رحيل الأب الروحي للأغنية الشعبية المصرية: أحمد عدوية… الاعتزال الأخير

رحيل الأب الروحي للأغنية الشعبية المصرية: أحمد عدوية… الاعتزال الأخير
على أعتاب 2025، شيّع المصريون أمس صاحب الصوت الشعبي الأهم، أحمد عدوية (1946-2024)، بعدما أضفى على الأغنية الشعبية طابعاً لم تشهده قبله، وأسّس لمنهج ولون غنائي كان سبباً في سطوع نجوم آخرين ساروا على خطاه من دون أن يقترب أحدهم من مقامه. وكان ابنه المطرب محمد عدوية قد أعلن عن خبر وفاة والده بعد وعكة صحية ألمّت به منذ مدة. سلك أحمد عدوية طريقاً صعباً من أجل الوصول. طريق لم يكن متاحاً له ولجيله في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات في مصر. من الأفراح والمقاهي، خرج عدوية، ليصل إلى شارع محمد علي في وسط القاهرة، حيث كان المكان المكتظ بأهل الفن من العاملين في الموسيقى في بداية السبعينيات، يسيطر عليه نجم بحجم عبد الحليم حافظ كمطرب الدولة الرومانسي.
غنّى عدوية في زفاف الفنانة المصرية شريفة فاضل لتكون هذه نقطة الانطلاق، إذ تعاقدت معه في تلك المدة شركة الإسطوانات المصرية «صوت الحب»، ليقدم أعمالاً شهيرة مثل «زحمة يا دنيا زحمة» (تأليف حسن أبو عتمان، وألحان هاني شنودة، 1969)، و«السح الدح إمبو» (تأليف الريس بيرة، وألحان الشيخ طه)، و«سيب وأنا أسيب» (تأليف مأمون الشناوي، وألحان سيد مكاوي)، و«يا ليل يا باشا» (تأليف حسن أبو عتمان، وألحان محمد عصفور). وهكذا بدأ اسم عدوية في الصعود، وخصوصاً أنّه تعامل مع أهم المؤلفين والملحّنين في تلك الحقبة. إضافة إلى «سيب وأنا أسيب»، كتب له مأمون الشناوي مثلاً أغنيةً شهيرة جداً هي «كركشنجي دبح كبشه».
ومع عدوية، بدأت الأغنية الشعبية تنتقل من مرحلة شفيق جلال وطريقته المعتادة الهادئة في الغناء، إلى الطريقة الأجدد والأسرع التي بدأها عدوية، وكانت تتناسب مع عصر أنور السادات الذي سيطرت عليه السرعة في كل شيء. وفي زمن صعود الإسلام السياسي في مصر في نهاية مدة السادات، كانت أغنيات أحمد عدوية تنافس في الشوارع المصرية أصوات مشايخ ـــــ أمثال عبدالحميد كشك ــــ كان معروفاً عنهم هجومُهم الدائم على الأغنيات والمطربين وكل مَن يعمل في الفن. الشهرة الواسعة لأحمد عدوية وأغانيه فتحتا له باب السينما. صحيح أنّه لم يكن الممثل المتمكّن الذي يستطيع أن يكمل هذا الطريق، إلا أنه شارك في عدد كبير من الأعمال مقارنة بكونه مطرباً شعبياً لا يتمتع بمواصفات نجم الشباك السينمائي. هكذا، شارك في 34 عملاً حسب موقع «السينما دوت كوم» بين أفلام ومسرحيات ومسلسلات، بدأت بدور المطرب الذي قدمه في فيلم «لعنة امرأة» عام 1974 (تأليف فاروق صبري وإخراج نيازي مصطفى). ونظراً إلى نجاحه، أحبّ المنتجون أن يقدم دور المغني/ المطرب في الأفلام التي ظهر فيها كممثل، حتى إنّه جسّد هذه الشخصية حوالى عشر مرات. وكان آخر ما قدمه في هذا الإطار أغنية «صح النوم» في مسلسل «رمضان كريم» (إخراج سامح عبد العزيز، وتأليف أحمد عبد الله) عام 2017. وكانت الشهرة سبباً في أن يغني عبد الحليم حافظ مع عدوية «السح الدح إمبو» عام 1976.
تعرّض عدوية لما عُرف وقتها بمحاولة اغتيال فني، تعددت الآراء حول مدبرها، وانتهت بتناوله جرعة مخدر كبيرة أثرت في قدرته على الغناء. نتيجة لذلك، ابتعد عن الساحة لسنوات، تاركاً أغانيه تصدح في كل مكان. لذلك حتى عندما ظلّ قرابة عشر سنوات بعيداً من الوسط الفني، لم يكن غياباً كاملاً بقدر ما اعتُبر فترة توقف عاد بعدها ليتواجد بقوة ويغني مع الفنان اللبناني رامي عياش «الناس الرايقة»، معلناً عن عودته للغناء. وظهر مرة أخرى مع ابنه محمد عدوية (1976) الذي لم يحقق حتى الآن بصمةً كبيرة يمكن أن تضاهي بأي شكل من الأشكال إرث أبيه الفني.
أما آخر ظهور جماهيري للراحل، فكان في حفلة أحياها مع ابنه محمد في محافظة المنوفية في شهر تموز (يوليو) الماضي، حين غنى وسط حضور جماهيري كبير، وكانت أغنية «على وضعنا» آخر ما قدمه مع محمد عدوية ومحمد رمضان. كما شارك في تكريم الملحّن هاني شنودة في الاحتفال الذي أقيم له على هامش «موسم الرياض»، حيث غنى مقطعاً من أغنية «زحمة يا دنيا زحمة».