وما نيل المطالب بالتمني
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
وما نيل المطالب بالتمني … ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً
وما استعصى على قوم منال … إذا الاقدام كان لهم ركاباً
هذه الأبيات الرائعة لأمير الشعراء أحمد شوقي، تحض على العمل والنضال دون توقف، فالاهداف الكبيرة تحتاج نفوسا كبيرة …
مهما كنت واعياً، ومهما كنت مثقفاً، وذكياً، فقد تفوتك مسألة جوهرية، يمكن أن تعيد صياغة أرائك ومواقفك، وقد تضيف لك قوة روحية تعينك على تحمل وزر الجبال .. وتجاوز المصائب … بقدرة صبر وتحمل … وأعلم أن الرجال الأفذاذ فقط هم القادرون على احتمال عبأ الكوارث والمصائب …
الله سبحانه وتعالى أختار من بين نساء العالم مريم ابنة عمران، لمهمة خلق نبيه للبشرية عيسى المسيح … وحتما لمواصفات وشروط غير عادية، ومع ذلك فإن هذه السيدة البتول العظيمة قالت حين حملت وحين جاءها المخاض ” يا ليتني مِت قبل هذا وكنت نسيا منسِيا ” (23/ سورة مريم) وهي لم تكن تتصور أن الجنين الذي في بطنها هو نبي …أرسله الله للبشرية، وأنها اختيرت لهذه الواسطة الإلهية، وسيبقى ذكره مقدساً إلى أن يرث الله ومن عليها، ومعه أمه مريم العذراء رمز المحبة، ورمز الأمومة، ورمزاً لأحتمال الآلام … منذ 2025 عاماً …!
ويعكس الكاتب الألماني هاينز كونزاليز في روايته عن الثورة العمالية في البرازيل، ” إنهم لا يستطيعون تجويعنا بعد أكثر، وعندما ستهدر القنابل والمدفعية الثقيلة سنكون قد أوقدنا شعلة الحرية في كافة أرجاء الوطن. لا يمكن إيقافنا.. البرازيل قد أفاقت “.
والدكتور سنتالوس بحديثه هذا لربما يدرك بذكائه وهو رجل مثقف أن معركته خاسرة على المدى القصير، ولكنها رابحة على المدى البعيد، إن إستراتيجية التحرر هي في مواصلة النضال الدامي وانتزاع المكاسب وبالتالي الانتصارات من أيدي خصومهم لن يتم إلا عبر أشلائهم ونضالهم هو الوحيد الذي ينهي عبوديتهم وهذا الموقف النضالي لا يعبر عن اليأس أو التورط، فهذه حسابات سياسية تقليدية لا يتعامل بها الثوريون والمؤمنون بقوة الشعب وإرادته.
بل أن قائد الثورة واع للمشكلات التي تصاحب العمل الثوري واحتمالات الإخفاق بقوله ” هؤلاء البشر الذين تركوكم لوحدكم هل يستحقون ذلك ..؟ ” هو موقف يعبر عن وعي عميق بالقوة الكامنة لدى الشعب، فهو ينظر إلى جماهير الانتفاضة ” وهل بوسع أحد إيقاف مسيرة هؤلاء، لقد أشتعل البركان، دعه يندلع إلى أن يتداعى نهائياً “. وكل عمل نضالي مقاوم في المحصلة النهائية سيصب في طاحونة الثورة والتغير ..
ويبلغ هذا الوعي ذروته عندما يوجه الشاهد اللوم إلى قائد الثورة بأن الانتفاضة لا تجد استجابة في أي مكان، وإن الناس سينسون تضحياتهم، ومشاهدة مباراة بكرة القدم هي أهم من نضالهم وموتهم، فبجيب قائد الثورة: ” هناك أعمال فردية لدعم الانتفاضة ولكن حتى قيام الانتفاضة العظمى والثورة سنكون نحن القدوة ” فيسأل الشاهد وهل يستحق ذلك الموت هكذا بعذاب ؟ فيجيبه ” نعم، فبدون نموذج أعلى لا توجد هناك ثورة، هل كانت ستوجد مسيحية بدون مسيح معلق على الصليب ؟”. فالذين صلبوا المسيحة اعتقدوا أنهم سينهون المسيحيةـ ولكنهم في الواقع رفعوها لمستوى لا يمكن القضاء عليها.
في هذا المثل الإلهي، عبرة كبيرة ودرساً كبيراً، ذكرني به بالأمس أخ عزيز، أن بعض الكوارث والالآم قد تحمل في طياتها الكرامات وانبلاج الفجر الجديد .. فلكي تستحق الشهادة الكبيرة، عليك أن تدرس كثيرا وتتعب طويلاً، وإذا ابتليت ببلوة كبيرة، فإن الأيام ستحمل لك فجرا عظيماً فكن قدر هذا الحمل التاريخي الثقيل لتنال فجرا كبيرا … فالضعيف الخائر القوى ليس بمؤهل لأحتمال تبعات نصر .. ولن تحصل على نتيجة كبيرة بلا تضحيات كبيرة …!