أي تداعيات للمشهد المزلزل في سوريا على الداخل اللبناني وملف الرئاسة؟

أي تداعيات للمشهد المزلزل في سوريا على الداخل اللبناني وملف الرئاسة؟
سعد الياس
بيروت – لم يكد اللبنانيون يلتقطون أنفاسهم بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله” حتى اتجهت أنظارهم إلى المشهد المزلزل في سوريا نظراً لارتداداته على الداخل اللبناني بعد الضربة المفاجئة التي حلّت بجيش النظام السوري والسقوط المدوي لحلب وحماة وتهديد حمص ودمشق ومحاصرة الساحل السوري.
ومن المعروف أن “حزب الله” الذي لطالما قاتل إلى جانب قوات النظام خرج أخيراً منهكاً من حربه مع إسرائيل وسحب الكثير من عناصره من سوريا بهدف القتال في الجنوب ما أدى إلى إضعاف وضعية النظام في سوريا. ولا يعوّل كثيرون على إبداء أمين عام “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم الاستعداد مجدداً للوقوف إلى جانب سوريا من أجل “إحباط المخطط” على حد تعبيره خصوصاً أن “الحزب” بات بحاجة إلى مَن يسانده حالياً وهو ليس قادراً بعد سلسلة الخسائر البشرية والمادية لتقديم الدعم اللازم للنظام السوري.
فقد أكد قاسم “أن الإسرائيلي والأمريكي لن ينجحا بأدواتهم التكفيرية لتحييد سوريا، والعدوان عليها اليوم يأتي بعد فشل مشروعهم في غزة ولبنان، ويراهنون على تخريبها لنقلها من الموقع المقاوم إلى الموقع الذي يخدم العدو”.
وترى قوى في المعارضة أن “حزب الله” يحاول إعادة العمل بنظرية “وحدة الساحات” بما تبقّى له من عديد وعتاد إذا صحّت المعلومات عن أنه أرسل مئات من مقاتليه إلى سوريا. لكن الحزب في الوقت ذاته يدرك أن سقوط حمص وانهيار النظام في سوريا سيقطع عليه طريق الامدادات من إيران لتعويض ما خسره من صواريخ وذخائر، كما سيُضعف محاولاته للفصل بين نزع السلاح جنوب نهر الليطاني وشماله خلافاً لما ينص عليه اتفاق وقف إطلاق النار الذي يتحدث صراحة في مقدمته عن شموله كل لبنان وعدم السماح بوجود أسلحة بين جماعات غير شرعية. وهذا ما أكد عليه بوضوح مستشار الرئيس الأمريكي المنتخب للشؤون العربية مسعد بولس وبالتالي لم يعد الموضوع يحتمل تفسيرات أو تأويلات لا تتماشى مع ما تمت الموافقة عليه من قبل الثنائي الشيعي أولاً ومن قبل الحكومة اللبنانية ثانياً، ولا تنفع المحاولات لمناورات جديدة كما حصل بعد حرب تموز/يوليو 2006 حيث لم يتم الالتزام بتطبيق القرار 1701.
أما تمسك “حزب الله” بالحديث عن انتصار فمردّه حسب قوى المعارضة إلى محاولته التعويض رئاسياً ما خسره عسكرياً، معولاً على ميزان القوى داخل مجلس النواب لإنتاج رئيس توافقي يُرضي الجميع لا يرضي أحداً وغير قادر على تنفيذ ما نصّ عليه الاتفاق الأمريكي الفرنسي لجهة تفكيك البنية العسكرية للحزب، وهذا ما سيعيد إنتاج سلطة ضعيفة تشكل استمراراً للحقبة السابقة، وهذا ما حاولت قوى المعارضة مواجهته من خلال تنظيم صفوفها وعقدها لقاء في معراب في مقر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لرفض العودة إلى ما قبل 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وهي الحقبة التي تحكّم فيها “حزب الله” بمقدرات الدولة والبلد.
وتبدو المعارضة على ثقة بأن المنطقة ومن ضمنها لبنان آيلة إلى ترسيم حدود الدور الإيراني وما يحصل في سوريا يندرج في سياق إخراج إيران من سوريا بالتوازي مع إخراجها من لبنان وقطع طريق الإمداد لـ”حزب الله”. من هنا، تعتبر المعارضة أن طريق بعبدا لا تمر بعد اليوم بحارة حريك وانتخاب رئيس الجمهورية يجب ألا يكون موضع مساومة بل يجب أن يتم الانتخاب وفق القواعد الدستورية. وتضيف أن زمن الاستقواء ولّى ولم يعد بالإمكان فرض رئيس على فريق لبناني والإمعان في التعطيل بدليل دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى تحديد جلسة انتخابية في 9 كانون الثاني/يناير المقبل وتعهده بأن تكون الجلسة مثمرة، متخلياً عن شرط الحوار من دون إقفال الباب أمام حركة مشاورات ثنائية ستشهد في القريب العاجل تواصلاً بين الرئيس بري وموفد من قبل “القوات اللبنانية” لعرض إمكانية التوافق على رئيس وإلا الذهاب إلى ساحة النجمة كي تقرر صندوقة الاقتراع اسم الرئيس المقبل الذي معه ستعود المؤسسات الدستورية إلى الانتظام، فتجري بعدها استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس الحكومة ومن ثم استشارات لتأليف حكومة كاملة الصلاحيات.
غير أن البعض يطرح علامة استفهام حول ما ستؤول إليه جلسة انتخاب الرئيس وإذا كانت فعلاً ستكون حاسمة وتنتج رئيساً في ضوء وجود معسكرين كبيرين لا يضمن أي منهما لغاية تاريخه أغلبية 65 صوتاً، ويعتبر البعض أن الكلام شيء والواقع شيء آخر إلا في حال تسارعت التطورات في الداخل السوري وتركت ارتداداتها على لبنان قبل 9 كانون الثاني/يناير لجهة تغيّر موازين القوى في المشهد النيابي. عدا ذلك، قد ترتأي جهات سياسية الأخذ بدعوة مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون العربية مسعد بولس إلى عدم التسرّع والتريث ما بين شهرين وثلاثة، معولاً على دخول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير وعلى التحولات الكبيرة التي سترافق التغيير في الإدارة الأمريكية لكي يُبنى على الشيء مقتضاه وعدم تكرار تجربة انتخاب العماد ميشال عون قبل وصول الرئيس ترامب، ولاسيما أن الدولة اللبنانية تحتاج في المرحلة المقبلة إلى غطاء دولي وعربي لرعاية ورشة النهوض.
«القدس العربي»: