تبون يدعو فرنسا للاعتراف بجرائمها ويتهمها بصياغة خطة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية
تبون يدعو فرنسا للاعتراف بجرائمها ويتهمها بصياغة خطة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية
الجزائر- أطلق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تصريحات غير مسبوقة في خطابه السنوي أمام البرلمان بغرفتيه، تناول فيها بالتفصيل موقف بلاده من قضية الذاكرة التي تلغم العلاقة مع فرنسا، وتحدث عن قضية الكاتب المعتقل المشكك في الحدود الجزائرية بوعلام صنصال، وعاد فيها إلى قضية الصحراء الغربية، معتبرًا أن خطة “الحكم الذاتي” ولدت في باريس، وليس الرباط، أو مراكش.
بحماسة كبيرة، تناول تبون، في خطابه الأول أمام البرلمان بعد فوزه بولاية ثانية قبل أشهر، موضوع العلاقة مع فرنسا، في وقت تشهد العلاقة بين البلدين أسوأ مراحلها؛ مجددًا حرصه على “صون الذاكرة الوطنية، والحفاظ على كرامة الآباء والأجداد المجاهدين، والشهداء الذين ضحّوا في المقاومة الشعبية والثورة التحريرية المجيدة”.
الرئيس الجزائري خاطب مستعمر الأمس بالقول: لا تعطونا الأموال، لكن تعالوا ونظفوا الأوساخ التي تركتموها
وعاد الرئيس الجزائري إلى الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، مفندًا رواياته التي كانت تدعي أن الجزائريين، في ذلك الوقت، كانوا خارج ركب الحضارة، قائلًا: “الاستعمار، عندما وطئت قدماه أرض الجزائر، كان الشعب الجزائري آنذاك متعلمًا، وكانت الجزائر مانحة للقمح. لكنه ارتكب مجازر متتالية في كل ربوع بلادنا، ولم يأتِ إلا بالدمار والخراب وإبادة الشعب”.
وأشار تبون، في معرض حديثه عن الإبادة التي تعرّض لها الشعب الجزائري إبان فترة الاستعمار في عدة مناطق، مثل الزعاطشة والأغواط، حيث تم قتل الجزائريين بالغاز، ومجزرة 8 مايو/أيار 1945، التي راح ضحيتها 45 ألف شهيد. كما لفت إلى وجود 500 جمجمة لشهداء الجزائر ما زالت بفرنسا، حيث لم تتمكن الجزائر من استرجاع سوى 24 منها حتى الآن.
وذكر أن الاستعمار الفرنسي، الذي أصبح فيما بعد قوة نووية، ترك وراءه أمراضًا ناجمة عن تجاربه النووية في الجنوب الجزائري، وما زال السكان هناك يعانون منها حتى اليوم.
ووصل تبون، بعد هذا الاستعراض إلى الحديث عن جدلية الاعتراف والاعتذار والتعويض عن الجرائم الاستعمارية، ليحسم بالقول: “قيمة شهدائنا الذين سقطوا في المقاومة والثورة التحريرية المجيدة أغلى من مليارات الدولارات”، مضيفًا: “أنا لا أطلب من مستعمر الأمس تعويضًا ماديًا، بل الاعتراف بجرائمه”.
وخاطب الرئيس الجزائري مستعمر الأمس قائلًا: “لا تعطونا الأموال، لكن تعالوا ونظفوا الأوساخ التي تركتموها”، في إشارة إلى المخلفات النووية بالصحراء الجزائرية.
وأوضح أن الصراع مع مستعمر الأمس حول الذاكرة الوطنية ليس له خلفيات أخرى، مؤكدًا أن الجزائريين أصحاب حق لن يسقط، ويطالبون بالاعتراف بالمجازر التي ارتكبها الاستعمار. وشدّد على أن الجزائر لن تثق في كل من يتنكر لرسالة الشهداء والمجاهدين. وتابع، في مقطع آخر، مخاطبًا الفرنسيين: “سأعترف بك أنك رجعت لوعيك، لما يكون في قلب عاصمتك تمثال كبير للأمير عبد القادر”.
وبعد أن قاطعه أحد النواب المتحمسين لكلامه، قال تبون مرة أخرى واصفًا مشاعره تجاه تاريخ المقاومة في بلاده بالقول: “أعتبر نفسي ابن شهيد… ابن بوبغلة وابن الشيخ أمود وابن العقيد عميروش وابن مصطفى بن بولعيد وابن العقيد لطفي وابن كافة شهداء الجزائر… كرامتنا وكرامة أجدادنا الشهداء والمجاهدين لن نتخلى عنها ويجب صونها”.
وهنا، عرّج منفعلاً على قضية الكاتب الفرنكو- جزائري بوعلام صنصال دون أن يذكره بالاسم، قائلًا: “أرسلتم لنا لصًا، مجهول الهوية، ومجهول الأب، ليقول لنا إن نصف الجزائر ملك لدولة أخرى”. ويفند كلام تبون، بنسبة كبيرة، الأخبار التي راجت حول أن يكون صنصال مشمولًا بإجراءات العفو والتهدئة التي أقرها الرئيس الجزائري قبل أيام.
ويواجه صنصال، بسبب تصريحاته، التي زعم فيها أن جزءًا من الغرب الجزائري “يعود إلى المغرب”، تهمة المساس بأمن الدولة وبسلامة الوحدة الترابية، وفقًا للمادة 87 مكرر من قانون العقوبات الجزائري.
تبون: أرسلتم لنا لصًا، مجهول الهوية، ومجهول الأب، ليقول لنا إن نصف الجزائر ملك لدولة أخرى
وفي قضية أخرى تعتبرها الجزائر حاسمة، أكد تبون أن موقف بلاده تجاه قضية الصحراء الغربية، لن يتغير اليوم ولا مستقبلًا حتى يتمكن الشعب الصحراوي من تقرير مصيره بنفسه، واصفًا هذا الموقف بأنه يعبر عن احترام الجزائر للشرعية الدولية، وليس موجهًا ضد أي طرف. وذكر الرئيس الجزائري أن قضية الصحراء الغربية مدرجة في الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار، وهي مطروحة أمام لجنة تصفية الاستعمار الأممية، مضيفًا أن فكرة “الحكم الذاتي” هي فكرة فرنسية بالأساس وليست مغربية، “لم تولد في الرباط أو مراكش”.
أما بخصوص فلسطين، فقال تبون: “سنواصل مساندة الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل نيل حقوقه المشروعة”، مضيفًا: “نحن مع فلسطين، ومع كل الشعوب المقهورة في العالم”. وأشار إلى أن الجزائر، منذ انضمامها كعضو غير دائم في مجلس الأمن للأمم المتحدة، تخوض معركة دبلوماسية دفاعًا عن القضية الفلسطينية، مؤكدًا أن الجزائر لن تتخلى عن فلسطين حتى نيل استقلالها وعاصمتها القدس الشريف.
وفي الشأن السياسي الداخلي، كشف تبون عن عزمه إطلاق حوار وطني مثلما وعد به من قبل، “سيكون في مستوى الرهانات الداخلية وسيعزز الحقوق الأساسية”. معربًا عن أمله في أن يكون هذا الحوار الوطني “عميقًا وجامعًا، بعيدًا عن الاستنساخ الخطابي”، مضيفًا بأنه “سيعزز الحقوق الأساسية من خلال القوانين المكرسة في الدستور والقانون العضوي المتعلق بالأحزاب السياسية والجمعيات”. وأضاف قائلًا: “وعدت الطبقة السياسية بفتح حوار لتقوية الجبهة الداخلية وسيكون ذلك بصفة منظمة”.
وتعددت في الفترة الأخيرة مطالب الحوار الوطني، سواء من قبل أحزاب الموالاة أو المعارضة، بأجندات تبدو مختلفة، فأنصار الرئيس يبحثون عن تشكيل جبهة وطنية لحماية البلاد مما يعتبرونه الأخطار الأجنبية، بينما تدعو المعارضة لإجراء إصلاحات داخلية عميقة تطال المجال السياسي وقضايا الحريات والمسائل الاقتصادية والاجتماعية خاصة في ظل التحديات التي تطال القدرة الشرائية.
“القدس العربي”: