تحقيقات وتقارير

سقوط الأسد يضرب عمق «المحور»: فصائل المقاومة لم تُفق من الصدمة… وطهران الخاسر الأكبر

سقوط الأسد يضرب عمق «المحور»: فصائل المقاومة لم تُفق من الصدمة… وطهران الخاسر الأكبر

مشرق ريسان

فقدان طهران عقدة الاتصال والتنسيق الاستراتيجية مع حلفائها في محور المقاومة، ألقى بظلاله على الفصائل العراقية، التي قررت الانصياع أخيراً للخيارات الحكومية الرسمية في التعاطي مع الملف السوري.

بغداد ـ  مثّل سقوط نظام الأسد، علي يد «هيئة تحرير الشام»، بزعامة أحمد الشرع، وكان يُلقّب بـ«الجولاني»، صدّمة لدى إيران وحلفاءها في «محور المقاومة» المؤلّف من فصائل شيعية عراقية، بالإضافة إلى «حزب الله» اللبناني، و«الحوثيون» في اليمن، وضربة لائتلاف «المقاومة الإسلامية» في العراق، الذي تبنّى مئات العمليات العسكرية ضد أهداف حيوية في العمّق الإسرائيلي، منذ «طوفان الأقصى» في أكتوبر 2023.
قُرابة شهرٍ مرّ على التقدم السريع للفصائل السورية نحو العاصمة دمشق، والسيطرة على مقاليد الحكم هناك، من دون أن يتبنّى قادة الفصائل العراقية أي موقفٍ مباشر تجاه التطورات في الملف السوري، أو التطرق إلى مصير «محور المقاومة» ومبدأ «وحدة الساحات»، أو حتى مصير مقاتليها المتواجدين على الأراضي السورية منذ عام 2012، باستثناء تصريحات عامة لم تُفصح عن آلية التعامل مع «سوريا ما بعد الأسد».
في 10 كانون الأول/ديسمبر الماضي أعلنت كتائب «حزب الله»، في بيان صحافي إنها تراقب الوضع داخل سوريا، وتنتظر «بروز جهات يمكن التفاهم معها على أساس المقاومة والقضية الفلسطينية ونبذ من تورط بدماء المستضعفين والأبرياء، وحفظ التوازن الوطني في سوريا».
في اليوم ذاته، نشر أبو آلاء الولائي، الأمين العام لكتائب «سيد الشهداء» العراقية، «تدوينة» تحدث فيها عن وضع المنطقة بشكلٍ عام، من دون التطرق إلى الملف السوري.
وقال حينها: «موقفنا من الأحداث الإقليمية سيُبنى على أساس أمننا القومي وقضايا الأمة»، معتبراً إن «العراق اليوم بقواته الأمنية وحشده ومقاومته وشعبه هو أقوى وأقدر وأكثر جهوزية من أي وقت مضى».
أما حركة «النجباء» بزعامة أكرم الكعبي، فتمسّكت بـ«خيار المقاومة» من دون الإشارة أيضاً للتطورات السورية.
في 13 كانون الأول/ديسمبر الماضي، ذكر عضو المجلس السياسي للحركة، حيدر اللامي، في «تدوينة» له، أن «حركة النجباء لن تتخلى عن خيار محور المقاومة الإسلامية في المنطقة».
وعلى المستوى الميداني، لم تنّشر الفصائل العراقية المنضوية في ائتلاف «المقاومة الإسلامية» أيّ بيان على مواقعها التي كانت تزخر يومياً بأنباء ومشاهد مصورة لعملياتها ضد مواقع إسرائيلية.
في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أعلنت منصّة «المقاومة الإسلامية» على «تليغرام» آخر عمليتين للفصائل العراقية، تمثلت باستهداف هدفين «حيوي وعسكري» إسرائيلي في جنوب الأراضي المحتلّة، بالطيران المسيّر.
ويبدو أن الإطاحة بالأسد وفقدان طهران عقدة الاتصال والتنسيق الاستراتيجية مع حلفائها في «محور المقاومة»، ألقى بظلاله على الفصائل العراقية، التي قررت الانصياع أخيراً للخيارات الحكومية الرسمية في التعاطي مع الملف السوري، في موازاة الحديث عن احتمالية استهداف قياداتها.
السياسي العراقي، محافظ نينوى الأسبق، أثيل النجيفي، يرى في سقوط نظام الأسد صفعة شديدة للنظام الإيراني على المستويين السياسي والاقتصادي أيضاً.
وذكر في «تدوينة له» أنه «تسبب انهيار نظام الأسد في سوريا بخسارة كارثية لإيران ليس فقط على المستوى السياسي بل الاقتصادي أيضا»، مشيراً إلى أنه «لفترة طويلة كانت سوريا هي المتنفس الأول للاستثمار الإيراني الذي نشط في مجال الطاقة والتجارة والصناعة، حيث قامت إيران بتحويل بعض صناعاتها إلى سوريا كعملية التفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، بالإضافة إلى سيطرتها على جزء كبير من قطاع الطاقة في سوريا».
وأضاف: «كثير من تلك الشركات والصناعات في سوريا تابعة بصورة مباشرة أو غير مباشرة لشركات الحرس الثوري الإيراني. هذا بالإضافة إلى حوالي 50 مليار دولار هي الديون الإيرانية على نظام الأسد والتي تعتبر حسب القوانين الدولية غير مستحقة السداد بسبب انهيار النظام».
ووفقاً لرؤية النجيفي فإنه «لن يخطئ من يقول بان انهيار نظام الأسد في سوريا سيضعف إيران من الداخل».
في الموازاة، يرى المحلل السياسي العراقي، محمد علي الحكيم، أن العلاقة بين الأسد والنظام الإيراني كانت متوتّرة خلال السنتين الماضيتين.
ويقول لـ«القدس العربي»، إنه «على الرغم مما ينشر مؤخرا حول علاقة الأسد مع إيران، لم تكن كما يتصورها البعض، بالتحديد خلال السنتين الأخيرتين. لم تكن العلاقة على ما يرام، بالتحديد بعدما فاتحت إيران الأسد أن هناك بعض القيادات العسكرية والاستخبارية السورية فتحت خطاً مباشراً للتواصل مع الكيان الإسرائيلي، إلا أن الأسد لم يحرك ساكناً ويتخذ الإجراء الصارم والحازم بحق المتورطين».
وحسب الحكيم فإن الأسد «دفع شخصياً فاتورة وقوفه مع محور المقاومة الذي أصبح ممرا لتزويد السلاح لحزب الله ومقاتلي حماس في غزة»، معتبراً أن تمسّك الأسد بمحور المقاومة والقضية الفلسطينية وراء انهيار نظامه، وإلا «لأصبحت سوريا درة التاج في منطقة الشرق الأوسط» حسب زعمه.
ويشير المحلل السياسي العراقي إلى خلاف آخر بين الأسد والنظام الإيراني، يتمثّل بـ«رفض الأسد توجيه ضربة في العمق الإسرائيلي من الأراضي السورية، رغم تلقيه ضربات متعددة منذ عام 2014 من قبل الكيان الإسرائيلي، لأسباب عديدة، وهذا ما حدد وقوض العلاقة فيما بين طهران ودمشق مؤخرا».
وأفاد أيضاً بأنه «بعد انهيار نظام الأسد سارع الكيان لتدمير كل البنية العسكرية من طائرات عسكرية التي تتجاوز 520 طائرة، وكذلك 2732 دبابة، و26 مطاراً عسكرياً، و46 سفينة حربية، وجميع الرادارات والمدرعات، خشية أن يستولي نظام آخر عليها ويمضي بنفس أهداف محور المقاومة لمهاجمة إسرائيل، وكذلك تجاوزوا الحدود نحو 40 كيلومتر داخل العمق السوري بآليات عسكرية والسيطرة على جبل الشيخ والقنيطرة والعديد من القرى والأرياف السورية مخالفين لاتفاقية 1974».
وحدّد الحكيم ثلاثة سيناريوهات مطروحة للملف السوري، تتضمن «حرباً أهلية فيما بين السوريين والجهات المسلحة المدعومة إقليميا ودوليا، وفوضى عارمة تحرق الأخضر واليابس واستنساخ التجربة الليبية على الأراضي السورية»، أو الذهاب نحو «تقسيم سوريا لعدة دويلات، والتي تسعى له إسرائيل لتحقيق أهدافها وأجندتها»، في حين يتمثّل السيناريو الأخير «استنساخ تجربة السيسي في سوريا والذهاب نحو التطبيع مع إسرائيل بعد تدمير كل السلاح الثقيل من طائرات حربية ودبابات وصواريخ».
في العاصمة العراقية بغداد، يجري الحديث عن قرار أمريكي بإغلاق ملف الفصائل الشيعية المسلحة، فور تسلّم الرئيس المُنتخب دونالد ترامب، منصبه.
ورغم نفي أو تجنّب أغلب الشخصيات السياسية العراقية- خصوصاً الشيعية- الحديث عن التوجّه الأمريكي إزاء الفصائل، غير إن زعيم ائتلاف «إدارة الدولة» و«تيار الحكمة»، عمار الحكيم كان أكثرهم وضوحاً في هذا الشأن، حينما قال في حوار على هامش جلسات تقيمها منظمة «موجة الحقوقية» في النجف: «كما هو معروف فإن هناك موقفا سيتخذ ضد الفصائل. هذا ما وصلنا من الإدارة الأمريكية».
وأضاف: «بعض قوى الإطار التي تمتلك فصائل مسلحة، وهذا الاستهداف لا يكون لأنهم من الإطار التنسيقي، بل لأنهم ضمن الفصائل، وهذا ما يظهر ويبدو حتى هذه اللحظة».
ويصف الحكيم الحديث عن سعي أمريكي لتغيير منظومة الحكم في العراق بأنه «كلام فيسبوكي، ولم أسمعه من سياسيين دوليين وإقليميين، ولا خلال اتصالاتنا المباشرة مع الوفود الرسمية التي جاءت إلينا بعد أحداث سوريا».
ورأى أن «هناك إرادة دولية للحفاظ على استقرار العراق، لأن أي فوضى فيه تعني إخلالاً بأمن المنطقة بالكامل، وهذا ما ترفضه دول المنطقة»، مشيراً إلى أن «هناك توجهاً للحفاظ على النظام الحالي بنفس التركيبة، أي أن المكون الأكبر هو الشريك الأكبر في الحكومة، لذا لا يوجد أي استهداف للنظام العراقي من قبل حكومة ترامب كما يشاع».
ولفت الحكيم إلى أنه «توجد أولويتان للحكومة الأمريكية الجديدة الأولى هي أمن إسرائيل وما يتطلب ذلك من إجراءات، الثانية هو كيفية اقناع الإيرانيين بالانسجام مع دول المنطقة، ولم نسمع من المقربين لحكومة ترامب أنها تنوي إسقاط النظام في إيران، بل توجد محاولة لإقناع إيران بالتخلي عن بعض أنشطتها في مقابل محفزات اقتصادية».

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب