الصحافه

واشنطن بوست: “مسرّب ديسكورد” يمثل صورة عن تهديد جديد لأسرار الدولة بدون أيديولوجية أو دوافع سياسية

واشنطن بوست: “مسرّب ديسكورد” يمثل صورة عن تهديد جديد لأسرار الدولة بدون أيديولوجية أو دوافع سياسية

إبراهيم درويش

قال مارك فيشر في مقال نشرته صحيفة “واشنطن بوست” إن أسرار الدولة الأمريكية كانت مرة تسرب لتحذير المواطنين من العين الخفية للدولة التي كانت تراقبهم، كما فعل إدوارد سنودين في تسريبه مئات الآلاف من ملفات وكالة الأمن القومي، أو الكشف عن السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أن تسريبات أسرار وزارة الدفاع حول الحرب في أوكرانيا، تكشف عن بعد جديد في أسرار الدولة، وهو أن الأسرار يمكن أن تسرّب للاستعراض والتباهي، وأن “السرية هي للخاسرين” والبحث عن أصدقاء.

وأضاف فيشر أن التسريبات السابقة كانت عادة ما تُقرن بالخيانة لأنها بناء على ميول الشخص المسرب السياسية، تطاولت على أسرار الدولة. إلا أن تسريبات عاملٍ صغير في قاعدة جوية للحرس الوطني بماساتشوستس، لم يذكر فيها إلا أن نادرا مصطلح الخيانة، وفقط همسات قليلة عن الأخبار والكشف عن مخالفات.

وكان الرد على تسريبات جاك تيكسيرا (21 عاما) مختلفا، مع أن الجريمة واحدة. فقد وُجهت له تهم بنشر معلومات عسكرية سرية، والاحتفاظ قصدا بوثائق سرية، إلا أن الهدف والأساليب التي استخدمها تيكسيرا نابعة من ثقافة هامشية في المجتمع الأمريكي.

فقد ظل كل من إدوارد سنودين وتشيلسي مانينغ وريلتي واينر، أمثلة حاضرة عن موظفين في الحكومة اندفعوا بدوافع أيديولوجية لتسريب المعلومات السرية، في محاولة منهم لتغيير السياسة والممارسة الأمريكية.

وفي حالة سنودين، فقد استخدم التصريح الأمني عام 2013 للاحتجاج على الجهود الفدرالية لجمع سجلات عن أكبر كم من هواتف الأمريكيين. ورأى في الممارسة خرقا واضحا للحقوق الخاصة التي يضمنها الدستور.

 أما مسرب “ديسكورد” كما صار يعرف، والمتهم بوضع الوثائق على منبر ثرثرة على الإنترنت لا يستخدمه إلا الشباب الذين يحبون ألعاب الفيديو، فلم يعرب عن رؤية أيديولوجية، وذلك بحسب أصدقاء عرفوه وقضوا معه وقتا في غرف الثرثرة.

فعلى الرغم من أن مسرب ديسكورد كان ناقدا لبعض السياسات الأمريكية، واستخدم نفس الشعارات العنصرية والمعادية للمثليين والسامية والتي يستخدمها أقرانه، إلا أنه لم يكن مندفعا بالأيديولوجية أو النشاط السياسي، بل كان يريد أن يثبت نفسه أمام من يعرفهم على الإنترنت. ولا توجد أدلة أن هذا المسرب حاول تغيير الطريقة التي تدير فيها الولايات المتحدة الحرب في أوكرانيا، مثلا.

ولم تظهر الوثائق التي سربها أي موقف سياسي له، فبعضها أظهرت مكامن الضعف الأوكراني، فيما كشفت الأخرى عن عيوب الحملة الروسية. وكان مدفوعا لإثبات نفسه أمام أقرانه بأنه يستطيع أخذ ملفات سرية لو أراد، وأنه وثق بسذاجة بهم وأنهم لن يكشفوا عنها لأحد. وكانت منصة ديسكورد المكان الذي يتسكع فيه مع أصدقائه ويتحدثون عن ألعاب الكمبيوتر والدين والموسيقى والأشياء التي يحبونها على يوتيوب، وكانت المنصة هي المكان الذي أحب أن ينشر وثائقه عليه. ولو كان هناك أي دافع يمكن استنتاجه، فإن المتهم كان يريد أن يثبت لأصدقائه على غرفة الثرثرة “ثاغ شيكر سنترال” بأنه قادر على القيام بأعمال جريئة.

وهذا لا يعني أن المخاطر على الأمن القومي الأمريكي هي أقل. فما فعله المسرب الجديد يسلط الضوء على المخاطر الامنية التي لم تحظ إلا بانتباه قليل، وأكثر من تلك التسريبات التي قام بها مبلّغون من أصحاب الدوافع السياسية في السنوات الماضية. وفي عالم قانون الأمن، يمثّل المسرب “أو جي” حسبما كان يعرف لأصدقائه في ديسكورد، مثالا عما يعتبره الخبراء ظاهرة “تهديد الجيل الرقمي من الداخل”، وفيها يرغب المسربون بالعيش حياة شفافة على المجال السيبراني بدون نية أو نوايا للتسبب بأضرار سياسية، إلى جانب عدم الاهتمام بالقوانين القديمة أو التي عفا عليها الزمن.

وتقوم فلسفتهم، رغم سذاجتها على أن “السرية هي للخاسرين”، كما يقول أليكس ويتشووسكي، الباحث العلمي في جامعة كولومبيا، مضيفا أن “هذا لم يكن تسريبا تقليديا، ولم يكن جهدا مقصودا للكشف عن شيء، بل كان أخذ أسرار ومشاركتها مع مجموعة صغيرة وتعليم أفرادها وتقويتهم، وكان مقصودا لعشيرته، ومنحهم تميزا على الرأي العام”.

ويُتهم مسؤولو الأمن القومي عادة بأنهم يخوضون حربهم الأخيرة، في مرحلة ما بعد سنودين، وهي تمشيط مليوني موظف ومتعهد في الحكومة ممن يحملون الأذونات السرية، ومحاولة البحث عن مظاهر تطرف أو معارضة للسياسات الأمريكية. مع أن الأكاديميين والمسؤولين داخل الحكومة وداخل مدراء الصناعة المختصة بالأمن الإلكتروني، كانوا يعتقدون أن شخصا مثل “مسرب ديسكورد” قد يظهر بطريقة أو بأخرى. ويعتقدون أن الخطر يمكن أن يظهر من خلال توظيف الخبراء في التكنولوجيا، والذين نشأوا في الثقافة الرقمية ويؤمنون أن “السرية هي للخاسرين” ويعتقدون في نفس الوقت، أن الحكومة تقوم بجمع معلومات بطريقة غير جيدة.

وعلى خلاف سنودين ومانينغ وواينر، فالشخص المتهم بوضع المعلومات على ديسكورد، هو صورة عن الجيل الرقمي الذي يرى ضرورة كشف كل شيء عن حياته لأصدقائه على الإنترنت. وعندما يتم التسريب بدون دوافع سياسية، فإنه يكون عرضيا ومن الصعب اكتشافه كما في حالة التسريبات السياسية. وقال مستخدم آخر لديسكورد: “لدينا بعض الوثائق المسربة” التي حملت على غرفة ثرثرة أخرى تركز على ألعاب ماينركرافت، ولديها 8000 عضو. ورد آخر: “جميل”.

وطلب سنودين من الصحافيين الذين شاركهم الملفات التي حمّلها من وكالة الأمن القومي، حماية العملاء في بعض الوثائق. أما واينر الذي سرق معلومات سرية عن الهجمات الإلكترونية الروسية على البنى التحتية للانتخابات الأمريكية عام 2017، وقدمها لموقع “ذي إنترسيبت” فقد كان يريد أن يعرف العالم الخارجي بها.

أما مسرب ديسكورد، فلم يلتفت للمحاذير أو قام بجهد لحماية ما لديه وهويته، بل قام برمي الوثائق على الإنترنت. ويقول جون ميلز، أستاذ القانون بجامعة  فلوريدا، إن هذا التسريب “قد يكون أخطر من التسريبات السياسية؛ لأنه قد يكون أكثر انتشارا وعشوائية”. مضيفا: “هذا مستوى جديد من الخطر ويجب أن يكون صيحة تحذير”.

فمن ناحية، كانت الحماية ضد أشخاص مثل سنودين تقتضي البحث والتدقيق في حملة الأذونات الأمنية، أما الحماية ضد ديسكورد فهي أصعب نظرا لوجود أشخاص يتسللون بدون أن يلتفت إليهم أحد إلى المواقع الحساسة. ولدى ديسكورد 19 مليون غرفة ثرثرة، و150 مليون مستخدم شهريا، ومن هنا، فوضع وثائق سرية لا يُنظر إليه على أنه محاولة سياسية، بل جرأة وتعبير عن الثقة بالأصدقاء.

ولكن علينا الحذر من جعل تيكسيرا مثالا عن “تهديد الجيل الرقمي من الداخل”، فهذا الجيل وإن بدا أكثر ثقة بالغرباء، لكن التعميم ليس في محله.

“القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب