الفلسفة والنقد الأدبي… تحليل للإبداع وجمالياته

الفلسفة والنقد الأدبي… تحليل للإبداع وجمالياته
محمد عبدالوهاب الحسيني
تأسس النقد من فكرة، أن كل أدب إبداعي يصاحبه النقد الذي يضيء دروبه، وقد كتب أرسطو كتابه «الشعر» عن فن المسرح في زمن ازدهار المسرح الإغريقي في القرن الخامس قبل الميلاد. والنقد في المعجم العربي، يأتي بمعنى التمييز والحكم، ومن أعلامه في العالم العربي، نذكر الباحث محمد مندور، محمد غنيمي هلال، وهذان الناقدان، كان لهما السبق إلى الوعي العلمي بالمناهج النقدية الحديثة ومبادئها وأسسها النظرية. وفي السياق ذاته نجد أن طه حسين كان الاسم الأشهر في مجال تحديث النقد الأدبي، وكان كتابه «فن الشعر الجاهلي» علامة بارزة في هذا الاتجاه ولا يزال هذا الكتاب، قادراً على إثارة الفكر المنهجي حتى اليوم.
من جهته ذكر الناقد ستانلي هايمن في كتابه «النقد الأدبي ومدارسه الحديثة»، أن النقد الحديث هو استعمال منظم للتقنيات غير الأدبية، حيث يرى أن نقد أرسطو للمسرح والشعر، كان معتمداً على ما يعرف اليوم بعلوم الاجتماع والتربية، كما أن النقد النفسي تطور بعد صدور مؤلفات فرويد، أضف إلى هذا أن النقد اتجه إلى الاهتمام بالرموز الشعائرية والأساطير، بعد اهتمام علماء الأنثروبولوجيا، بالموروثات الشعبية والخرافات والطقوس الدينية.
في الحقيقة نجد أن أفضل تعريف للنقد هو أن الناقد، صديق مستنير يوثق الصلة بين القارئ والعمل الفني، ومن ناحية أخرى يمكن الإشارة إلى أنه في أوروبا ظهرت حركة النقد الحداثي، وأثمرت عن النقد البنيوي والنقد الإسلوبي في إطار الجمالية الشكلانية. كما يمكننا الاستشهاد بآراء الناقد القسطاكي الحمصي، الذي يقول: إن الناقد البصير هو الذي يمكنه أن يضع الأثر الأدبي في مكانه الصحيح، فهو حارس على القيم والذوق العام ويحول بين المبدعين والاغترار بهم، ويدل على الزيف ويفضح التزوير.. ويرى أيضاً أن الناقد يتوجب عليه الابتعاد عن الانجراف مدحاً أو ذماً، وعدم الخلط بين الكاتب والمكتوب، النقد يجب أن
يتوجه إلى إبداع الكاتب وليس الكاتب نفسه». في الواقع نرى أن الموضوعية هي رجاء الناقد الحقيقي في نقده، إذا ما أراد أن يكون منصفاً إزاء المنقود.
وفي إطار البحث عن العلاقة بين الفلسفة والنقد، نشير إلى أن الفكر الفلسفي كان إيجابياً في استحداث المدارس الأدبية والمناهج النقدية على السواء، وأول ناقدين هما أصلاً فيلسوفان وهما أفلاطون وأرسطو، فأرسطو في كتابه «فن الشعر»، يضمن أن مبدأ الفن هو المحاكاة وغايته التطهير، وأن الجمال كله يتحقق في سيطرة العقل، أما أفلاطون فإنه يرى أن الفن هو إلهام المبدع، وربة الشعر تدفع الشاعر إلى قول الشعر، وأن الله هو المتكلم في الشعراء ويحادثنا من خلالهم. وهذا التفكير الأفلاطوني هو جوهر الرومانسية حيث تعبير الذات.
كما يرى بعض الفلاسفة أن النقد إنما هو ضرب من فلسفة الأدب.. وقد توالى ظهور العديد من الفلسفات مثل الفلسفة الوضعية، ثم الفلسفة التجريبية، وقد أثرت هاتان الفلسفتان على الأدب، بحيث يجب الإقبال دائماً على التجربة، ما أدى إلى نشوء المدرسة الواقعية في الأدب، ثم توالت المدارس الفلسفية في الإبداع الأدبي مثل المدرسة الرمزية والوجودية، ومن أعلامها جان بول سارتر الروائي والكاتب المسرحي، والفيلسوف أيضا.
فلسفة الأدب، ساعدت على ظهور المناهج النقدية الأدبية، والفلسفة والنقد الأدبي، كلاهما من المجالين المعرفيين اللذين يهدف كل منهما، إلى فهم وتحليل جوانب متميزة من الوجود البشري، فالفلسفة تعتبر أساساً فكرياً للعديد من المدارس النقدية، حيث تقدّم السياقات النظرية التي يعتمد عليها النقاد، لاستكشاف النصوص الأدبية، وعلى سبيل المثال، يمكن ملاحظة التأثير الفلسفي للكثير من الاتجاهات النقدية مثل الماركسية والوجودية، ومن مابعد الحداثة، والنصوص الأدبية غالباً ما تعكس الأسئلة الوجودية والأخلاقية التي تشغل بال الفلاسفة، مثلاً تتناول روايات مثل «الجريمة والعقاب» و»الأخوة كارامازوف» لدوستوفسكي، قضايا مثل العدالة والخير والشر وعلاقة الإنسان بالله إلخ. وهذه تثير حواراً فلسفياً عميقاً.
بقي أن نقول: إن النقد الأدبي يحتوي عنصر التأمل النقدي، وهو أمر يأخذ
إلهامه من الفلسفة. إن العلاقة بين الفلسفة والنقد الأدبي، علاقة تفاعلية ومعقدة، تتشابك وتتطور في سياقات مختلفة، فبينما تقدّم الفلسفة، الأدوات والشروط النظرية التي تساعد على فهم النصوص الأدبية، يسهم النقد الأدبي بدوره
في استكشاف الأسئلة الفلسفية، ما يثري كلا المجالين ويفتح آفاقاً جديدة
للتفكير والإبداع. هذه الديناميكية تجعل من النقد الأدبي، أداة مهمة لتناول
الفلسفة وتاريخ الأفكار والثقافات في علاقات تتجدد باستمرار.
كاتب سوري
كاتب سوري