ثقافة وفنون

معرض «منمنمات شعبية» للمصري محسن أبو العزم .. شيء من البهجة في ظل أجواء قاتمة

معرض «منمنمات شعبية» للمصري محسن أبو العزم .. شيء من البهجة في ظل أجواء قاتمة

محمد عبد الرحيم

كاتب مصري

القاهرة ـ «القدس العربي»: يواصل الفنان المصري محسن أبو العزم ـ مواليد عام 1958 ـ توثيق لحظات من السعادة وخلق حالة من البهجة قادرة على رسم الابتسامة وصولاً إلى تصاعد الضحكات، ذلك رغم الحالة العامة من القتامة والإحباط التي تسيطر على أجواء الشارع المصري، نظراً لظروف اجتماعية واقتصادية قاسية لم تمر بها مصر من قبل منذ عقود. حالة الإدهاش التي يحققها أبو العزم هي التي تصنع هذه المفارقة، فمن خلال شخصيات مصرية تنتمي إلى عالم الحارات والأحياء الشعبية ـ عالم الفئات الفقيرة ـ تتخلق الحكايات والمواقف، دون التأسي لهؤلاء، بل تمجيدهم لإنتاجهم صيغة للحياة والاستمتاع بها قدر الإمكان، رغم ما يحيطهم، فهم قادرون على مواصلة الحياة واختلاس لحظات من السعادة، بل خلق هذه اللحظات بالقوة.


وفي معرضه الأخير «منمنمات شعبية»، المقام في غاليري (ضي) في القاهرة، نجد لوحات تجسد قوة وحيوية الوعي الشعبي المصري، دون حالات الوعي المأزوم أو المُصطنع، التي نراها في الكثير من الأعمال الفنية التي تتصنع الأزمة الفردية وتتمثل مقولات وأفكار فلسفية غربية لا تتوافق والمجتمع المصري، وهنا نجد استغراباً ومسافة بين الفنان والمتلقي. هذا الفنان المُدّعي بالأساس لن يجد ما يتفاعل معه ومع شخوصه وموضوعاته، اللهم إلا المتعلقين مثله بوهم الأفكار المُنتَحَلة، أو المسروقة بمعنى أدق.

الشخصيات

شحاذون، فتيات فقيرات لا يملكن إلا جمالهن ويتباهين به، عجائز، راقصات، مطرب شعبي، أطفال. ناهيك عن تفاصيل من حياة هؤلاء، أفعال يومية رغم بساطتها يصوّرها الفنان وكأنها شكل من أشكال الأساطير.. امرأة تنشر الغسيل، فتاة تتزين في حجرتها الفقيرة وطلاء الجدار المتساقط، رجل يخرج من الجامع بعد الصلاة، يتحلق حوله الشحاذون ويتصارعون أملاً بالفوز بشيء، إضافة إلى المناسبات الاجتماعية التي تشكل لحظات فارقة في حياة الشخصيات.. كطقوس الاستعداد لحفل الزواج، وكذا كتب الكتاب (عقد القران)، أو زيارة مقام أحد الأولياء حتى تتبرك به امرأة حامل وسط أهلها وجيرانها، كذلك مفارقة الحارة في رحلة معهودة ومعروفة لدى المصريين ـ أيام زمان ـ وهي رحلة أسرة مصرية كبيرة العدد إلى المصيف، وفي الأخير يجتمع كل هؤلاء في طقس يحتوي الجميع، ويدركه ويستشعره المصريون تماماً، وهو (المولد).

اللقطة والمشهد

تتنوع لوحات أبو العزم ما بين اللقطة المفردة، أو تصوير حالة فردية أو فعل وطقس شخصي، كما في لوحة (امرأة تتزين) على سبيل المثال. كما يمكن تقسيم المشهد نفسه إلى عدة لقطات، كما في السينما، ففي المشهد الواحد العديد من الأفعال والانفعالات والحوارات، وهو ما أضفى على اللوحة صفة المشهدية.
وفي حالة تجسيده للمشهد، يتحول الطقس إلى كرنفال.. من شخصيات متعددة تمثل مهنتها (مسحراتي)، (مأذون)، (شحاذ سكاكين)، (صاحب المدفع)، (المطرب الشعبي)، و(بائع العرقسوس)، وبالطبع كل هؤلاء لهم عالم يتحلق حوله الشخوص، ولك أن تتخيل الحوارات الدائرة، بل وتستنتجها من خلال إيماءات الجسد وتفاصيل الوجه، فمن رد الفعل تستنتج الفعل نفسه، من ابتسامة امرأة من كلمة إطراء تود سماعها وتنتظرها، أو تصنّع الغضب إذا تمادى المعجب وتجاوز مرحلة الإعجاب، وصولاً إلى الغضب والشجار، سواء كانوا رجالا أم نساء.

الحركة

ومن تكوين اللوحة نفسه واعتماده تقنية السينما من توزيع العناصر في اللوحة/الكادر، أو العودة إلى أصول السينما باعتمادها على الفن التشكيلي بالأساس، لا توجد لوحة ساكنة، حتى لو احتوت على شخصية واحدة، فهي في لحظة فعل، ومنه نستشعر الحركة، وهو ما يتحقق أكثر في اللوحات المشهدية، أفعال مستمرة لا تتوقف، ولو حتى من خلال تعبيرات الوجوه المختلفة، أو التفاتة الجسد، أو تحريك اليد كإشارة وبديلاً عن الكلام، سواء موافقة أو رفض أو اعتراض على موقف ما. ويتولد الإحساس بالحركة أيضاً من الحدث نفسه، فلا يمكن أن يستكين حدث صاخب بطبعه، كالموالد والأفراح والمشاجرات.

السخرية

ينتهج الفنان أسلوب المبالغة، خاصة في التعبيرات التي تعلو وجوه الشخصيات، وكذا بعض من أجزاء الجسد، والذي يصبح هو البطل في المشهد، كاليد الضخمة والجسد الضخم لصاحب المدفع، وهي لعبة تعتمد على القوة، أو جسد الفتيات والسيدات، حيث التباهي بتفاصيله. فالأمر لا يقتصر على مبالغة فن الكاريكاتير المعهودة، فالفنان يوازن ما بين الأسلوب الكلاسيكي في رسم اللوحة ـ الإضاءة والتكوين ـ والمبالغة في ملامح وتفاصيل الشخوص، فما نراه حقيقة سنجده في اللوحة، كالشوارع والبنايات وكل ما يحيط أصحاب الحكاية، الوصف الدقيق للمكان وأكسسواراته، بيت، مقهى، عربة فول، مقام مقدس. لكن وسط كل هذه التفاصيل سنجد الفعل الحركي للشخصيات لا يهدأ، فهؤلاء لا يستكينون لحظة، هناك حالة دائمة من الانفعال يجتهد الفنان في إظهارها بالقدر نفسه من مبالغته في شخوصه. ومن المفارقة تتولد حالة الكاريكاتير، ليس بشكله المعتاد، كانتقاص من الفعل، بل للاحتفاء بأصحابه. فالرجل في الأخير لا يسخر منهم، بل يحتفي بهم وبتجاربهم في الحياة، وقدرتهم على عيشها، حتى الأشرار منهم قد تلتمس لهم عذراً، مقارنة بفئة أخرى من الأشرار المتأنقين، الذين يطالعونك على الشاشات ووسائل التواصل، وهم الذين يثيرون السخرية بالفعل، سخرية لا تقترن بأي شكل من أشكال الرحمة.

  

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب