مقالات
سوريا حوار ومصالحة مهمة وطنية لاتقبل التأجيل بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق سوريا –
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق سوريا -
سوريا حوار ومصالحة مهمة وطنية لاتقبل التأجيل
بقلم الاستاذ الدكتور عزالدين الدياب -استاذ جامعي -دمشق سوريا –
كان إدخال الجيش العربي السوري في السياسة والحكم،أحد العناوين في المراهنة على بلوغ السلطة والدولة،وكان التسابق على دخول الكلية العسكرية،بين شباب سوريا،تأتي في سياق الوصول للحكم.
والمعروف أن الأحزاب كان لها نصيبها ،في تشجيع من ينتسبون اليها،للالتحاق بالكلية العسكرية،لتكون لهم قوة في بنية الجيش،يفرضون من خلالها وجودهم السياسي،في لحظات الصراع بين هذه الأحزاب.
ومن يقرأ تاريخ بنية الجيش السوري،مابعد الاستقلال يلاحظ أن أمثلة ومشاهد لهذه الصراعات،وخاصة بين الحزب القومي السوري،وحزب البعث العربي الاشتراكي،وترى وجها من وجوه هذا الصراع،في استشهاد العقيد عدنان المالكي.
لانريد التفصيل في إشكالات هذا الصراع،وما آل إليه،فتلك مهمة نتركها للمؤرخين،ليشبعوعها بحثاً تفصيلاً،ومن ثم وضع المعاني السياسية والعقائدية،لتكون ملتقى للحوار بينهم من أجل الاستفادة من دروسها،لأنّ في التاريخ دائماً دروس وعبر،تقرأ من قبل الأجيال العربية السورية بعين وطنية، وببعد قومي عربي،يتناغم ويتفاعل مع الدور الذي تشغله سوريا،في معركة المصير العربي،وفق القانون القومي في تبادل الأدوار بين الأقطار العربية،في هذه المعركة.وغداة الثامن من آذار بدأت تتجلى للعين التي تقرأ بنية الجيش العربي السوري،صراعات الأحزاب داخل هذه البنية،تمهيداً من الانفصال الذي قضى على نواة حلم عربي بوحدة عربية،يكون لها شأنها في مستقبل الأيام،هذا الانفصال كان عتبة لتغير جذري في الحياة السورية،يوم قامت ثورة شعبية في العراق،قضت على حكم عبد الكريم قاسم،بسواعد بعثية،لم تنضج فيها الثقافة المجتمعية الشعبية،التي ترى في تاريخ الثورات التي شهدها العالم،وخاصة الثورة الشيوعية،التي أنتجت الاتحاد
السوفياتي، الدروس المستفادة بما يخص غداة الثورة من تغيير وتبديل،وإعادة تركيب بنية المجتمع العراقي،تبديلا يرتقي إلى مستوى المبادئ والأهداف والطموحات الوطنية المجتمعية،الواعدة بمجتمع عراقي يتجاوز بنيته القبلية،بما حوت من علاقات تجاوزها التاريخ،وثقافة مجتمعية تحتل فيها المواطنة،بكل محدداتها ،الأولوية الوطنية،ببعدها القومي العربي..وما حدث غداة يوم الثامن من آذار،من صراعات وانقلابات
وتصفيات في بنية الجيش العربي السوري،هيأت لمشهد جديد لم تألفه الحياة السورية،ولم تقبله إطلاقا،لأنه المشهد الذي حمل بتركيبته وسياساته،ما يعاكس ويعاند مما عرف عن الشعب العربي السوري من وحدة اجتماعية،شامة حسنها المواطنة التي تجلت مرة بوضوح لالبس فيه،وفي برلمان عطر هذه الشامة،حتى تاريخ قيام الجمهورية العربية المتحدة.
كان مشهدا رمادياً مرة،ومشهدا يغالب فيه السواد الألوان الأخرى،وبأن تتكرس ألوان هذا المشهد،في أعقاب،ماسمي حركة التصحيح،وصولا لحكم الوريث.
ويمكن القول بشفافية الوازع القومي الذي يقود هذه المداخلة،إنّ سوريا أُدْخِلَت في نفق من ثقافة الصراعات،دون الوطنية والمواطنة،وثقافة الكراهية التي تجد ألف بائها،في الفساد الذي طال الحياة السورية،بشكل لم تعرفه من قبل ،وفقدت الدولة كل مواصفات الدولة المعروفة وترعرعت إلى جانبها ثقافة الخوف،والموالاة للمصالح الفردية الأنانية الغرائزية،فتفككت بنية المجتمع العربي السوري،وانخرطت هذه الولاءات في انتماءات جهوية ومذهبية،وهيمن فيها وازع المحاباة والنفاق،وكل ما من شأنه يزيد هذه البنية
تفكيكًا،مصحوبا بصراعات عشائرية وجهوية وعصبوية،ومافاوية،وأصبحت سوريا مفتوحة،على تغيرات تهدد وحدتها،وكان لابد من التغيير الذي يستوعب الحالة السورية،بما هي عليه من فرقة وبغضاء،وولاءات شخصانية قائمة على المصلحة الشخصية.لن ندخل في ملابسات التغيير،ونبتعد عن قصد التحليل التآمري،إذا جاز هذا التعبير،الذي يدخلنا في متاهات تبعدنا عن رؤية الحلول الوطنية للمشهد السوري،بما حمل من تاريخ
1970،وحتى يوم الفاتح من كانون الأول،وأسئلتنا عنه،وعن ثقافته،وخلفياته،وتركيبة مفاصل القوة في بنيته العسكرية والثقافية،فتلك الأسئلة طرحناها في مداخلات سابقة،كانت تريد تسليط الأضواء على قضايا التغيير،بدءاً من بنية الجيش،وصولاً لشكل الحكم،ومستقبل الوحدة الوطنية السورية العربية.
كل الذي قلناه،حتى هذه اللحظة،يريد أن يمهد لقول مسؤول،وبناء على ملاحظة سلوكيات مجتمعية فردية،منقادة بثقافة الثار مرة،وثقافة الغل مرة ثانية،ومرة ثالثة بثقافة الشماتة والوعيد،وثقافة الاعتداء على هذا المسؤول السابق،بعقلية التشفي الهمجية،يجب وقف هذه المشاهد،بل محوها من الحياة السورية،وإغناء ثقافة المحبة والوحدة الاجتماعية،وثقافة التعاون والتآزر .لكن هذا لن تبلغه الحياة السورية،إلاّ إذا حمل التغيير مشاهد جديدة يرى فيها المواطن أمنه الوطني والثقافي،وكل الأمور الإيجابية الغائبة من الحياة السورية،حتى هذه اللحظة.
مالعمل؟ ذلك السؤال المجتمعي الذي يشكل هماً وطنياً باقتدار الحوار الاجتماعي ، والمصالحة المجتمعية،التي تبدأ باعلام وطني يغني لغة الحوار اليومية،ومصالحه وطنية تبدأ بخطوات إجرائية تبدأ من لقمة العيش،والأمن،والكهرباء،وتحديد الأسعار بما يتكافئ مع الدخل الذي يسكن النفق المظلم من عقد ونيّف،والعدالة بكل مستحقاتها.
إذن؛الحوار الاجتماعي اليومي،والمصالحة التي يراها المواطن السوري،بتجاوز كل مآسي الماضي،وماحمل،على أساس أنّ العدل أساس الملك،الذي يتمثل بتحديد الفرص لتصحيح مالم يصحح.
د-عزالدين حسن الدياب