مقالات

هيئة تحرير الشام : ما وراء الاسم بقلم الدكتور وليد عبد الحي

بقلم الدكتور وليد عبد الحي

هيئة تحرير الشام : ما وراء الاسم
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
يشير علم الجغرافيا السياسية في اصوله التاريخية الى العلاقة بين البنية السياسية والاجتماعية وأسماء الاماكن او ما يسمى (Toponymy)، كما يشتمل على الوصف الطوبغرافي التفصيلي لذلك المكان (Etymology)، وتكرس الربط التاريخي بين القوة المهيمنة على المكان وحدود ذلك المكان ، لكن مفهوم الحدود لم يكن محددا بشكل واضح في كل الامبراطوريات التاريخية ، وهناك فرق بين التخوم والحدود (Frontier-Border)،فالاولى توصيف لمناطق الفصل والتداخل بين الجماعات البشرية، ويجري تحديدها بتضاريس مميزة مثل نهر او وادي او سلسلة جبال او بحيرات…الخ،اما الحدود بمعناها المعاصر فهي تعني منطقة الفصل بين الكيانات السياسية وقد تحددت بالقياس المتري الدقيق، وهو الامر الذي تبلور مع الدولة القومية منذ القرن السابع عشر التي حاولت المطابقة بين الكيان الاجتماعي والكيان السياسي في جغرافيتهما.
وبالعودة لموضوعنا وهو اسم هيئة تحرير الشام، التي اصبحت هي سلطة الامر الواقع في سوريا، تساءلت ما هي دلالة الاسم ، فمن غير المعقول ان يطلق تنظيم سياسي مسلح على نفسه اسما دون مرجعية ” جغرافية او تاريخية او سياسية “،فما هو مدلول “تحرير الشام”؟ ولا شك ان مؤسسي التنظيم تناقشوا حول اسم التنظيم ومدلوله ومرجعيته ومضامينه ، ثم لماذا غير الجولاني اسمه، فهواري بومدين احد اهم رجال الثورة الجزائرية بقي على اسمه الحركي، وياسر عرفات في فلسطين بقي على اسمه الحركي ،كما اشتهر قادة الثورة السوفييتية مثل تروتسكي ولينين وستالين باسمائهم الجديدة وليس باسمائهم الاصلية، وغيرهم كثير..
ونعود ثانية لمناقشة اسم التنظيم”هيئة تحرير الشام”:
1- هل التحرير يقصد به تطهير “الشام” من نظام سياسي معين ؟ام من اية قوة خارجية لا تنتمي للمكان ؟ ام من كليهما، وقد تحقق القسم الاول بسقوط النظام، فهل يمتد الامر للتحرير من الوجود الروسي والامريكي والتركي والاسرائيلي؟ وهل الجولان من حيث المبدأ جزء من الشام الواجب تحريرها؟
2- ما معنى الشام؟ ولماذا لم يقل هيئة تحرير سوريا؟ ان أي قارئ لتعبير الشام يجد ظلالا ذات مدلول ديني لهذا التعبير، ولن اتوقف عند الاصول اللغوية لتعبير شام( الشامة لكثرة قراها، او لانها شمال الجزيرة كاليمن التي على يمين الجزيرة، ) او الاصول الادارية بتعبير الاجناد (كالمقاطعات والمحافظات والألوية…الخ)، ولكني ساربط بين طبيعة تنظيم هيئة تحرير الشام باصوله الاسلامية التي لا لبس فيها ،وبمراحل تحولاتها من داعش ثم للنصرة ثم للهيئة وبين تعبير الشام في اسم الهيئة، ففي كل ما اطلعت عليه من بحوث وجدت انها تشير الى ان تعبير الشام في الفترة الراشدة والاموية والعباسية وحتى الفاطميين كان التعبير في كل هذه المراحل أوسع من سوريا المعاصرة ، وكان يعني سوريا والاردن وفلسطين ولبنان (أو سوريا الكبرى بتعبير الحزب القومي السوري المعاصر)، بل يمتد مصطلح الشام في بعض الدراسات الى سيناء واطراف الصحراء العراقية وبعضا من جنوب تركيا..
3- ما سبق يشير الى أن مضمون الشام في اسم الهيئة ينطوي على المعنى التاريخي الاسلامي الذي يضم ما اشرت له، لكن التصريحات التي بدأت تخرج من قائد التنظيم توحي بان تعبير الشام مجرد “اسم” دون محتوى جيوسياسي، فحتى هيرودوت(المؤرخ الاغريقي في القرن الخامس قبل الميلاد)كان يسمي فلسطين باسم الجزء الجنوبي من سوريا وهو “سوريا بلستينا “، اما في الادارة الاسلامية التي تعتبر هيئة تحرير الشام نفسها الوريث الشرعي لها بحكم الانتماء الديني والتاريخي والوجداني ، فان الشام في فترة عمر بن الخطاب كانت مقسمة الى خمسة أجناد او محافظات عسكرية هي : جند دمشق، وجند حمص،وجند الاردن، وجند فلسطين وجند قنسرين وهو أكبرها ثم اضيف لها في بداية الحكم العباسي ما سمي جند العواصم الممتد حتى جنوب تركيا المعاصرة.
4- تشير المرويات التراثية طبقا لسياقها التاريخي واللغوي الى ما اشرنا له اعلاه، فثمة احاديث نبوية مثل” عليكم بالشام”، وحديث ” ألا إن الايمان إذا وقعت الفتن بالشام”، و” الشام ارض المحشر والمنشر”، و “عليكم بالشام فانها خيرة الله في ارضه”، و ” ان الله تكفل لي بالشام واهله”….وكل هذه التعبيرات عن الشام هي اوسع من مفهوم سوريا في كل التراث الاسلامي.
هنا نتوقف لنسأل: هل كانت التسمية ” هيئة تحرير الشام” اعتباطيا أم بنزوع عاطفي أم هي خيار استراتيجي حقيقي يربط الشام بمدلولها الاسلامي التاريخي ويجعل من فلسطين مكونا مركزيا لها ؟ أم أن الامر “إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ”، فحركة فتح تضمنت “التحرير الفلسطيني” وانتهت لبناية المقاطعة في رام الله يتم الدخول والخروج منها تحت العين الاسرائيلية…الشواهد متناقضة وفضيلة الشك لا تغادرني فلا تقل لي ولكن دعني أرى، فأنا اتساءل ولا أتهم ..ربما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب