تعطّل الحياة في الحسكة: الخدمات رهينة التجاذبـات السياسية
تعطّل الحياة في الحسكة: الخدمات رهينة التجاذبـات السياسية
الحسكة | في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد قبل أكثر من شهر، وسيطرة «قسد» على المناطق التي كانت خاضعة لسلطته في مدينتي الحسكة والقامشلي، جنباً إلى جنب غياب أي اتفاق بينها وبين الحكومة الجديدة، بدأت الكثير من المشكلات، ومن بينها تلك التي تتطلب حلولاً ملحّة، لضمان عدم تعطّل الشأن العام، تظهر إلى الواجهة. وعلى رأس المشكلات المشار إليها، تلك المرتبطة بدوام المدارس الحكومية والدوائر الخدماتية التي تقدّم خدمات يومية للأهالي. ومع عدم وصول أيّ شخص يمثّل السلطات الجديدة إلى المنطقة، وغياب أي توضيح يخصّ هذه البقعة الجغرافية من المحافظة، لا يزال الغموض يخيّم على هذا الملف.
وعلى الرغم من سيطرة «الإدارة الذاتية» الكردية على غالبية جغرافية محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، وجزء من أرياف حلب، طيلة السنوات العشر الماضية، إلا أن الكثير من المدارس الحكومية بقيت تعمل، وخاصة في محافظة الحسكة، التي كانت تستوعب مدارسها الحكومية أكثر من 160 ألف طالب، وفق إحصائيات حكومية رسمية. ونظراً إلى عدم شرعية مناهج «الذاتية»، كان هناك طلاب مسجّلون في مدارس الطرفين، في الوقت عينه، فيما عمد الكثيرون منهم إلى تقديم الامتحانات النصفية في مدارس الدولة، بتسهيلات من الحكومة.
وفي حين استأنفت المدارس الحكومية، في غالبية المحافظات، عملها، بعد أسبوع من سقوط النظام، إلا أنّ أبواب مدارس الحسكة الحكومية ظلّت مغلقة، ما يحرم طلابها استئناف عامهم الدراسي، ويجعل مصيرهم، وتحديداً طلاب شهادتي التعليم الأساسي والثانوي، مجهولاً. ويرجع ذلك إلى مشكلة أوسع، تتمثّل بالخلاف على مصير المنطقة التي تديرها «قسد»، وعدم التوصل حتى إلى تفاهمات أولية حول أبسط الأمور الإدارية، وربط الملف الإداري والخدمي بالملف العسكري، وسط «حساسية» تركية عالية تجاه تلك المناطق. وفي السياق، تؤكد مصادر من مديرية التربية في الحسكة، لـ«الأخبار»، أنّ «القرار الصادر من دمشق قضى باستئناف الدوام في المدارس الحكومية، إلا أن تعرّض بعض المدارس للسرقة، وغياب التنسيق المركزي مع (قسد) و(الإدارة الذاتية) أديا إلى تعطله»، متوقّعة أن «يكون هناك قريباً توافق على جملة من القضايا، من بينها التعليم، خاصة مع اقتراب امتحانات الفصل الدراسي الأول، والتي من المفترض أن تجري في النصف الثاني من الشهر الجاري».
لم يتم حتى التوصل إلى تفاهمات أولية حول «أبسط» الأمور الإدارية بين «قسد» ودمشق
لا رواتب
وطيلة سنوات الحرب، لم تقطع الحكومة السورية السابقة رواتب العاملين في محافظة الحسكة، على رغم خروج غالبية المحافظة عن سيطرتها، ما سمح باستمرار تقديم الخدمات، من مثل الأحوال المدنية والهجرة والجوازات والنقل والمحاكم وغيرها. ومع أنّ الحكومة الجديدة أظهرت حرصها على استمرار تلك الخدمات، وطلبت من الموظفين إرسال بياناتهم وفتح حسابات على برنامج «شام كاش» المخصص لتحويل الرواتب، بيد أنّه لم يتم تفعيل دوام العاملين في البنك المركزي أو فروع المصارف التي تعمل في المحافظة، ما يجعل عملية تسلم الرواتب، عملياً، مستحيلة. ولا يزال عدد العاملين الحكوميين في المحافظة، بمن فيهم المتقاعدون وعناصر الشرطة، غير معروف بدقة حتى الآن، فيما تشير الإحصاءات التقديرية إلى أن الرقم يراوح بين 100 و120 ألف عامل ومتقاعد.
بارقة أمل
على الضفة المقابلة، يبدو أنّ كليات «جامعة الفرات» هي الناجي الوحيد في محافظة الحسكة، من بين سائر الجهات الحكومية العاملة فيها، عقب إعلان «لجنة تسيير أمور جامعة الفرات» عودة الدوام إلى الكليات الجامعية، وبدء الامتحانات العملية للكليات التطبيقية والعلمية، والاستعداد للامتحانات النظرية خلال الأسبوعين القادمين. وعليه، كانت عودة الكليات المشار إليها إلى العمل بمثابة بارقة أمل لإمكانية وجود تفاهم بين السلطات الجديدة و«الإدارة الذاتية» على بقية الملفات الإدارية والخدمية، ما سيشكل، بدوره، مدخلاً للتوافق على القضايا العسكرية والسياسية، وعلى ضرورة عدم ربط الملفات المتعلقة بيوميات الناس، بملفات تحتاج إلى أسابيع وأشهر لعلاجها.
وكردّة فعل على الأوضاع الراهنة، ناشد الأهالي، ولا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، السلطات إيجاد حلول مرحلية تنهي المعاناة. ويقول الأكاديمي الكردي فريد سعدون، لـ«الأخبار»، إنّه «من الضروري أن يكون هناك اتفاق بين الإدارة الذاتية ودمشق لإعادة عمل مؤسسات الدولة، بهدف تسيير أمور الأهالي المتعلقة بالخدمات والوثائق وغيرها»، مقترحاً أن «يتم تعيين محافظ للإشراف على عمل مؤسسات الدولة وتفعيلها، إلى حين التوصل إلى اتفاق نهائي على وضع المنطقة». وأردف سعدون أنّ «هناك مفاوضات مباشرة بين الإدارة الجديدة و(قسد) حول جملة من الملفات، وهي قطعت شوطاً مهماً»، لافتاً إلى أنّ «المؤشرات الأولية إيجابية»، وأنّه قد يتم حل مشكلة عمل دوائر الدولة في المحافظة «قريباً».