال من رئاسة الحزب لأسباب غير معلومة وليس لها علاقة باستدعاء هيئة المساءلة والعدالة بشكل مباشر… لكن في اعتقادي أنه قرر عدم إحراج حلفائه وجرهم إلى نفس التهمة -الصلة مع حزب البعث-، لذلك استقال”.
وفي نفس الوقت، يقول السياسي السُنّي من “تحالف العزم” الذي يضم ما يقرب من 30 نائبًا في البرلمان الحالي، “الخنجر كان ضحية التحالفات الجديدة بين الإطار التنسيقي الشيعي والحلبوسي للانتهاء من أزمة انتخاب رئيس جديد للبرلمان”.
وتجدر الإشارة إلى أن الخنجر هو رجل أعمال سُنّي، ظل خارج العراق لسنوات بعد الغزو الأمريكي عام 2003، قبل أن يعود مجددًا إلى العراق وممارسة النشاط السياسي ليقوم بتأسيس حزب “العزم”.
وقال مصدر سياسي عراقي سُنّي لـ”عربي بوست”، مفضلًا عدم ذكر اسمه، “التحالف بين الخنجر و الحلبوسي لم يدم طويلًا كعادة التحالفات السُنّية، بسبب رغبة كل طرف في السيطرة من ناحية، وبسبب التدخلات الشيعية لهدم أي تحالف سُنّي خوفًا من تكوين جبهة سُنّية قوية من جهة أخرى”.
وأضاف المتحدث قائلاً “التهمة الموجهة إلى الخنجر ما هي إلا تهديد سياسي له بالابتعاد عن النشاط السياسي في الوقت الحالي، وهو فهم الرسالة واستقال من تحالف السيادة، ومن يقف وراء هذا التهديد صفقة سياسية بين المالكي و الحلبوسي”.
ويرى السياسي السُنّي العراقي أن هناك عوامل أخرى ساهمت في رغبة الإطار التنسيقي الشيعي في إزاحة خميس الخنجر من المشهد السياسي في الوقت الحالي، فيقول لـ”عربي بوست”، “الخنجر أثار في الأشهر الماضية موضوع عودة النازحين وقانون العفو العام، وانسحاب الحشد الشعبي من المحافظات السُنّية المحررة”.
وأضاف المتحدث أن الخنجر “شدد على ضرورة تلبية هذه المطالب التي ينادي بها السُنّة منذ سنوات طويلة، وهو ما أزعج الإطار التنسيقي الذي رأى أن الخنجر سيكون مزعجًا، هيئة اجتثاث البعث ما هي إلا أداة للتصفية السياسية، وبرغم من اختلافي مع الخنجر في كثير من الأمور السياسية إلا أنه لم يكن في يوم من الأيام بعثيًّا”.
ويقول السياسي السُنّي من حزب “العزم” لـ”عربي بوست”، “سيتم حرمان الخنجر من المناصب السياسية العليا وملاحقة المقربين منهم بتهمة الصلة مع حزب البعث، لفترة على ما يبدو أنها ستكون طويلة إذا ما لم تحدث صفقة سياسية جديدة يستطيع من خلالها العودة إلى الحياة السياسية”.
“صفقات” سبقت انتخاب رئيس مجلس النواب العراقي
على مدار عام كامل فشلت كل الجلسات البرلمانية المقررة لانتخاب رئيس مجلس النواب العراقي، وبدأت الأزمة بحكم غير مسبوق للمحكمة الاتحادية العليا في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بإقالة محمد الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب وتجريده من عضويته البرلمانية بسبب اتهامات بـ”التزوير والسلوك غير النزيه”.
جاء هذا الحكم في أعقاب دعوى قضائية رفعها، ليث الدليمي، النائب البرلماني السابق عن حزب “تقدم” الذي يترأسه الحلبوسي والذي اتهم الأخير بالتلاعب برسائل الاستقالة التي وقعها أعضاء من الحزب من بينهم ليث الدليمي لإزاحته من الحزب وتشديد قبضته، وخلصت المحكمة الاتحادية العليا إلى أن الحلبوسي “قام بالفعل بتزوير وثيقة رسمية تتعلق باستقالة الدليمي، مما أدى إلى إقالته من منصبه”.
يقول سياسي شيعي من الإطار التنسيقي الشيعي لـ”عربي بوست”، “حكم المحكمة الاتحادية بحق الحلبوسي من الممكن اعتباره مدبرًا للإطاحة به بعد أن أثار قلق وسخط قيادات كبيرة في الإطار التنسيقي، وفي نفس الوقت أشعلت إقالته منافسة شرسة بين القوى السُنّية التي رغبت جميعها في الحصول على أكبر منصب مخصص للسُنّة، بينما استغلت فصائل الإطار التنسيقي هذا التنافس لصالحها”.
وفي نفس السياق يقول سياسي سُنّي ونائب برلماني سابق مقرب من الحلبوسي لـ”عربي بوست”، “رحب خصوم الحلبوسي السُنّة بإقالته التي جاءت بواسطة مؤامرة من الإطار التنسيقي بالتعاون مع السياسيين السُنّة الآخرين مثل الخنجر والسامرائي، والدليل على ذلك محاولاتهم الكثيرة لبناء أغلبية برلمانية بعد إقالة الحلبوسي لكنهم فشلوا”.
في أواخر نوفمبر 2023 كانت المحاولة الأولى لاختيار رئيس جديد لمجلس النواب، وبدأت الفصائل السياسية السُنّية مفاوضات لانتخاب الرئيس الجديد، وفي جلسة التصويت الأولى كانت المنافسة بين شعلان الكريم من حزب تقدم الذي يترأسه الحلبوسي، ومحمود المشهداني بدعم من “تحالف عزم”، ثم سالم العيساوي الذي كان مدعومًا من تحالف السيادة الذي يتزعمه خميس الخنجر.
وفي جلسة 13 يناير 2024 حصل شعلان الكريم علي 152 صوتًا من أصل 314، وحصل العيساوي علي 97 صوتًا، بينما حصل المشهداني على 48 صوتًا فقط، ووفقًا للدستور العراقي فإنه يجب على رئيس المجلس الحصول على الأغلبية المطلقة بإجمالي 165 صوتًا من النواب الحاضرين للجلسة البرلمانية.
وكان عدد الأصوات التي حصل عليها شعلان الكريم المدعوم من الحلبوسي (152) تُشير إلى أن الإطار التنسيقي الشيعي قد دعم الكريم مما دفع الكثيرين للتساؤل حول سبب قدرة الحلبوسي المغضوب عليه من الإطار التنسيقي الشيعي علي تأمين أصوات نواب الإطار لصالح مرشحه شعلان الكريم.
يُجيب على هذا التساؤل قيادي بارز من الإطار التنسيقي الشيعي، ومقرب من هادي العامري رئيس كتلة فتح البرلمانية، ورئيس منظمة بدر المقربة من إيران، ويقول “في هذا الوقت كان هناك محاولة من قيس الخزعلي لعقد صفقة مع الحلبوسي لاختيار مرشحه رئيسًا للبرلمان والدخول في تحالف جديد بينهما”.
وبحسب المصادر السياسية من الإطار التنسيقي الشيعي، حاول الخزعلي عقد صفقة سياسية مع الحلبوسي، بتأمين حصول حزبه على بعض الوزارات والتحالف في الانتخابات البرلمانية القادمة، لكن جاء نوري المالكي رئيس الوزراء السابق (2006-2014) وزعيم ائتلاف دولة القانون في البرلمان، ليُخرب هذه الصفقة ويعطلها.
وفي هذا الصدد، يقول القيادي من الإطار التنسيقي الشيعي لـ”عربي بوست”، “نجح المالكي في ما هو ماهر به منذ سنوات، أي تخريب أي صفقة سياسية لا تصب في مصلحته، وتمكن من إفساد الصفقة بين الخزعلي والحلبوسي، مما جعل الأخير يتمسك بالمطالب القديمة: إما عودته إلى منصبه كرئيس للبرلمان، أو انتخاب رئيس من حزبه”.
محاولة تشكيل كتلة سُنّية برلمانية جديدة
بعد فشل تصويت يناير/كانون الثاني 2024، وتخريب الصفقة السياسية بين الحلبوسي وقيس الخزعلي، تبقى سالم العيساوي المدعوم من خميس الخنجر ومحمود المشهداني المدعوم من عدة فصائل سياسية داخل الإطار التنسيقي الشيعي كأبرز المرشحين لرئاسة مجلس النواب.
وبعد انسحاب شعلان الكريم بعد ما رفعت مجموعة من النواب الشيعية دعوى قضائية تطلب أمرًا قضائيًا لمنع شعلان الكريم من الترشح لرئاسة البرلمان، وجاء هذا بعد ظهور مقطع مصور قديم أشاد فيه شعلان الكريم بالرئيس العراقي السابق وزعيم حزب البعث صدام حسين.
وفي هذا الصدد يقول السياسي الشيعي من الإطار التنسيقي والمقرب من هادي العامري “هذا أسلوب المالكي بامتياز، ومن هنا نجح في إفساد الصفقة بين الحلبوسي والخزعلي”، في نهاية المطاف وبعد أن أصبح من الصعب على النواب الشيعة الذين صوتوا لـ”الكريم” الاستمرار في دعمه انسحب الأخير من السباق في شهر أبريل/نيسان 2024.
بعد انسحاب مرشح الحلبوسي اقتصرت المنافسة على العيساوي والمشهداني، لكن هذا الأمر لم يُعجب الحلبوسي. وبحسب المصادر السياسية السُنّية والشيعية التي تحدثت لـ”عربي بوست”، فإن الحلبوسي “أصر على أن يُرشح حزبه مرشح آخر، لأنه يعتبر الأغلبية السُنّية في البرلمان (36 مقعد)”.
ويقول سياسي شيعي من الإطار التنسيقي لـ”عربي بوست”، “في ذلك الوقت حاول المالكي عقد صفقة مع الحلبوسي لكن الأخير أصر على أن يكون رئيس البرلمان الجديد من حزبه، وأن يحصل حزبه أيضًا على وزارة التجارة بجانب العديد من الوظائف الحكومية والأمنية العليا في محافظة الأنبار”.
في الصفقة الأولى بين المالكي و الحلبوسي، يقول مصدر سياسي شيعي مقرب من المالكي، لـ”عربي بوست”، “في تلك المرة لم يتمكن المالكي من تنفيذ مطالب الحلبوسي وإقناع باقي فصائل الإطار التنسيقي بتحقيقها، خاصة وأن الخزعلي والعامري كانوا يُفضلون دعم العيساوي (المدعوم من خميس الخنجر)، بدلًا من مرشح محسوب على الحلبوسي”.
وفي ظل عدم وجود مرشح من حزب “تقدم”، وتعطيل عملية انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب، ووجود تضارب بين مصالح القوى السياسية السُنّية وعدم الإجماع على مرشح واحد، اجتمعت هذه القوى بقيادة خميس الخنجر لتوحيد المواقف بدون حزب تقدم.
وبعد هذا الاجتماع اجتمعت تلك القوى وأصدرت بيانًا مشتركًا أعلنوا فيه أنهم يشكلون الأغلبية السُنّية البرلمانية، وضم هذا التحالف عزم وكتلة أبومازن الجماهيرية، ونواب من حزب “العقد الوطني”، ومستقلين.
واعترض حزب “تقدم” على بيان الخنجر وباقي القوى السُنّية، يقول نائب سُنّي من حزب “تقدم” لـ”عربي بوست”، “جرى العرف السياسي على أن تختار الكتلة البرلمانية السُنّية الأكبر رئيس البرلمان، وهو عكس ما قامت به كتلة (عزم)”
انتخاب محمود المشهداني
بعد محاولات مستميتة من قبل الحلبوسي لعدم التنازل عن منصب رئيس مجلس النواب، كلها باءت بالفشل، ومحاولات أخرى من نواب سُنّة لتأسيس كتلة جديدة مستقلة، رشحت القوى السُنّية المنافسة للحلبوسي العيساوي والذي أيدته بعض الفصائل في الإطار التنسيقي، والبعض الآخر من الإطار دعم ترشيح المشهداني.
وبعد فترة رضخ الحلبوسي لدعم المشهداني بعد عقده صفقة سياسية مع المالكي، وفي هذا الصدد، قال مصدر مقرب من المالكي لـ”عربي بوست”، “وافق الحلبوسي مُرغمًا على اتفاق مع المالكي لدعم المشهداني والوقوف ضد تحالف الخزعلي-السوداني، لكن موافقة الحلبوسي تحققت بسبب أنه لا يملك خيار آخر”.
وبحسب المصدر ذاته، وافق الحلبوسي على دعم ترشح المشهداني لتحقيق ثلاثة أهداف مهمة بالنسبة للحلبوسي وهي: أولاً، التأكيد على قوة حزب “تقدم” وحفاظه على نفوذه السياسي في اختيار الرئيس الجديد للبرلمان، بصفته الممثل الأكبر للمكون السُنّي.
الهدف الثاني تمثل في إفشال محاولات معارضيه (أمثال خميس الخنجر)، ومعارضيه في الإطار التنسيقي (أمثال تحالف الخزعلي-السوداني)، من إقامة قيادة سُنّية جديدة بديلة عن حزب تقدم.
أما الهدف الثالث فيتمثل في كون الحلبوسي رأى أن اختيار المشهداني سيكون أفضل خيار من ضمن الخيارات المطروحة، فهو لا يتمتع بنفوذ سياسي قوي، وهو شخصية سياسية غير عشائرية ولا يمكنه منافسة الحلبوسي في الأنبار.
أما نوري المالكي فقد دعم المشهداني ودخل في تحالف مع الحلبوسي لتحقيق هدفين رئيسين بحسب المصادر السياسية العراقية التي تحدثت لـ”عربي بوست”، أولاً: اكتساب المزيد من النفوذ على البرلمان والقدرة على مواجهة تحالف الخزعلي-السوداني.
وقال مصدر سياسي من الإطار التنسيقي لـ”عربي بوست”، “المالكي يرى أن المشهداني شخصية سياسية لا ثقل لها، ويمكن السيطرة عليه لتمرير الإجراءات القانونية التي تصب في مصلحة المالكي، لأنه متمسك بإمكانية عودته لشغل منصب رئيس الوزراء من جديد”.
والهدف الثاني من دعم المالكي للمشهداني كان هندسة قانون الانتخابات للحد من إمكانية نجاح رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني في خوض الانتخابات البرلمانية في العام المقبل، ومنعه من استغلال موارد منصبه في الدعاية الانتخابية.
ويقول المصدر السياسي المقرب من نوري المالكي لـ”عربي بوست”، “طموحات السوداني السياسية تثير قلق المالكي بشدة، فقد استطاع السوداني بالإضافة إلى تحالفه مع الخزعلي، استقطاب 30 نائبًا شيعيًا مستقلًا وشكل كتلة “دعم الدولة” لخوض الانتخابات البرلمانية، ويرى المالكي أن السوداني لو نجح في مساعيه سينافس بقوة على الأصوات التي تذهب دائمًا للمالكي”.
لكن تحالف المالكي مع الحلبوسي لم يكن في مصلحة باقي أطراف الإطار التنسيقي، فعلى سبيل المثال رفض الخزعلي في البداية دعم المشهداني لمنصب رئيس البرلمان، ودعم بدلًا منه سالم العيساوي بالتحالف مع الخنجر.
وتقول المصادر السياسية العراقية أن الخزعلي والسوداني كانوا يرون في سالم العيساوي أنه هو الشخص الوحيد القادر على منافسة الحلبوسي في محافظة الأنبار، لإضعاف قاعدته الشعبية.
وأوضح مصدر بالإطار التنسيقي لـ”عربي بوست”، “الخزعلي والسوداني رأوا أن العيساوي أفضل شخص لتشكيل قيادة سُنّية قبلية جديدة ، كما أن دعم العيساوي في مقابل المشهداني الذي حظي بدعم المالكي وهادي العامري، فيما بعد، كان يمثل لتحالف الخزعلي-السوداني فرصة للانقلاب على الحرس الشيعي القديم، لتشكيل تحالف شيعي جديد في الانتخابات المقبلة”.
تضارب المصالح كاد ينسف الاتفاق
كان تضارب المصالح بين نوري المالكي من جهة، والسوداني والخزعلي من جهة أخرى، سيدمر أي فرصة لانتخاب رئيس جديد لمجلس النواب، وكان يرى كلا من المالكي والحلبوسي أنه إذا أصرت الأطراف الأخرى في الإطار التنسيقي على دعم العيساوي، سيكون الحل الوحيد هو تعطيل عملية انتخاب رئيس جديد للبرلمان حتى الدورة البرلمانية القادمة.
لكن في الأيام الأخيرة تدخل هادي العامري لحل هذه الأزمة، خاصة وأن من يدير البرلمان بالوكالة هو النائب الشيعي الأول لرئيس البرلمان السابق محسن المندلاوي، مما يضع الإطار التنسيقي تحت ضغوط كبيرة واتهامات بالاستئثار بالسلطة والمناصب السُنّية المخصصة منذ عام 2003.
كما رأت بعض القيادات في الإطار التنسيقي بوادر استغلال من جانب محسن المندلاوي لمنصبه كرئيس للبرلمان بالوكالة لتشكيل كتلة سياسية لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، وكان هذا آخر شيء يتمناه الإطار التنسيقي الشيعي.
ونجح هادي العامري في اقناع الخزعلي وباقي فصائل الإطار التنسيقي الشيعي بدعم محمود المشهداني، الذي تم انتخابه في بداية الشهر الجاري بالأغلبية المطلقة.
لكن قبل إتمام الجلسة البرلمانية لانتخاب المشهداني، طلب نوري المالكي من خميس الخنجر ونوابه في البرلمان التصويت لصالح المشهداني مقابل العيساوي للانتهاء من هذه الإشكالية.
وفي هذا الصدد، يقول المصدر السياسي المقرب من المالكي، “في الأيام الأخيرة التي سبقت جلسة التصويت، وصلت أخبار تفيد بأن العيساوي وافق على دعم المشهداني أمام قوى الإطار التنسيقي لكنه ينوي الانقلاب عليهم في يوم الجلسة من خلال إقناع عدد كبير من النواب السُنّة والشيعة للتصويت لصالح العيساوي الذي كان يحتاج إلى 6 أصوات فقط للفوز مقارنة بعدد الأصوات التي حصل عليها في جلسة التصويت الأخيرة”.
بداية سقوط الحلبوسي
تناول “عربي بوست” في تقرير سابق، قصة صعود وهبوط الحلبوسي أصغر رئيس في البرلمان في العراق بعد 2003، وربما في المنطقة بأكملها. فقد تحول الحلبوسي باختصار من مهندس شاب سُنّي من محافظة الأنبار يعمل مع شركات إعادة الإعمار الأمريكية بعد الغزو الأمريكي للعراق، إلى سياسي ثم محافظ لمحافظة الأنبار.
قاد الحلبوسي خلال هذه الفترة جهودًا كبيرة لإعادة إعمار المناطق السُنّية المتضررة، مما وفر له قاعدة شعبية في محافظة الأنبار، مع تبنيه نهجًا سياسيًا منفتحًا ومختلفًا عن باقي النخب السياسية السُنّية التقليدية، ومن ثم الوصول إلى أعلى منصب سياسي للمكون السُنّي: رئيس مجلس النواب في عام 2018.
وصل الحلبوسي إلى منصب رئيس البرلمان بدعم قوي من النخب السياسية الشيعية الموالية لإيران، وتقول بعض المصادر العراقية التي تحدثت لـ”عربي بوست”، أن قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، السابق قاسم سليماني قد توسط لانتخاب الحلبوسي رئيسًا للبرلمان في عام 2018.
لكن بمرور الوقت، خلق الحلبوسي لنفسه خطًا سياسيًا يميل إلى الاستقلال عن القوى السياسية الشيعية، وكما وصفه إحدى المصادر السياسية الشيعية “لقد خرج عن طوع الشيعة، وتبدلت صورة السياسي السُنّي المتعاون وبدأ في الخروج عن القيود الشيعية العراقية والقواعد الإيرانية”.
هذا التوجه الجديد الذي نهجه الحلبوسي أثار العديد من المخاوف لدى السياسيين الشيعة وخاصة الموالين لإيران، بالإضافة إلى ذلك بدأ الحلبوسي في الاستحواذ على السلطة خاصة في محافظة الأنبار، والتخلص من خصومه ومعارضيه مستغلاً منصبه.
لكن كان تحالفه مع مقتدى الصدر بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2021، لتشكيل حكومة أغلبية بدلاً من الحكومة الائتلافية كما جرت العادة في العراق، والتي رأى فيها الإطار التنسيقي محاولة إقصائهم من المشهد السياسي، السبب الرئيسي للإطاحة به خاصة بعد انسحاب الصدر من الحياة السياسية واستقالة نوابه من البرلمان.
في هذا الصدد، يقول سياسي سُنّي مقرب من الحلبوسي لـ”عربي بوست”، “كان التحالف مع مقتدى الصدر أكبر وأخطر غلطة ارتكبها الحلبوسي في تاريخه السياسي، وندم عليها كثيرًا”.
بعد تخلي مقتدى الصدر عنه، بدأ الإطار التنسيقي في محاولات تقليص نفوذه في محافظة الأنبار، ورفع دعاوى قضائية بتهم الفساد واستغلال النفوذ ضد الكثير من المقربين منه، وتمت إقالة كبار المسؤولين الأمنيين المحسوبين علي الحلبوسي.
وارتكب الحلبوسي خطأ آخر في نظر الإطار التنسيقي الشيعي، وهو محاولة إعلان الاستقلال للمحافظات السُنّية وإقامة إقليم سُنّي مستقل على غرار إقليم كردستان العراق.
ويقول سياسي شيعي من الإطار التنسيقي لـ”عربي بوست”، “صحيح أن الحلبوسي أنكر هذه المسألة ولكنه كان يهدد بها بطرق غير مباشرة، هذا الخطأ لم يهدد فقط الإطار التنسيقي بل هدد مصالح إيران فالأنبار هي المحافظة الاستراتيجية في الممر البري للوصول إيران إلى سوريا ومن ثم لبنان، لذلك كان لا بد من تلقينه درسًا قاسيًا كما كان يرى قادة الإطار حينها”.
وعلى ما يبدو أن الحلبوسي تعلم الدرس جيدًا، وعاد إلى التقرب من الحرس الشيعي القديم (نوري المالكي، هادي العامري، فالح الفياض)، خاصة بعد أن جرب الاعتماد علي مقتدى الصدر واكتشف أنه شريك غير موثوق به على حد تعبير المصدر السياسي المقرب من الحلبوسي.
وعلى الجانب الآخر، رأى قادة الإطار التنسيقي وعلى رأسهم نوري المالكي أن نفوذ الحلبوسي السياسي لا يستهان به، وقوته الإقليمية أيضًا، ورأي المالكي أن التحالف مع الحلبوسي سيكون في مصلحته في الانتخابات البرلمانية القادمة خاصة وسط التوترات بينه وبين قيس الخزعلي ورئيس الوزراء شياع السوداني.
ويقول أحد المصادر السياسية من الإطار التنسيقي الشيعي “الإطار التنسيقي وبالتحديد المالكي والعامري يخشون من المشاركة المستقبلية للتيار الصدري في الانتخابات القادمة، ويريدون حشد أكبر دعمٍ ليمكنهم من مواجهة شعبية مقتدى الصدر”.
وأضاف المتحدث لـ”عربي بوست”، “لقد تعلم الحلبوسي الدرس ولن يُعيد أخطاء الماضي ويتحالف مع الصدر، كما أنه لا يريد التخلي عن دوره السياسي ونفوذه في الأنبار، فكل طرف سوف يحقق مصالحه الخاصة بهذا التحالف”.