العلمانية في الفكر العربي ( 2- 4)
عرض : علي رهيف الربيعي
يمكن تقسيم العلمانيين العرب إلى قسمين : علمانيين مسيحيين وعلمانيين مسلمين . فالعلمانية المسيحية التي قادها رجال فكر مسيحيون قد نشأت ضمن ظروف خاصة وتلبية لحاجات نفسية واجتماعية وسياسية مختلفة عن الحاجات والرغبات التي ظهرت في العلمانية الإسلامية . صحيح ان المحيط العام كان هو نفسه، الشرق العربي الخاضع للسلطنة العثمانية ، إلا ان النظرة هذا المحيط قد ادت إلى هذا التمايز . فالفكر المسيحي كان في احيان كثيرة يشعر بغربته عن هذا المحيط الشامل ويرتد إلى البحث عن وطن أصغر ، فكانت سورية مثلا بالنسبة لعدد منهم الوطن الذي يقابل الإمبراطورية العثمانية ، وذلك تعبيرا عن عدم استطاعة المفكر المسيحي القبول بوطن هويته الإسلام ، وإيمانا منه بوطن يكون الولاء فيه لا للدين بل للقيم الوطنية والإجتماعية والإنسانية . ومن هنا كان الطرح القومي عنوانا كبيرا نادى به عدد كبير من العلمانيين المسيحيين كبديل عن التوجه والطرح الدينيين.
ماهي الخلفية الفكرية التي كانت وراء طروحات العلمانيين المسيحيين ؟ كان هؤلاء في طليعة الفئات التي استطاعت وقبل سواها من المسلمين تحقيق بعض السبق في تحصيل العلوم . وذلك لأسباب أهمها انتشار التعليم في اوساطهم بفضل ما استطاعت المدارس التي اسسها المبشرين والارساليات الأجنبية . وكان نمط التعليم في هذه المدارس مغايرا لما كان سائدا في المدارس الدينية الإسلامية . إذ دخلت الأساليب الحديثة وكان تعليم اللغات ، الفرنسية والانكليزية حافزا كبيرا مكن هؤلاء من الإطلاع على الفكر الغربي في مصادره الأصلية . فتعمقت بذلك الصلة بين هؤلاء المفكرين وبين آخر النظريات الاجتماعية والاقتصادية والسياسة التي كانت أوربا مسرحا لها في تلك الفترات. إلى جانب إجادة اللغة الأجنبية ، اجاد العلمانيون المسيحيون اللغة العربية إجادة جيدة . وقد ذهب العديد منهم إلى اعتبار هذه اللغة وحدها ، ودون الدين ، بمثابة الرابط الذي يجمع أبناء الوطن الواحد .
ادت هذه الخلفية إلى توثيق الصلة بين المفكرين المسيحيين والغرب . فلم يعد الغرب مخيفا بالنسبة لهم بقدر ما صار عالما يجب الأخذ بقيمه وعلومه ، ولم تعد الهجرة إلى الغرب عامل سلب أو اغتراب وبعد ، كما كان بالنسبة لقرنائهم من المفكرين المسلمين. إلا أنه تجد الإشارة إلى أن العلمانيين المسيحيين لم يوجهوا مطلقا دعوة للالتحاق بالغرب من الناحية السياسية ، إذ ان دعوتهم قد اقتصرت على الحرص على وطن عربي في معظم الأحيان ، وعلى إدخال قيم الحضارة الغربية وطرقها العلمانية . ولعل أقصى هذا الطرح قد تمثل بوطن مستقل علماني تفصل فيه الدولة عن الدين فصلا كليا . من هنا كان توجه هذا التيار العلماني توجها اجتماعيا انسانيا،
يتبع..
المصادر :
(1)الموسوعة الفلسفية العربية، المجلد الثاني، معهد الإنماء العربي
(2) حوراني، ألبرت، الفكر العربي في عصر النهضة،، بيروت، 1977
(3) شرابي، هشام، المثقفون العرب والغرب، دار النهار بيروت، 1981
2025 /01 /29