مقالات
اليوم التالي لولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية بقلم حسن خليل غريب
بقلم حسن خليل غريب -طليعة لبنان-
اليوم التالي لولاية الرئيس دونالد ترامب الثانية
بقلم حسن خليل غريب
في 28/ 12/ 2024
في الحلقات الثلاث من مقال (دونالد ترامب ليس مجنوناً) أصبح واضحاً أن الرئيس ترامب في ولايته الأولى كان معنياً بتصحيح الأخطاء التي ارتكبها بوش الإبن، ومن بعده أوباما، من أجل استعادة ما خسروه في استراتيجيتهم التي طبقوها منذ احتلال العراق حتى خروجهم منه في العام 2011، وصولاً إلى أخطاء أوباما التي ارتكبها في مرحلة تنفيذ ما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الجديد. وتلك الأخطاء تمثَّلت بما يلي:
-الخطأ الأول: بدلاً من تمويل الحرب على العراق من ثرواته، دفعت ثمناً كبيراً في مواجهة المقاومة العراقية البطلة، بالمال والأرواح والخسائر العسكرية. وهذا ما أدىَّ إلى هزيمتها العسكرية بسحب قواتها في العام 2011. وبدلاً من البدء فوراً بالتمدد إلى (أحجار الدومينو المحيطة بالعراق التي ستنهار تباعاً) -كما صرَّح رامسفيلد وزير الدفاع في إدارة بوش الإبن- فقد تأجل تنفيذ المشروع إلى ما بعد العام 2011. –
-الخطأ الثاني: لغرض الاستفادة من الدور الإيراني في مشروع تفتيت المنطقة إلى دويلات طائفية، سلَّمت إدارة أوباما نظام ولاية الفقيه إدارة العملية السياسية في العراق، فسلب ثرواته، وقام بتوسيع رقعة تأثيره في الوطن العربي. وبذلك أصبح هو الآمر الناهي في العراق والمنطقة المجاورة له من جهة، والذي وقعت القطعات العسكرية الأميركية التي لم تنسحب في العام 2011 تحت مرمى نيران ميليشياته. وفي الوقت الذي تدهور التأثير الأميركي في العراق، خسرت أميركا أصدقاءها الخليجيين بسبب تلك العلاقة، وفي الأولوية منها خسرت ثقة المملكة العربية السعودية. –
-الخطأ الثالث: راهنت في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد على إيصال الاسلام السياسي متمثلا بالإخوان المسلمين إلى السلطة في تونس ومصر، وخسرت صداقتها للنظامين فيهما، وفي الوقت ذاته عجزت عن تثبيت حكم الإخوان المسلمين فيهما. -الخطأ الرابع: فشل مشروع (نحو قرن أميركي جديد)، الذي يتيح لأميركا حكم العالم منفردة، وظهر ذلك في التغلغل الصيني الهادئ عبر البوابة الاقتصادية وبعودة التأثير الروسي على الساحة الدولية انطلاقاً من الساحة السورية. وبذلك التأثير أصيب مشروع (القرن الأميركي) بنكسة أدَّت إلى تراجع في تنفيذه بعد العودة الروسية إلى التأثير في مجرى الأحداث في المنطقة. دونالد ترامب يعالج أخطاء من سبقوه في ولايته الأولى، ولكن !
1-على صعيد ترميم الخسائر التي لحقت بصداقات أميركا، عمل على توفير حماية صداقاته الخليجية عن طريقة (الحماية بالإيجار) لدرء خطر مشروع ولاية الفقيه، وعلى الرغم من ذلك بقي الخطر داهماً، ولذلك استمر التوتر بين أميركا وأصدقائها الخليجيين. وأما عن الحليف التركي فقد عمَّق مخاوفه بعد مساعدة الأكراد على تأسيس كيان شبه مستقل لهم في شمال سورية.
2-على صعيد إنهاء عوامل التوتر في فلسطين الذي وضعت القمة العربية في بيروت المنعقد في العام 2002، طريقاً لحله على قاعدة (الأرض مقابل السلام)، فقد عالجه ترامب بأكثر من خطأ، وهي: نقل سفارة أميركا إلى القدس واعترافه بضم القدس للكيان الصهيوني، وما استتبعه من قرارات أخرى لا تصب في مصلحة الحل العربي من جهة، ومن جهة أخرى أعلن عن صفقة القرن التي تقضي بالتطبيع بين العرب و(إسرائيل) من دون إلزام (إسرائيل) بما يستجيب للمواقف العربية.
3-على صعيد حل النزاع العربي الإسرائيلي، خاصة في سورية، فقد أيَّد ضم الجولان السوري المحتل ووقَّع وثيقة بهذا الخصوص. الا انه شاهد لاحقاً بأمِّ عينه ردود الفعل العربية ضد اجراءاته، بل جاء جو بايدن لكي يعاني منها أيضاً.
ففي فترة رئاسة بايدن أخذت حالات التناقض تنفجر في وجهه واحدة تلو الأخرى. وكانت من أهمها ما يلي
1-أخذت مواقف المملكة العربية السعودية تتعمَّق أكثر فأكثر في مواجهة سياسة جو بايدن التي حاولت أن تُمسك عصا الحلول من وسطها. فلا هي استطاعت أن تجد حلاً للمخاوف الخليجية من استمرار نهج نظام ولاية الفقيه في التوسَّع خاصة استفحال أذرعها في التخريب، وتصعيد وتائر تلك الأذرع بنشر الحروب ضد ما تزعم أنها لمواجهة التحالف الصهيوني الأميركي. وبمثل تلك المزاعم استقطب النظام الإيراني تأييد بعض الأوساط السياسية على المستوى العربي. تلك الأوساط التي تنقم على الأنظمة العربية الرسمية التي لم تقدِّم شيئاً للقضايا القومية العربية عامة والقضية الفلسطينية خاصة.
2-أخذ نظام ولاية الفقيه في إيران يعمل على استغلال القضية الفلسطينية كغطاء لتنفيذ مشروعه التمددي في الوطن العربي فامعن في التدخل في صلب القضية الفلسطينية خاصة بعد انطلاقة طوفان الأقصى في السابع من تشرين الثاني من العام 2023. والتي من أجلها دعا إلى مساعدة حركة حماس والجهاد الإسلامي، فأعلن النظام المذكور تأسيس ما أطلق عليه (وحدة الساحات)، ( وتفعيل محور المقاومة والممانعة)، و(حرب الإسناد)، وفيها انخرط كل واحد من أذرع النظام الإيراني بدرجة او اخرى في الصراع الدامي بين (إسرائيل) وقطاع غزة. وكان من أكثرها هي جبهة (حرب الإسناد) التي بدأها حزب الله في لبنان. وأما الجبهات الأخرى، خاصة الحشد الشعبي في العراق والحوثيون في اليمن، باستثاء خطرهم على حرية الملاحة الدولية عبر باب المندب، فقد كانت على غاية من الصُوَرِيَّة.
3- لما شاهد الرأي العام الدولي فظاعة الجرائم التي ارتكبها العدوان الصهيوني على قطاع غزة اثر عملية طوفان الاقصى، أخذت الكثير من المتغيرات تتصاعد دولياً وإقليمياً وعربياً. وأجمعت كل دول العالم على أن الوصول إلى حلول للقضية الفلسطينية أصبح يشكل دافعاً مُلحَّاً لوضع حد للحروب في الوطن العربي.
4-في لحظة من لحظات سخونة الاحداث الدائرة بدا وكأن الوطن العربي اصبح ساحة لعدوين: العدو الصهيوني ومشروعه التوراتي الغيبي كطرف أول، ونظام ولاية الفقية الذي ينتظر ظهور الإمام المهدي المنتظر كطرف ثاني، تأكَّد لدول العالم -بشرقه وغربه- أنه يكاد يُسحق بين فكيّْ كماشة يمثل المشروع التوراتي أحد فكَّيَه، ومشروع الانتظار الإيراني فكَّه الثاني. ويكاد استفحال المشروعين أن يغرقاه في أتون حروب مستمرة لا يمكن تحديد نهاية معروفة لها. وهذا يشكل استنزافاً للاقتصاد الغربي . فأصبح هدف إنهاء بؤر التوتر يحتل الأولوية في قرارات الدول الغربية بشكل خاص، ولهذا برز إلى واجهة الاهتمام هدفان ثابتان، الأول منهما وضع حد للمشروعين معاً، وأما الثاني فهو الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية.
5-سبقت إدارة جو بايدن وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة لولاية ثانية، عندما أعلنت عن هدفها في حل الدولتين، كهدف يحمل في خلفياته وضع حد للمشروع التوراتي الغيبي من جهة، ونصحت النظام الإيراني بمنع التدخل في شؤون جيرانها العرب من جهة أخرى، ولكن لم ترفع العصا في وجهها.
6-كان هناك تناغم مع مشروع بايدن أعلنه دونالد ترامب قبل نجاحه بالانتخابات وبعد نجاحه عندما أعلن فيه أن الحروب الدائرة عليها أن تشهد نهاية لها قبل وصوله إلى السلطة في 20 كانون الثاني من العام 2025.
-بين التاريخين: نجاح ترامب بالانتخابات الرئاسية، وجلوسه على كرسي الرئاسة، تشهد المنطقة العربية تطورات ومتغيرات جوهرية ابتدأت في لبنان وانتهت بقرار لوقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني 2024 ثم إسقاط النظام السوري وطرد قوات الحرس الثوري الإيراني إلى خارج الحدود السورية، والعمل جارٍ بثقل سياسي لمعالجة وضع ميليشيات الحشد الشعبي في العراق، كبديل لضربة عسكرية يمكن القيام بها إذا فشلت الحلول الديبلوماسية. وأما في اليمن فسوف يكون سقوط الذراع الحوثي تحصيل حاصل بعد قطع الأذرع الأخرى في لبنان وسورية والعراق
مآلات المتغيرات في ميزان الواقع والمرتجى:
كما يرشح عن الأهداف المرسومة من قبل الدول الكبرى -غربية وشرقية- والأنظمة العربية الرسمية، من أجل الوصول إلى شرق أوسط آمن، هو إنهاء المشروعين الغيبيين -التوراتي الصهيوني ونظرية الانتظار الإيرانية. وإن كان تحقيق هذا الهدف بشقيه تتم معالجته الآن بمتوالية زمنية يسبق أحدهما الآخر، إلاَّ أنه لن يتحقق الهدف الاستراتيجي منه بمعالجة أحدهما وإبقاء الآخر حياً.
بعد إنجاز هدف اقتلاع الوجود الإيراني -مليشيات الحرس الثوري، وأذرعه من الميليشيات العربية- يرتفع السؤال عن اليوم التالي، أي الهدف الذي يمكنه أن يوفِّر الأمن للمنطقة العربية بعيداً عن الحروب كشرط ضروري لنقلها إلى مرحلة التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية من جهة، ولكي يوفِّر الملاذ الآمن للاقتصاد العالمي الذي يعتبر الاستثمار بالثروات العربية من نفط وغاز ومعادن نادرة عاملاً مهماً جداً له من جهة أخرى. إن ما هو مٌتَّفق عليه بإجماع دولي ورسمي عربي، على صعيد القضية الفلسطينية -بعد عملية طوفان الأقصى- يأتي مشروع حل الدولتين. وهذا الحل تعترضه عقبتان مصدرهما:
-الرفض الصهيوني لأنه يعيد الحلم التوراتي إلى القمقم منزوعاً من أنياب التنفيذ.
–الرفض الشعبي العربي، والذي تعبِّر عنه بعض أحزاب حركة التحرر العربية، استناداً إلى مبدأ الحق التاريخي بفلسطين وعدم الاعتراف بالاغتصاب الذي تؤكد عليه المواثيق الدولية.
إن التناقض بين رؤيتين: الرؤية الرسمية الدولية والعربية، إضافة إلى رؤية بعض التيارات المدنية الغربية من جهة، والرؤية الثانية من الرفض من جهة أخرى، تؤكد وجود إشكاليات حول مشروع الحل. وإذا كانت القوى الغربية قد تعهَّدت بحل إشكالية الرفض الصهيوني، فإن على قوى وأحزاب حركة التحرر العربي ان ترتقي في فعلها ودورها وتاثيرها الى مستوى الرفض الشعبي العربي ومستوى تطور الاحداث اولاً ، والى الانتقال بالنضال العربي الى خطوة متقدمة الى الامام عن طريق بلورة حل واقعي من جهة اخرى.