الصحافه

إسرائيل… عين على الجولاني وأخرى على جنين

إسرائيل… عين على الجولاني وأخرى على جنين

سوريا

في الأسبوعين الأخيرين تحطم إسرائيل الرأس لتعرف إذا كان التحول الذي اجتازه زعيم الثوار السوري أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، حقيقياً أم جزءاً من حملة تضليل ذكية.

ظاهراً، كل شيء يشير إلى الاحتمال الأول. فقد استبدل البزة العسكرية بالبدلة، واستبدل الخطاب الكفاحي بحلو اللسان ووعود بالوحدة والمصالحة. واستبدل العمل العسكري الجهادي برسائل السلام. بالمقابل، هو لا يزال رئيس فرع القاعدة في سوريا، ولا يزال متمسكاً بالاسم الذي اختاره لنفسه – الجولاني، الذي يدل على أن أصله من الجولان، ولعله يلمح أيضاً بخططه المستقبلية.

صحيح أن العالم أُسر بسحره. وبدأت وفود دبلوماسية تهبط في دمشق وتقلع منها بوتيرة يدور لها الرأس، بما فيها الدول الهامة في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة، التي سارعت إلى الإعلان بأنها سترفع العقوبات الشخصية التي فرضتها عليه في عهد الحرب الأهلية قبل نحو عقد. كما وقعت أوروبا في حب هذا المخرب الذي أصبح دبلوماسياً. الوحيدون الذين يرفضون الانجراف في الانفعال العام هم الزعماء العرب المعتدلون الذين يخافون من أن يكونوا التالين في الدور.

طلب الأمريكيون من إسرائيل أيضاً إعطاء الجولاني فرصة ومحاولة الحديث معه. لإسرائيل أسبابها في العالم لعمل هذا: من تقليص تهديدات محتملة في الحدود الشمالية – الشرقية، عبر تقييد النفوذ الخطير لتركيا على سوريا المستقبلية، وحتى التأكد من بقاء إيران خارج دوائر العمل في سوريا. السؤال هو: كم هو استعداد الزعيم السوري الجديد لمثل هذه الخطوة؟ توجد ثلاثة أجوبة محتملة على هذا: الأول أن يرفض بأدب، وسيجد المعاذير بوفرة: من استمرار احتلال الجولان وحتى استمرار الحرب في غزة. الإمكانية الثانية أن يوافق، واحتمال ذلك يبدو طفيفاً هذه اللحظة. والإمكانية الثالثة أن يوافق جزئياً؛ بمعنى أن يتسكع سراً مع الفكرة ويحاول استخلاص أقصى وأفضل ما يكون منها. مثلاً، مساعدة إسرائيلية مباشرة أو غير مباشرة ضد ما ومن هو كفيل بتهديد حكمه. إيران وفروعها من جهة، و”داعش” وفروعه – الذين أعلنوا بأن الجولاني خان طريق الإسلام – من الجهة الأخرى. الربح المتبادل هنا سيكون كبيراً: سيكفل للجولاني بتمديد حياته، ولإسرائيل سيقلل آلام الرأس.

في هذه الأثناء، يحتفظ الجيش الإسرائيلي بجبل الشيخ السوري وبمناطق في مجال الفصل شرقي الحدود الدولية. القسم الأول ضروري للعثور والتشخيص، وعند الحاجة إبادة التهديدات. القسم الثاني إمكانية كامنة للتورط – مع السكان في الجولان السوري، الذين أرادوا في البداية التواجد الإسرائيلي، ومنذ هذا الأسبوع أظهروا (في قسم منهم) استياء وجد تعبيره في احتجاج علني، وأمام العالم، ما يستدعي من إسرائيل في لحظة ما الانسحاب إلى حدود (بدأت مؤشرات على ذلك تنطلق الآن من أروقة الأمم المتحدة).

وكلمة أخرى عن الجولان: قبل نحو عقد في ذروة الحرب الأهلية في سوريا، وصلت إلى إسرائيل معلومات عن أن رجاله يخططون لعملية تسلل من الجولان السوري إلى أحد الكيبوتسات في هضبة الجولان. أتاحت المعلومات إحباط العملية التي كان يفترض أن تقتل إسرائيليين. الجولاني نفسه قررها. الفترة القريبة القادمة ستفيدنا إذا ظل مخرباً (لكن في بدلة) أم أنه قطع كل الطريق ليصبح أنور السادات.

جنين

في الأسابيع الأخيرة، يتابع جهاز الأمن باهتمام، الحملة التي تخوضها أجهزة الأمن الفلسطينية في جنين. ليس لأحد أوهام في أن السلطة بدأت فجأة تخوض حرب إبادة على الإرهاب. بالمقابل، بدأت تفعل ما تطالبها به إسرائيل منذ سنوات. فاعليتها محدودة في هذه الأثناء. لكن ينبغي الثناء عليها وإن كان بسبب الكثافة: فكل عملية تحبطها، كل مخرب يعتقل، كل عبوة تشغل، لا تلتقي في النهاية جنود الجيش الإسرائيلي أو مواطنين إسرائيليين.

بدأت هذه الحملة عندما سرق نشطاء إرهاب في جنين سيارتي “تندر” من قوات أمن السلطة. ليس صعباً أن نتخيل ما رأى السارقون أمام عيونهم: مخربو النخبة الذين اندفعوا على “التندرات” نحو النقب في 7 أكتوبر أو أولئك الذين اندفعوا على “تندرات” مشابهة في سوريا في الطريق إلى إسقاط الرئيس الأسد. السلطة ورئيسها، الذين يعتبرون فاسدين وغير شعبيين، فهموا التلميح: “تندرات” تسرق في المعركة الأولى، ستندفع نحو المقاطعة في رام الله في المعركة الثالثة.

رأت إسرائيل الصور ذاتها، وتوصلت إلى الاستنتاجات ذاتها، غير أن سكان المقاطعة في رام الله رأوا أمام ناظريهم “أرئيل” و”بيت إيل” أو “نتانيا” و”العفولة” (لا لأن سيطرة جهة متطرفة على السلطة هي سيناريو مرغوب فيه من ناحية إسرائيل). لو لم تعمل السلطة، لكان الجيش الإسرائيلي عمل، مثلما عمل في حالات لا تحصى في السنة الماضية، وقبلها أيضاً. ربما يكون مطالباً بفعل هذا، إذا لم تحقق الأعمال الفلسطينية الحالية أهدافها.

حتى يوم أمس، اعتقل الفلسطينيون عشرات نشطاء الإرهاب في جنين، ووضعوا اليد على كميات كبيرة من السلاح، وعثروا وعطلوا عبوات ناسفة كثيرة زرعت تحت محاور السير. ودفعوا ثمناً – ثلاثة من الشرطة الفلسطينية قتلوا حتى الآن في المعارك مع المخربين.

من يبحث عن أدلة وعن جدية الحملة سيجدها في حجم القوات. الحملة لا تقوم فقط على قوات محلية، بل ضمت كتيبتين من السلطة والكتيبة 101 – اللتين عادة ما تكونان في منطقة أريحا. من يبحث عن أدلة بغياب الجدية في الحملة سيجدها في وتيرة التقدم: حتى الآن، لم تصل قوات السلطة إلى قلب الموضوع. ما يستغرق الجيش عمله بضع ساعات يستغرق منهم بضعة أسابيع.

مصدر كبير قال لي أول أمس إنه من السابق لأوانه حياكة البدلات. الفلسطينيون مصممون أكثر من أي وقت مضى، لكنهم لن يعملوا في جنين إلى الأبد، كما أنهم لا يعملون بالتوازي بذات التصميم في جبهات أخرى. هذا الأسبوع فقط، بالتوازي مع الأحداث في شمال “السامرة”، كان الجيش الإسرائيلي مطالباً بالعمل في طولكرم، بما في ذلك في هجوم من الجو، واعتقل عشرات المخربين في أرجاء الضفة كلها. هذا ينضم إلى المعطيات العامة للعام 2024 التي تنتهي مع نحو 2500 اعتقال لنشطاء إرهاب ووضع اليد على أكثر من 1000 قطعة سلاح. هذا العمل المكثف أدى إلى انخفاض في معطيات الإرهاب الصعب (من نحو 850 عملية في 2023 إلى نحو 250 عملية هذه السنة)، وإلى انخفاض موازٍ في أحداث الإرهاب الشعبي (من نحو 3200 حدث في السنة الماضية إلى نحو 1100 حدث هذه السنة).

سألته أي علامة تعطيها للعمل الفلسطيني. قال إن الطلب الإسرائيلي منهم واضح: عالجوا أو تنحوا جانباً ونحن نعالج. في هذه الأثناء هذا ينجح ويخدم مصلحة إسرائيل أيضاً، في هذه الحالة يناسبها الكليشيه القائل إن نجاحهم هو نجاحنا.

ثمة من يدعي بأن عمل السلطة هذا هو نتيجة إحساس بالكرامة. فسرقة “التندرات” مهين للأجهزة التي قررت أن تريهم من هو السيد. ويدعي آخرون بأن هذه نتيجة خوف مما يحصل في سوريا وربما مما ستفعله إسرائيل إذا لم تعمل هي.

وهناك احتمال أن تكون الدوافع مختلفة تماماً. فترامب سيكون رئيساً بعد لحظة والسلطة تريد أن تريه بأنها تجتهد. هذا مهم لها مرتين. كي تظهر أنها جيدة ليس فقط في الأقوال والوعود، بل وفي الأفعال أيضاً. ولسبب عملي أكثر أيضاً. فالسلطة معنية بأن تعود إلى غزة وتتلقى السيطرة في اليوم التالي للحرب. من ناحيتها، جنين هي اختبار دليل على القوة، أمام إسرائيل والعالم.

يوآف ليمور
إسرائيل اليوم 27/12/2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب