مطالبات إسرائيلية بالتحقيق مع سارة نتنياهو كي لا تتحوّل إسرائيل إلى “جمهورية موز”
مطالبات إسرائيلية بالتحقيق مع سارة نتنياهو كي لا تتحوّل إسرائيل إلى “جمهورية موز”
الناصره /وديع عواودة
تطالب جهات إعلامية وسياسية إسرائيلية متزايدة، بفتح ملف تحقيق جنائي ضد زوجة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بعد الكشف عن تدخّلات في الجهاز السياسي وفي التوظيفات وفي الضغط على مناهضي حكم زوجها.
وكانت القناة 12 العبرية، كشفت قبل أيام عن صورة تدخّلات وممارسات سارة نتنياهو في تحقيق ضمن برنامج “الحقيقة” وذلك بعدما حاز الصحافي معّد التحقيق على الهاتف المحمول لحانة بلايفاس، مديرة مكتب نتنياهو، كرئيس حزب “الليكود” الحاكم، وفيه سلسلة مراسلات خاصة بينها وبين سارة نتنياهو، تسلّط الضوء على ما يجري وراء الكواليس في كثير من القضايا الهامة بإسرائيل.
وتعكس المراسلات في هاتف بلايفاس (سيدة قوية تمتعّت بنفوذ واسع في مكتب رئاسة الحكومة مكان عملها، توفيت قبل عام ونصف) صورة بشعة للفساد السياسي والأخلاقي في إسرائيل، وهي تفضح تورّط سارة نتنياهو في المطالبة بمظاهرات ضد عائلة فركاش (عائلة إسرائيلية فقدت ابنها في حرب لبنان الثانية عام 2006 لأنها مناهضة لحكومة نتنياهو) وتصفها سارة بـ”عائلة مقززة”.
كما تطالب سارة في مراسلاتها مع بلايفاس بتظاهر أنصار الليكود ضد هداس كلاين، الشاهدة ضدها وضد زوجها في ملف الرشاوى، وسبق أن فضحت ملفات الهدايا والعطايا التي تلقتها العائلة من قبل رجال أعمال وأثرياء مقابل تسهيلات سلطوية وشملت هذه الرشاوى كميات كبيرة من الشمبانيا الفرنسية الفاخرة والسجائر الكوبية ذات الجودة الخاصة. وتؤّكد جهات إسرائيلية كثيرة أن مطالبة سارة نتنياهو بالتظاهر مقابل بيت هداس كلاين، تنطوي على مخالفة جنائية كونها محاولة ضغط على شاهدة في محاكمة زوجها، والتأثير على سير المحاكمة وتشويشها.
مظاهرات مقابل بيت المدعية العامة
تفيد مراسلة أخرى بين سارة نتنياهو وحانة بلايفاس، أن الأولى طالبت في مطلع العام الماضي بأن تعمل الثانية على تجنيد ناشطي وأنصار حزب “الليكود” الحاكم برئاسة زوجها للتظاهر مقابل بيت المدعية العامة التي تحمل لائحة الاتهام في المحكمة ضد نتنياهو في واحدة من لوائح تهم الفساد المقدّمة ضده.
حسب تحقيق البرنامج التلفزيوني، تعكس هذه المراسلات مع حانة بلايفاس صورة أكثر خطورة وحساسية. ففي واحدة منها، تطالب سارة نتنياهو، وزيرَ الأمن الداخلي الأسبق في حكومة الاحتلال أمير أوحانا بالتلميح الغليظ بترقية ضابط شرطة عرف عنه موقفه الصارم المتشّدد والعنيف ضد المتظاهرين الإسرائيليين المحتجين على الانقلاب القضائي الذي شهدته إسرائيل خلال 2023.
وتقول سارة نتنياهو في التراسل عبر تطبيق واتساب للوزير أوحانا (رئيس الكنيست الحالي) إن الضابط داني ليفي هو مثال للضباط الذين ينبغي أن نراهم في سلك الشرطة وفي مراتب عليا. وفعلا هذا ما حصل، فقد تمت ترقية ليفي في العام الأخير بشكل سريع واستثنائي حتى عُيّن قبل شهور قليلة مفتشا عاما للشرطة رغم الشكوك والانتقادات الكثيرة وعلامات الاستفهام حول أهليته للمنصب الرفيع وحول حقيقة كفاءاته.
سارة وليس أنا
يشار إلى أن بنيامين نتنياهو قد زعم خلال دفاعه عن نفسه في المحكمة الأسبوع الماضي، إن زوجته هي التي تدخلت وتحدثت مع صاحب شركة اتصالات “بيزك” وصاحب الموقع الصحافي الإخباري “والا” ألوفيتش، وسعت لأن ينشر الموقع تغطيات إيجابية عن زوجها مقابل تسهيلات بيروقراطية تتعلق بشركة الاتصالات المذكورة. وسخرت جهات إسرائيلية كثيرة من مقولة نتنياهو في المحكمة: “هذه زوجتي ولست أنا. وهي سيدة مستقلة وأعود للبيت في ساعة متأخّرة في الليل، ولا أتمكن من التحدث معها حتى في المواضيع الصغيرة”.
جمهورية موز
وحملت صحيفة “هآرتس” اليوم الإثنين على سارة نتنياهو بشدة، واعتبرت أن النتائج المرعبة التي كشف عنها برنامج التحقيقات “الحقيقة” تلزم بفتح ملف تحقيق جنائي بشكل سريع وناجع.
وتقول “هآرتس” في افتتاحيتها إن التحقيق التلفزيوني كشف النقاب عن كيفية عمل جهاز الدعاية الخاص بنتنياهو وزوجته وأنصارهما، “ماكنة نثر السموم”. وتمضي في التحذير من خطورة “الحضيض” الذي بلغته إسرائيل بالقول: “في دولة صالحة، كان مثل تحقيق “الحقيقة” يدفع نحو تحقيق جنائي سريع وناجع فورا مع سارة، ولكن الآن يتضح أن الشرطة استبد بها الفساد والإفساد من قبل سارة نتنياهو”.
وتخلص “هآرتس” للقول إنه على المستشارة القضائية للحكومة عدم الخوف من الضغوط الترهيبية ضدها، وعدم الترّدد في إصدار أمر بالتحقيق ضد سارة قبل أن تتحّول إسرائيل رسميا لـ”جمهورية موز”.
أنجيلينا جولي
منذ عدة أيام، يحمل معلقون صحافيون إسرائيليون على الزوجين نتنياهو بلغة أكثر حدة بعد بث التحقيق المذكور. فيقول المعلق السياسي البارز في “يديعوت أحرونوت” ناحوم بارنياع ساخرا، إن نتنياهو وصف في المحكمة قبل أسبوع عالما ساحرا فيه لا يلعم الزوج ماذا تفعل الزوجة من أجله، وهي لا تعلم ماذا يفعل الزوج المحب من أجلها.
ويضيف: “ربما تذكّروا وهم يسمعون شهادة نتنياهو فيلم كوميدي بعنوان “السيد والسيدة سميث” شاركت فيه النجمة أنجيلينا جولي والنجم براد بيت،” وهما زوجان يعيشان حياة مزعجة ومملة، ولكن ما يجهله كل منهما عن الآخر هو أنهما قاتلان مأجوران يجوبان العالم ويقتلان من أجل المال. تبدأ حياتهم الزوجية بالإثارة عندما يتم تكليفهما لقتل بعضهما البعض من قبل منظماتهما المتنافسة.
ويخلص بارنياع للقول إن تدخلّات نتنياهو في الجهاز السياسي الخاص بزوجها كانت مقبولة لو اعتمدت وسائل شرعية.
أصرخي أيتها البلاد الفاسدة
يشار إلى أن نتنياهو سيمثل مجددا اليوم في المحكمة لعدة ساعات لتقديم تتمة شهادته في ملف الرشوى المذكور والمتصل بشركة الاتصالات وموقع “والا”.
وقدمت عضو الكنيست عن حزب “العمل” المعارض نعماه لازيمي، شكوى في الشرطة بدعوى شبهة بالرشوة وتشويش مسار قضائي، وكذلك كتبت في حسابها بتطبيق “إكس” إنه بعد تحقيق “الحقيقة”، من الواضح أن هناك حاجة ملحة لفتح ملف جنائي، وعلى الشرطة القيام بواجبها في التحقيق بوجود مخالفات خطيرة حتى لو كانت المخالفة زوجة رئيس الوزراء، فهذا يحمي سلطة القانون والديموقراطية.
كما قدم عشرات الإسرائيليين شكاوى مشابهة في الشرطة تطالب بفتح ملف جنائي ضد سارة نتنياهو. ولهذا الغرض أنشأت مجموعة واتساب بمشاركة ألف إسرائيلي يعملون على مواكبة الشكاوى ضد سارة، وجمع معلومات جديدة. وهناك مذكرة قدمتها بهذا الخصوص الحركة من أجل “طهارة المعايير” للمستشارة القضائية للحكومة.
يشار إلى أن مراقبين وباحثين إسرائيليين يحذّرون في السنوات الأخيرة من استشراء الفساد بكل أنواعه في إسرائيل، وذهب بعضهم مثل مؤتمر هرتزيليا للمناعة القومية، للقول إنه أشد خطورة عليها من قنبلة إيران لأنه يشجع المزيد من الإسرائيليين على دخول دائرة الفساد من باب الاقتداء بالطبقة الحاكمة، ولأنه كالسوس، ينخر جسمها من داخلها كما يقول الكاتب الصحافي الإسرائيلي الراحل آرييه أفنيري في كتابه الصادر عام 2008 “أصرخي أيتها البلاد الفاسدة”.