
العلمانية في الفكر العربي ( 3 – 4)
عرض : علي رهيف الربيعي
ان معظم العلمانيين المسيحيين قد دعوا لاعتماد نظام حكم سياسي ليبرالي تكون الأداة التمثيلية والطرق الديمقراطية عماده الأول. ومثل هذه الأنظمة كانت السائدة في بلدان أوربا وامريكا . ويتماشى هذا النظام مع التطلعات الإنسانية الليبرالية اولا ، كما ينسجم أيضا مع موقف العلمانيين الاجتماعي . إذ ان معظم العلمانيين المسيحيين كانوا من أبناء الطبقة الوسطى . وهذه النظم كانت وليدة هذه الطبقة في أوربا . لذلك لم يواجهوا في تبنيها اي حرج . هذا اولا ، ثم إن هذه النظم كانت بوعي منهم او بدون وعي ، البديل للحكومات التوتاليتارية التي يخضعون لها ، ونقدا غير مباشر أيضا لفكرة توحيد العالمين الديني والسياسي طبقا لمبدأ الخلافة الإسلامية . فالدعوة السياسية الليبرالية بوجهها العملي كانت تعني الفصل بين الزمني وبين الروحي ، بين الدين والدولة بالشكل الذي تحقق فيه ذلك في أوربا إذ حلت الدولة العلمانية مكان سلطة الكنيسة ومكان نفوذ رجال الدين.
إذ كانت العلمانية في جوهرها ومنطلقاتها دعوة لفصل الدين عن الدولة، فإن التصورات السياسية هي من اهم التصورات التي ابرزتها هذه الحركة . ففي هذا الإطار طرحت شعارات القومية كسبيل لإحياء رابط جديد بديل عن الرابط الديني . صحيح ان الطهطاوي كان السباق في ذلك ، لكن فكرة الولاء للوطن قد ظلت بالنسبة له ملازمة للولاء للدين . أما العلمانيين المسيحين فقد كان الدور الأول للغة لا للدين ، والولاء للإدارة التي يجب أن تكون منبثقة عن الأمة بشكل ديمقراطي، هكذا ابرزت فكرة الوطن وظهرت الدعوات القومية التي تراوحت بين الدعوة للاستقلال التام ، بل الانسلاخ عن الدولة العثمانية ، وبين نوع من لا مركزية إدارية تتيح للمجموعات ( أو للأقليات) إدارة شؤونها بذاتها . لقد ظهرت الوحدة الإجتماعية بديلا عن الوحدة الطائفية ، وكان ذلك بمثابة تعزيز لفكرة الوطن ، كما كان من جهة ثانية مقاومة للاستبداد الحميدي . ومن أبرز ممثلي هذا الاتجاه القومي نشير إلى بطرس البستاني 1819 – 1893 واديب إسحاق 1851 – 1885 ونجيب عازوري الذي الف بالفرنسية عام 1905 وانطون سعادة وسواهم. إلا أن التيار المتأخر من جيل القوميين وفي إطار السعي لتحديد معنى القومية كان اقرب للأخذ بتعريف أوسع لهذا المفهوم . فاللغة وحدها لا تكفى لتشكيل رابطا قوميا ، وإحياء التراث الأدبي واللغوي ليس كافيا من أجل تكوين رابط قومي عريض ، لأن الجزء الأكبر من هذا التراث له طابعه الديني المميز ، وهذا ما ادركه كل من قسطنطين زريق وادمون رباط ، وهما من دعاة القومية العلمانية ، على أن لا يشكل ذلك خروجا على الدين الإسلامي . فالدين الإسلامي يبقى الحاضن لهذا التراث ، حتى لو جرت التفرقة بين الأمور الدينية والأمور الزمنية في إطار كامل من العلمنة ، يظل الدين كحضارة عاملا موحدا ، إنه الجانب الروحي والاخلاقي للحياة السياسية . ولا علاقة للمحتوى المذهبي بالشأن السياسي.
أهم العلمانيين المسيحيين ( عن هشام شرابي ، المثقفون العرب، ص 146). احمد فارس الشدياق 1804 – 1887. أديب إسحاق ، 1856 – 1885. ناصيف اليازجي 1800 – 1871. ابراهيم اليازجي 1847 _ 1906 . بطرس البستاني 1893 – 1893، جرجي زيدان 1861 – 1914، لويس شيخو 1859 – 1927. عيسى اسكندر المعلوف 1869-1956. يعقوب صروف 1852 – 1927. شبلي الشميل 1860 – 1916. فرح أنطون 1871 – 1922. سليمان البستاني 1856 – 1925. أمين الريحاني 1876 – 1940.
يتبع..
المصادر :
(1) الموسوعة الفلسفية العربية، المجلد الثاني، معهد الإنماء العربي،
(2(حوراني، ألبرت، الفكر العربي في عصر النهضة. بيروت، 1977
(3) شرابي، هشام، المثقفون العرب والغرب، دار النهار، بيروت، 1981
2025 /01 /30