ثقافة وفنون

فيلم «رجل ضد القانون»… نموذج سينمائي لجرائم لم تسقط بالتقادم

فيلم «رجل ضد القانون»… نموذج سينمائي لجرائم لم تسقط بالتقادم

كمال القاضي

في أواخر فترة الثمانينيات تزايدت أزمة الإسكان في مصر، وارتفعت الإيجارات وأسعار التمليك بشكل لافت، فأدى ذلك إلى ظهور مُشكلة أخرى أشد قسوة وضراوة تمثلت في انهيار عدد كبير من العمارات السكنية، نتيجة الغش في مكونات البناء من حديد تسليح وإسمنت وخلافه.
وإزاء هذه المُشكلة التي هددت الاستقرار وأرقت المواطنين، خاصة من المُنتمين للطبقة المتوسطة والطبقة الأقل دخلاً، انتفضت السينما وحاولت التصدي للظاهرة السلبية المُرعبة فتم إنتاج عدة أفلام ناقشت القضية القومية الإنسانية من عدة جوانب، وكان من بين هذه الأفلام فيلم «رجل ضد القانون» المُنتج عام 1988 تأليف وإخراج حاتم راضي وبطولة محمود ياسين وميرفت أمين وحنان شوقي وهياتم وطارق دسوقي وعبد الحفيظ التطاوي وآخرين.


ولأن القضية كانت شديدة الأهمية والخطورة لاقى الفيلم استحساناً جماهيرياً إبان عرضه الأول وبالقطع ساهم وجود البطلين الرئيسيين ميرفت أمين ومحمود ياسين في رواجه ونجاحه، رغم محلية الأحداث ونمطية الأداء وتقليدية الطرح إلى حد كبير. لكن ثمة أهمية تم اكتشافها بعد مرور سنوات على تاريخ إنتاج الفيلم وعرضه، ربما لاضطلاع السينما بمسؤوليتها الاجتماعية تجاه تعدد حوادث انهيار العمارات وإزهاق عشرات الأرواح من المواطنين الأبرياء، الذين راحوا ضحية الفساد والتلاعب والتواطؤ آنذاك من بعض المُقاولين ومسؤولي الأجهزة المعنية، الذين أعمتهم الرشوة عن القيام بأدوارهم في المُحافظة على سلامة البنية التحتية لمشروعات التعمير والإسكان. ولأن الصحافة كانت في تلك الفترة هي لسان حال الفقراء والمنكوبين، دون غيرها من الوسائط الإعلامية الأخرى قبل ظهور الفضائيات، تم التعويل عليها بشكل أساسي لتلعب دوراً رئيسياً في فضح الفاسدين وكشف ملابسات الحوادث المُتكررة، وهي نقطة القوة الواضحة في الفيلم والداعمة لعملية المُعالجة الدرامية، فقد لعبت ميرفت أمين دور الصحافية التي تقتفي أثر الجرائم وتُحقق فيها، وهو دور جسدته البطلة والنجمة الكبيرة في أكثر من فيلم، كان أبرزها «أبناء الصمت» مع محمود مرسي ونور الشريف.
لقد استطاعت ميرفت أمين التنويه بالدور الإيجابي للصحافة في مساحة محدودة لم تكن كافية لمناقشة القضية الحساسة والدقيقة، واستبيان كل أبعادها، حيث انشغل المؤلف والمخرج حاتم راضي بالقصة العاطفية الناشئة بينها وبين البطل الثانوي طارق دسوقي والتحديات التي واجهتها للحيلولة دون تقدمها في السياق الرومانسي المُستهدف. وفي الوقت نفسه انصرف اهتمام الكاتب والمخرج إلى التركيز على رد فعل محمود ياسين أو المعلم فرج، مقاول البناء والهدم، حسب تعبيره، تجاه حُبه للصحافية ورغبته القوية في الزواج منها ليعوض بها نقصه الاجتماعي والعلمي والثقافي، وسنوات الحرمان التي قضاها في السجن، على الرغم من كونه زوجاً لامرأة جميلة وقوية «هياتم» التي حفظت غيبته وصانت وده طوال سنوات الغياب!
لقد حاول المخرج الإشارة إلى طمع المعلم فرج ونهمه وجشعه، بلفت النظر إلى جبروته وشهوانيته وحُبه للنساء، كدليل على شخصيته وتكوينه الإنساني المُنحرف، بمباشره فجه زادت عن المطلوب وأضعفت الفكرة العامة المبني عليها الأحداث، وهي جرائم الغش ونتائج الاستهتار والإهمال والفوضى، إذ لم تكن القضية تخُص المقاول فحسب، وإنما اختصت بها أطراف أخرى توارت في الظل، كان ينبغي الإشارة إليهم ولو بشكل رمزي ليُحيط المواطن بكل أركان الأزمة وأسبابها القوية. ولعل هذا الإخفاق في توسيع دائرة الصراع والاقتصار فقط على محليته وحصره داخل المنطقة الشعبية كان مرده الخوف من الاعتراض الرقابي حينئذ، بالإضافة إلى عدم توافر الخبرة الكافية لكتابة وإخراج مثل هذه النوعية من الأفلام، التي تحمل في متنها الكثير من التفاصيل المُتشابكة ما بين سياسي واجتماعي وإبداعي. لقد أدى هذا التهافت في التناول إلى تقليص مساحة الوعي لدى الشخصيات الثانوية كالمُمثل القدير عبد الحفيظ التطاوي وفاروق يوسف وحنان شوقي وعزيزة حلمي، فضلاً عن انسحاب الصحافية (ميرفت أمين) من ميدان المواجهة واختيارها الهروب بعيداً عن الحارة التي تُمثل موطن المُشكلة، الأمر الذي دعا المعلم فرج (محمود ياسين) إلى اختطافها لإظهار قدرته على امتلاكها بالقوة وهو ما دفع ثمنه فادحاً، إذ تم قتله من قبل زوجته هياتم التي استعرت نيران الغيرة في داخلها فتعقبته وأطلقت عليه عدة رصاصات فأردته قتيلاً!
نهاية تقليدية بائسة لم ترقَ لمستوى الأحداث ولا طبيعة القضية المُثارة، حيث كان من المنطقي أن يتم التعامل قانوناً مع رمز الفساد من جانب رجال البوليس والقانون بوصفهما القوتين الرادعتين، التنفيذية والتشريعية بدلاً من قتله بتدبير نسائي إعمالاً بمبدأ كيد النساء! الشخصية الوحيدة التي كانت فاعلة في هذا الفيلم الذي ينقصه الكثير هي شخصية طارق الدسوقي، الشاب المُتعلم المُثقف الذي تبنى مبدأ المواجهة من اللحظة الأولى لاحتكاكه بالبطل المُستبد وهذا ما يُرسخ الفكرة الصائبة بأن العلم والفكر هما السلاحان المُناسبان لمقاومة الجريمة والفساد في المُجتمعات التي تُعاني من الأمية والفقر والجهل.

كاتب مصري

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب