ثقافة وفنون

فن «الملحون» المغربي: تراث إنساني غير مادي

فن «الملحون» المغربي: تراث إنساني غير مادي

عبد العزيز بنعبو

الرباط ـ  احتفى المغرب بالذكرى الأولى لتصنيف تراث فن الملحون تراثا إنسانيا لا ماديا لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) بالإعلان عن إطلاق «أنطولوجيا: من عيون دواوين الملحون»، الذي يوثق سمعيا وبصريا لهذا الفن الذي يعتبر ديوان المغاربة، من طرف أكاديمية المملكة المغربية. الأنطولوجيا التي تضم 120 نصا شعريا انتقتها لجنة خاصة، قال عنها الباحث والفنان عبد المجيد فنيش المنسق العام للجنة إعداد هذه الأنطولوجيا، إنها تأتي بعد إصدارات الأكاديمية التي همت سلسلة دواوين مكتوبة للملحون والتي وصفها بـ»القفزة المهمة»، مبرزا أن الاشتغال على هذا التوثيق الصوتي البصري لهذا الفن، تطلب سنة كاملة من العمل.
وأوضح فنيش متحدثا لـ»القدس العربي»، أن اشتغال أكاديمية المملكة المغربية على توثيق فن الملحون، يدخل في سياق العناية التي يوليها العاهل المغربي محمد السادس لهذا الموروث الأصيل، مبرزا أنه خلال المؤتمر الصحافي الذي شهد الإعلان عن إطلاق هذه الأنطولوجيا، عرف تقديم عرض من طرف مقرر الأكاديمية. واعتبر المتحدث أن الأنطولوجيا السمعية البصرية تجربة تدخل في إطار اهتمام أكاديمية المملكة المغربية بهذا الفن الأصيل، وضمن سلسلة منجزاتها في خدمته، موضحا أنها تتضمن 60 قصيدة و60 سرابة (السرابة هي مقدمة لحنية تجمع جميع أنماط الملحون). وأضاف أن هذا العمل التوثيقي السمعي البصري، تميز بمشاركة 110 من الفنانين، موسيقيين ومنشدين من داخل المغرب وخارجه بمختلف أجيالهم، كما استحضر الأغراض والبناءات العروضية، إلى جانب اللمسات الإبداعية المجددة التي لا تتعارض بشكل مطلق مع هوية هذا الفن الحقيقية.
من جهته، ثمّن الفنان والباحث الموسيقي عبد السلام الخلوفي فكرة إطلاق «أنطولوجيا من عيون دواوين الملحون»، مثل «كل غيور على موروثنا الغنائي الغني والمتعدد المشارب»، واعتبرها «محطة أخرى، ضمن المحطات المتعددة التي انطلقت فيها أكاديمية المملكة منذ سنوات عديدة»، في الحفاظ على فن الملحون، واستعرض الخلوفي متحدثا لـ»القدس العربي»، بعض ملامح تلك المحطات مثل «إصدار (معلمة الملحون) في أجزاء للعلامة محمد الفاسي، ومرورا بجمع مجموعة دواوين تقترب من الرقم الخامس عشر، لأعلام شعراء فن القول المغربي البليغ، صدرت في شكل بديع وبطباعة فاخرة، وصولا إلى إعداد ملف مهم عن هذا الفن للترافع من خلال وزارة الثقافة المغربية كجهاز وصي، لإدراج هذا التراث ضمن القائمة التمثيلية للتراث الإنساني اللامادي لدى منظمة اليونسكو، وهو الأمر الذي تحقق بفضل مجهودات أكاديمية المملكة وأمين سرها الدائم عبد الجليل الحجمري، ووزارة الثقافة المغربية قبل أكثر من سنة، ليتوج الأمر بفكرة إصدار أنطولوجيا لعيون دواوين الملحون».

وشدد الخلوفي المعروف بإعداد برامج تلفزيونية تعنى بالموسيقى الأندلسية، أو طرب الآلة وفني الملحون والسماع، أن إنجاز هذه الأنطولوجيا، هو «أمر محمود وطيب للغاية، من حيث سعيه لتوثيق ذاكرتنا وحفظها، وفكرة جريئة ما علينا إلا تثمينها». وأوضح أن «الحكم على نتائجها يبقى رهينا بالاستماع لهذه الأنطولوجيا»، مشددا على أنه «من السابق لأوانه الحديث عن جودة مضمونها»، واستطرد بالقول إنه «مهما كانت النتيجة فهي خطوة أولى مهمة، على درب التوثيق والحفظ، وتجويدها سيكون بحصول التراكم، وبالاستمرار في عملية التوثيق المهمة جداً لحفظ الذاكرة». واعتبر أنه من البديهي أن تساهم هذه الأنطولوجيا في الحفاظ على هذا الموروث الفني الأصيل وتطويره، لأن «الذي ضمن لنا استمرار موروثنا، منذ سنوات خلت هو التوثيق بكل أشكاله، بتدوين النصوص والحفظ في الصدور، والحرص على استمراريتها بالتواتر الشفهي في مرحلة أولى، وعندما دخلنا عصر الراديو والفونوغراف وثقنا هذه الفنون سمعيا، وعندما دخلنا عصر التلفزيون وثقناها بصرياً، ولا شك أن تعدد الوسائط اليوم يجعلنا أمام تحدي جعل فن الملحون حاضراً في منصات التواصل الاجتماعي بأنواعها كافة، ولعل مرحلة ما بعد تسجيل الأنطولوجيا، هي مرحلة البث والنشر، حتى تصل هذه التسجيلات لأكبر قدر من المتلقين».
من الأصوات النسائية التي برزت في فن الملحون، نجد الفنانة المنشدة ماجدة اليحياوي، التي عبرت عن «الفخر والاعتزاز والامتنان، لما تبذله الجهات المسؤولة من اهتمام بتراثنا المغربي المتجذر في التاريخ وانشغالها بصونه والحفاظ عليه». وبعد أن استحضرت في حديثها لـ»القدس العربي»، إصدار أكاديمية المملكة المغربية لعدة دواوين لشعراء الملحون، أبرزت أنه بعد ذلك تأتي الأنطولوجيا التي تعتبر وثيقة سمعية بصرية لذلك «نحن سعداء طبعا بهذا المشروع الفني، وقد لا تتمكن الكلمات من وصف قوة أحاسيسنا وصدقها ومدى فخرنا، ونحن نعيش أولا الاحتفاء بالذكرى الأولى لاعتراف اليونسكو بفن الملحون كتراث إنساني وليس ماديا، وثانيا إطلاق هذه الأنطولوجيا».
وعن سعي الأنطولوجيا للحفاظ على هذا الموروث الفني الأصيل، أكدت ماجدة اليحياوي، أنه «بكل تأكيد، فقد نادى من كانوا قبلنا وجيلنا كذلك بالحفاظ عليه لما يحمله من درر إبداعية مذهلة»، وزادت موضحة أن فن الملحون «رصد لنا منذ نشأته ما يروج في المجتمع المغربي وعبّر عنه بقصائد دينية واجتماعية ووطنية وغيرها، فأصبح بذلك وثيقة مهمه تشهد على حضارة مغربية عريقة ضاربة في التاريخ». الأثر الذي خلفته الأنطولوجيا على نفوس رواده ورواد الموسيقى الآلة (الموسيقى الاندلسية)، عبر عنه الفنان عدنان السفياني، بالقول إنه «بمجرد الإعلان عن إطلاق الأنطولوجيا، انتابني شعور وإحساس رائع، وقلت مع نفسي، أخيرا تحقق هذا الحلم، حلم (أنطولوجيا من عيون دواوين الملحون)»، التي اعتبرها المتحدث «سابقة» وأرجع الفضل في إنجازها إلى «مجموعة من المناضلين والباحثين والكوادر والعازفين»، وكل ذلك «محبة في هذا الفن المغربي الأصيل».
وحسب المتحدث، فإن هذه الأنطولوجيا، «ثمرة لمجهود سنوات»، مبرزا أنه بعد اعتراف اليونسكو بالملحون كتراث إنساني وليس ماديا، تأتي هذه البادرة القيمة وهذا التوثيق السمعي البصري، وهو حتما ما سيصل بفن الملحون «إلى العالمية بطريقة حديثة». وبعد أن عبّر عن استبشاره بهذا العمل، أكد السفياني متحدثا لـ»القدس العربي»، أن ذلك «لم يأت من فراغ»، بل نتيجة مجهود كبير للجنة المشرفة عليه وأكاديمية المملكة»، وأشار إلى أنه أحد المساهمين «في هذا المشروع النبيل الأصيل»، الذي من خلاله «نبني تراثنا بطريقة حديثة».
في السياق ذاته، يرى توفيق أبرام، الشاعر والباحث والممارس ضمن الملحون، أن إطلاق هذه الأنطولوجيا «سيساهم في استمرار هذا الفن ورواجه وتوهجه»، كما أنه «سيسهل الأمر على من يرغب في البحث والدراسة، خصوصا أن هذه العملية شملت بعض القياسات لقصائد لم تنشد ولم تتعود عليها أذن المستمع، والأجمل من ذلك أنها ستكون بأصوات من مختلف الأجيال، وكان لكل جهة من المغرب نصيب من المشاركة، من العيون عاصمة الأقاليم الجنوبية ووجدة عاصمة الشرق وشفشاون الجوهرة الشمالية والقنيطرة عاصمة الغرب وتارودانت عاصمة سوس، إضافة إلى حصون وقلاع الملحون التاريخية تافيلالت ومراكش وسلا ومكناس وفاس وأزمور وأسفي».
وتوقف توفيق أبرام في تصريحه لـ»القدس العربي»، عن العرفان لمن كانوا وراء هذا المشروع، مؤكدا أن «هذا الأمر لم يكن ممكنا لولا عبقرية فنان راكم تجربة كبيرة في الإخراج المسرحي والإعلامي وباحث في التراث الشعبي، ويتعلق الأمر بعبد المجيد فنيش، الذي قادنا وحلق بنا في عوالم إبداعية جديدة توحد الرؤيا وتنفض الغبار عن موروث ظل لزمن محكوما عليه بالركود، كما أنه آمن مثلما آمن جيلنا بأن الملحون لن يستمر إلا بالتجديد والتطوير».
الجدير بالذكر، أنه منذ تصنيف اليونيسكو لفن الملحون كتراث إنساني لا ماديا، في كانون الأول/ ديسمبر 2023، انطلقت مظاهر الاحتفال بهذا الحدث في حينه، من خلال العديد من الأنشطة والمهرجانات، ومؤخرا أصدر بريد المغرب بتنسيق مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، طابعا بريديا خاصا بفن الملحون بمناسبة الذكرى الأولى لإدراجه ضمن قائمة التراث الثقافي اللامادي لهذه المنظمة الأممية.

«القدس العربي» :

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب