خطة أميركية لـ«اليوم التالي»: قوات دولية… وحُكم «خارجي»
خطة أميركية لـ«اليوم التالي»: قوات دولية… وحُكم «خارجي»
ريم هاني
لا يستسيغ صنّاع السياسة الإسرائيليون، على الأغلب، استعجال الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب في غزة، على الرغم من الأثمان المرتفعة للقتال الذي أصبح، منذ مدة طويلة، عبثياً وتدميرياً، أكثر من كونه قادراً على تحقيق أي أهداف عملية؛ إذ إنّ «العائدات» المترتبة على استكمال الحرب الإسرائيلية المطوّلة، تتضاءل باطّراد، فيما لا تزال تكلفتها باهظة، طبقاً للعديد من المراقبين، ولا سيما أنّ جيش الاحتلال يتكبّد خسائر منتظمة، بينما الحرب تثقل كاهل الاقتصاد والعائلات في الأراضي المحتلة.
وعلى الرغم من ذلك، يشير تقرير أوردته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية إلى أنّ تمسك إسرائيل، طوال الفترة الماضية، باستمرار الحرب، كان مدفوعاً بحقيقة أنّها «لم تقهر (حماس)»، وفق ما كانت قد توعدت به في أعقاب عملية «طوفان الأقصى»، في وقت يقر فيه جيش الاحتلال بأنّ لدى «حماس» نحو 18 ألف مقاتل، نصفهم في وحدات منظمة، فيما تستمر عمليات استقطاب المقاتلين إلى صفوفها بـ»وتيرة أسرع من تلك التي يقضي بها الجيش الإسرائيلي على أعضائها». وتُضاف إلى ذلك، حسابات بنيامين نتنياهو الشخصية الضيقة، والتي باتت واضحة للجميع، حيث يتخوف الأخير من المخاطرة بفقدان «عباءة زعيم الحرب»، مع ما سيترتب على ذلك من احتمال تفكيك الأعضاء المتطرفين في حكومته للائتلاف الذي يقوده، وخسارته في أي انتخابات مبكرة محتملة، جنباً إلى جنب خضوعه للمحاسبة القضائية، التي ستحمّله، ولو جزئياً، مسؤولية وقوع عملية السابع من أكتوبر.
وحالياً، يعمد بعض نشطاء اليمين المتطرف الإسرائيليين إلى تنظيم مسيرات على طول الحدود مع غزة، وداخلها حتى، آملين بأن يتمكنوا من بناء مستوطنات مؤقتة على طول «الحدود»، للتوغل لاحقاً إلى داخل غزة، ويدعو ممثلوهم في «الكنيست» إلى الإبقاء على وجود الجيش الإسرائيلي داخل القطاع، فيما اختفت الفكرة التي دعت، بداية الحرب، إلى «استبدال» حكم «حماس» بالسلطة الفلسطينية و/أو سلطة مكوّنة من القوى الإقليمية، عن جدول أعمال حكومة الاحتلال. على أنّ أصحاب الرأي المذكور أعلاه يجادلون بأنّه «بالنسبة إلى غالبية الإسرائيليين الذين لا يشاركون اليمين المتطرف أحلامه»، فإن إحياء الاحتلال في غزة، أو الضم الكامل أو الجزئي للقطاع، يطرح، بدوره «إشكالية» بالنسبة إلى إسرائيل؛ فبعدما كانت الحرب مكلفة للعدو من نواحي «التكلفة والقوى العاملة ومعنويات الجيش وانضباطه»، والتي ازدادت، طوال الأشهر الماضية، سوءاً، فإنّ فكرة الاحتلال ستفاقم المشاكل المشار إليها. ويردف التقرير أنّ العبء الدفاعي المتزايد الذي ستواجهه إسرائيل مستقبلاً، سيتفاقم في حال إبقاء القوات الإسرائيلية داخل القطاع. كما ستؤدي مثل تلك الخطوة إلى «نمو المقاومة الفلسطينية»، وجعل إسرائيل أكثر عزلة في أوساط حلفائها الغربيين، بمن فيهم إدارة دونالد ترامب القادمة، فيما قد تتلاشى حظوظ إبرام اتفاقية تطبيع بينها وبين السعودية بشكل كامل.
بلينكن يعدّ «خطته»
وعلى الرغم من أنّ ترامب لم يعلن، حتى اللحظة، عن أي خطط واضحة لمستقبل غزة ما بعد الحرب، مكتفياً بالتلويح بالتسبب بمزيد من «الجحيم» في المنطقة، في حال عدم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بحلول موعد تنصيبه، فقد استأنفت إدارة جو بايدن الحالية، في أيامها الأخيرة، العمل على «خطتها» حول «اليوم التالي» في القطاع، بهدف «تسليمها» للإدارة القادمة. وفي خضمّ المؤشرات التي تنذر بإمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار، أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أمس، عن خطته لـ»إعادة بناء غزة وحكمها»، في خطاب أمام «المجلس الأطلسي». وفي اليوم الذي سبق الخطاب، أفاد موقع «أكسيوس» بأنّ خطة بلينكن تحولت إلى قضية مثيرة للجدل داخل وزارة الخارجية ومصدر للقلق الداخلي، وسط تخوف بعض مسؤولي الخارجية من أنّها ستخدم مصالح نتنياهو «وتهمّش السلطة الفلسطينية». وفي تشرين الأول الماضي، كان الموقع نفسه قد ذكر أنّ الخطة تستند إلى أفكار «طوّرتها» إسرائيل مع الإمارات، بهدف طرحها «بعد الانتخابات الرئاسية». وهي تستند إلى إنشاء آلية حكم تشمل مشاركة المجتمع الدولي والدول العربية، التي يمكنها أيضاً «إرسال قوات إلى غزة لتحقيق الاستقرار الأمني وإيصال المساعدات الإنسانية».
وطبقاً للموقع، لا يزال بلينكن متمسكاً بـ»المبادئ» التي أعلن عنها في طوكيو، في بدايات الحرب، في ما يتعلق بمعارضة «أي احتلال إسرائيلي دائم لغزة أو تقليص أراضيها أو النقل القسري للفلسطينيين خارجها»، وبإجراء «إصلاحات» داخل السلطة الفلسطينية، لكي تكون جزءاً «من أي حكومة مستقبلية في غزة». وبعدما عيّن بلينكن مستشاره، جيمي روبين، لتولي مهمة «خطة اليوم التالي»، سافر الأخير، قبل أسابيع، إلى إسرائيل والضفة الغربية، لمناقشة الخطة، فيما أكد مسؤولون أميركيون أنّ السلطة الفلسطينية سلّمت الإسرائيليين «قائمة من التحفظات» عليها. والجدير ذكره، هنا، أن حكومة الاحتلال لا تزال ترفض أي مشاركة فلسطينية في «خطة اليوم التالي»، على الرغم من موافقتها على أن يكون للدول العربية دور فيها.
«سيناريو» لبنان
توازياً مع ذلك، توحي التقارير التي تتداولها وسائل إعلام عبرية أخيراً، بأنّ المحللين الإسرائيليين يتخوفون من أنّه مع استعجال توصل ترامب إلى اتفاق، ترتفع مخاطر أن تعيد «حماس» تشكيل صفوفها، ويطالبون، بالتالي، بـ»آلية تبادل للأسرى» لا تسمح للمقاومة بـ»ترسيخ حكمها» في القطاع. وعلى عكس ما حصل في لبنان، يدعو هؤلاء إلى آلية حكم بمشاركة الولايات المتحدة، تشمل وجود قوات دولية – بمشاركة عربية – على الأرض. وفي صيغة «أقل تقييداً» من الإطار اللبناني، يرى هؤلاء أنّه من الضروري أن تكون لإسرائيل «حرية العمل الكاملة» في القطاع، وفقاً لحاجتها، لمنع «ظهور الإرهاب مجدداً».