مقالات

الخروج من الدائرة : الدراسات المستقبلية بقلم الدكتور وليد عبد الحي

بقلم الدكتور وليد عبد الحي

الخروج من الدائرة : الدراسات المستقبلية
بقلم الدكتور وليد عبد الحي
نظرا لتحيزي لفكرة اعتبار التطور التقني بمعناه الواسع( الآلة ومناهج التفكير ) هو المحرك المركزي للمجتمعات البشرية المعاصرة، اعمل الآن على دراسة واسعة حول “تحدي المُسَلَّمات ومستقبل التطور “، وأرهقني بشكل خاص ذهاب كبار العلماء الى “المسلمات الدينية والآيديولوجية والمنظومات المعرفية بدلالاتها الواسعة” والعمل على تحدي جوهر هذه الجوانب ، ورغم الكم الهائل والمتزايد من العلماء في هذا المجال ، فان فكرة التغلب على الموت أو –على الاقل- اطالة الأعمار الى مئات أو آلاف السنين والتي يتعامل معها العالم كأحد مسلماته ، كانت مدعاة لأسأل نفسي :ما الذي يجعل علماء يذهبون في هذا الاتجاه ، ووجدت الاجابات عند هؤلاء في عدد من الاسباب:
أ‌- عند الانتهاء من بحوث كهذه ، ستكون النتيجة إما النجاح وهنا ستكون ثورة انسانية كاملة وتحول رهيب ، وإذا وصلنا الى نتيجة فاشلة فاننا سنتعرف خلال رحلة البحث النظري في الدراسات والمراجع من ناحية والبحث العملي في المحتبرات العلمية من ناحية ثانية على مئات النتائج التي ما كنا لنعرفها لو لم نقم بما قمنا به، وفي كلا الحالتين يحدث التطور.
ب‌- يقول احد هؤلاء العلماء (وسأعود لبعضهم في هذا المقال) ان بعض النصوص الدينية المختلفة تتحدث عن بعض الاشخاص الذي عاشوا مئات السنين ، فكيف حدث ذلك؟ ولماذا؟ فإذا اكتشفنا صحة تلك الروايات التراثية ازداد يقيننا بالتراث وبوجود سوابق لما نسعى لانجازه ، وإذا تبين ان مفهوم العمر مرتبط بمدلول معين كالسنة فان كل من كان قبل استخدام مقياس السنة أو العام (التي وضع اصولها المصريون قبل أربعة آلاف سنة ) يستدعي التساؤل عن ما قبل هذا الاستخدام وكيف تم اسقاطه على المراحل اللاحقة لقياس الاعمار مثلا ؟
ت‌- تناقش هذه الدراسات نزعة الفرد للخلود، فالحياة الآخرة هي فرضية تعني انك لن تموت ابدا بالمطلق (سواء في الجنة الى الأبد او خالدا مخلدا في جهنم) ،وتناسخ الارواح كنظرية أخرى تعني التمييز بين موت الروح وموت الجسد المادي ، والانتقال يتم في احد البعدين وهو الروح، وبعض نظريات العلم الحديث تفسر الامر بأنه “تحايل سيكولوجي” لنزعة باطنية لدى الانسان برفضه الموت ، فهو صراع بين ” الإيروس ” و ” الثيناتوس” عند فرويد ، والبحوث المعاصرة ستساهم في ترجيح نظرية على أخرى او تفرض فهما جديدا لبعض النصوص.
نماذج من الدراسات المستقبلية في هذا المجال:
رغم قصور كفايتي العلمية في هذا المجال البيولوجي، فقد سعيت للتعرف على ابرز الأفكار والعلماء في هذا الجانب:-
1- يقف في طليعة هذا التيار العالم الامريكي Ray Kurzweil))، بخاصة في كتابه (الفردانية أقرب) The Singularity Is Nearer وهو اعادة تنقيح لكتاب سابق له عنوانه The Singularity Is Near) )، فهذا العالم يرى ان ثلاثة علوم تؤسس للوصول لابدية الفرد (أي التخلص من الموت)، وهذه العلوم هي العلوم الجينية ،النانوتكنولوجي والروبوتات genetics-nanotechnology – robotics،
ويعتقد كورزويل ان الآلة والانسان في طريقهما ليكونا كائنا واحدا وسيتم ذلك مرحليا ولكن بتطور اسي(Exponential) عبر تغذية ذاتية متسارعة (accelerating returns)، اي ان كل نتيجة في الميادين الثلاثة السابقة الذكر سيغذي الميدانين الآخرين، والاهم ان هذه التغذية بين هذا الثالوث ستتسارع مما يجعل الامر “أقرب” مما كان يعتقد كورزويل نفسه.
وأثناء الرحلة الى الفردانية ، يتنبأ كورزويل بأن “الحياة البشرية سوف تتحول بشكل لا رجعة فيه، وأن البشر سوف يتجاوزون “قيود أجسادنا البيولوجية وأدمغتنا”، وهو ينظر إلى ما هو أبعد من الفردانية ليقول إن “الذكاء الذي سوف يظهر سوف يستمر في تمثيل الحضارة الإنسانية”. وعلاوة على ذلك، فهو يشعر بأن “الآلات المستقبلية سوف تكون شبيهة بالإنسان، حتى لو لم تكن بيولوجية، وقد نكون عام 2045 نقف على عتبة ذلك.
2- يساند العالم البريطاني Aubrey de Grey هذا التوجه ، ويستخدم هذا العالم مصطلحا مركبا هو (Methuselarity)، ويتكون من(singularity ) بالمعنى الذي اشرنا له عند كورزويل ومن Methuselah))، (او بالعربية متوشلح الذي يشير سفر التكوين التوراتي الى انه عاش 969 سنة ومات قبل اسبوع من طوفان نوح)، ويصر” دي غري” في كتابه انتهاء الشيخوخة(Ending Aging) على أن البشرية تسير نحو نقطة زمنية مستقبلية من المتوقع عندها ألا يموت الناس لأسباب مرتبطة بالعمر بعد الآن، ويعتقد ان بلوغ عمر الف سنة أمر ليس بعيد المنال.
ويعتقد ” دي غري” ان الأتمتة (اي حلول الآلة محل الانسان تدريجيا الى ان يستقيل ) ستؤدي الى انقلاب في بعض مفاهيم الاقتصاد مثل الأجر، وهو ما سيقود لمنظومات معرفية جديدة اذا ترافقت الاتمتة مع فناء الشيخوخة.
3- يندرج في هذا الاطار العالم الياباني الحائز على جائزة نوبل وهو شينيا ياماناكا( ( Shinya Yamanaka والذي يؤكد امكانية اعادة “شباب” الخلايا الجذعية، ويسير في نفس الاتجاه العالم البريطاني وبثقة اكثر من غيره ديفيد سينكلير( David Sinclair) الذي يعتقد أن مجموعة من الأمراض ــ بما في ذلك الحالات المزمنة مثل أمراض القلب وحتى الاضطرابات العصبية مثل الزهايمر ــ يمكن علاجها إلى حد كبير عن طريق عكس عملية الشيخوخة التي تؤدي إليها. وحتى قبل أن يحدث ذلك، يمكن أن تكون هذه العملية أداة جديدة مهمة للباحثين الذين يدرسون هذه الأمراض. وفي معظم الحالات، يعتمد العلماء على الحيوانات الصغيرة أو الأنسجة لنمذجة أمراض الشيخوخة، التي لا تعيد إنتاج حالة الشيخوخة بدقة، بل انهم طبقوا بعض التجارب على بعض الانواع من الديدان ونجحوا في إطالة معدل الاعمار لها بمعدل 40%.
ما سبق يجعلني اتساءل عن العلاقة بين التطور وبين التحول في مسلمات المنظومات المعرفية، فإذا نجحت في تحدي هذه المسلمات فقد دفعت التطور ( فمن كان يتخيل ان هناك امكانية لالغاء الزمن والمسافة ..فأنت الآن تستطيع بالزوم (Zoom) ان تشارك في ندوة تبعد عنك ثلاثة آلاف كيلومتر ويراك الحضور وتراهم ويسمعونك وتسمعهم وكأنك في نفس المكان ..بل من عاش التجربة ينسى انه ليس مع الحضور في مكان واحد…) وإذا فشلت فكم عدد النتائج التي اكتشفتها خلال رحلة الفشل هذه، فقد يكون عددها اكثر من نتائج النجاح…
لكن الجانب الآخر هو في التداعيات التي تترتب على النجاح او الفشل، وتخيل للحظة لو تتوقف الكهرباء، او يتوقف الانترنت او تلغى وسائل المواصلات البرية والبحرية والجوية او ….الخ، سيضطرب اغلب النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يعني ان المستقبل سيكون لصالح من يعمل على استحضاره والاستعداد له قبل ان يصل، فالمستقبل هو الضيف الاجباري ، فلكي تُحسن استقباله قم بواجبات الضيافة له..وهذا تحدٍ جديد لمسلماتك..ربما.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب