مقالات

الأردن و«الجار السوري» السعيد

الأردن و«الجار السوري» السعيد

بسام البدارين

عندما يتعلق الأمر بالحسابات الدقيقة لا يوجد ما يتأسف عليه الأردنيون شعبيا ولا رسميا بعد غياب النظام السوري المخلوع.
لا توجد بالمقابل أدلة أو براهين على خسائر أردنية يمكن أن تنتج إذا ما تحرر الشعب السوري وأكمل طريقه باتجاه بناء مؤسسات تليق به وتوقف نزيفه ومعاناته وعذاباته.
الجار السعيد والمرتاح يبث الارتياح عند بقية الجيران … تلك قاعدة معروفة في أنظمة التواصل الاجتماعي والجار الذي يعاني يتسبب دوما بالكثير من المشكلات العابرة للأزقة.
لا مبرر في الواقع لا لولادة حالات استقطاب ولا لخلافات وتجاذبات بين الأردنيين عموما مردها مجددا الفصام السوري الذي تكرس وتكدس منذ عام 2011.
الحق أن الأردن دولة وشعبا دفع ثمنا غاليا جراء تضامنه مع عذابات الشعب السوري طوال المرحلة التي كان فيها النظام السابق يلقي البراميل المتفجرة على رعاياه.
لا خسائر يمكن أن يأسف عليها الأردني إذا ما استمر في الغياب نظام وحشي تقول سجونه الكثير بعدما ساهم بشكل مباشر في إدخال الدب الى الكرم السوري. أهل الشام أدرى بشعابها.
وفي الوقت الذي نتمنى دوما الرخاء وتوقف المعاناة للأشقاء في سوريا يتوجب أن لا نستعجل المكاسب أيضا ولا مبرر إطلاقا لانتقال التناقضات السورية الداخلية للمواطنين فيما لا مبرر للزحف البطيء لأن سوريا المستقرة في كل حال هدف نبيل يستفيد منه الشعبان الأردني والفلسطيني.
نراقب نمطا فوقيا من النقاشات المتجاذبة ما بين متحسر على مستقبل سوريا أو محترف لتخويف الأردنيين من الحكام الجدد فيها، وما بين دعوات للتأمل والانتظار وأخرى للاستعجال.
نتفهم كل الآراء والتعليقات لكن مجددا الدولة الأردنية ليست فردا أو حزبا أو تيارا .. الدولة لديها مجسات ومعلمات ومعطيات وشبكة مصالح وتوازنات وينبغي كمواطنين أن لا نضغط عليها تحت بند الاستعجال.
دفع الأردن ثمن المشكلة السورية في الماضي بسبب اجتهادات فردية في حقبة الربيع العربي وما تبدو عليه نسخة الربيع الجديد أنها إقليمية وشرق أوسطية هذه المرة وليست عربية فقط .
واجب الجميع أردنيا ترك هوامش للمناورة أمام الدولة التي تملك المعطيات والقدرات اللوجستية على التصرف وقياس المصالح مقابل الامتناع الرسمي عن قمع رأي المواطنين ومشاعرهم.

الحق أن الأردن دولة وشعبا دفع ثمنا غاليا جراء تضامنه مع عذابات الشعب السوري طوال المرحلة التي كان فيها النظام السابق يلقي البراميل المتفجرة على رعاياه

بهجة الشارع المحلي بعد التحول في سوريا لها ما يبررها فقد فقدت آلاف العائلات الأردنية أولادها عند الجار الشقيق في الماضي ولأسباب متعددة أو غير مفهومة ومنذ 50 عاما نسمع عشائر وعائلات تتحدث عن شبابنا الذين زاروا دمشق ثم اختفوا مثل الملح أو عن معتقلين بقوا لعقود في السجن دون محاكمة لدى النظام السوري، دون حتى أن تعترف بهم حكومة ذلك النظام.
في الوقت الذي تدخل فيه سوريا المجاورة بالاحتمالات لا أحد يملك الشرعية الأخلاقية التي تبرر الضغط على الدولة ودوائر القرار من أجل الاندفاع أو المجازفة او المغامرة.
الوضع السوري معقد للغاية ومع الآمال العريضة بأن يتمكن شعب ذكي ومنتج ويستحق كل الخير من تجاوز المرحلة الحالية وإعادة بناء مؤسساته يبقى قدر من التحفظ والمتابعة والحرص من جهة دوائر القرار الرسمي منطقي ومعقول ويبقى أن حرس الحدود الأردني في الواقع لا يتصدى بكفاءة لحرب الكبتاغون التي شنها النظام السوري المخلوع فقط بل يحرس الوطن الأردني أيضا من عبور أو تسلل أو تصدير أي تناقضات منتجة في الواقع السوري المعقد يمكنها أن تنتقل إلى العمق الأردني.
على الدولة بالمقابل تجاوز السياق الكلاسيكي في إدارة ملف احترام مشاعر ومواقف الشعب الأردني حيث لا يخفى على المراقب الآن أن الثورة السورية حتى مع تناقضاتها تحظى بحاضنة اجتماعية واسعة وعريضة بين الأردنيين وهذا أمر يتوجب على الحكومة احترامه لا بل ينبغي أن يدخل ضمن الاعتبارات المفصلية في تخطيط وبناء الموقف السياسي من مسار الأحداث.
ليس مطلوبا الاستعجال الرسمي في دعم فصائل الثورة السورية، لكن المطلوب وبإلحاح الجلوس على الطاولة والبقاء في أقرب نقطة ممكنة لمساندة تطلعات الشعب السوري في الحرية والكرامة والمطلوب بإلحاح أكثر أن لا تتمكن الأطراف اللاعبة في الإقليم مجددا من احتكار قواعد اللعبة وحجب أو إقصاء لدور الأردن، الأمر الذي يتطلب تنويعا في الأدوات والمبادرات والتوازن ما بين القيود والتحفظ وبين البقاء على اتصال وتواصل لا بل مساندة حق الإنسان السوري بالكرامة والعيش الحر.
ثمة الكثير مما يمكن للأردن تقديمه للشعب الجار الذي عانى كثيرا وثمة إضافات نوعية لا ينكرها إلا جاحد للسوريين عموما في إنعاش الاقتصاد والتجارة في الأردن وفي التنويع الاجتماعي والثقافي وفي إظهار احترام شديد للقوانين والاعتبارات المصلحية الأردنية.
ينبغي أن تتوقف مطالبات الاستعجال في تأييد التحول السوري مقابل أن تتوقف حالة الزحف البطيء والارتياب البيروقراطي الأمني المبالغ فيه والذي سبق له أن أعاق بعض المصالح الاقتصادية تحديدا في ملفات أخرى.

إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب