مقالات

العلمانية في الفكر العربي ( الحلقة 4 – والأخيرة) عرض : علي رهيف الربيعي

عرض : علي رهيف الربيعي

العلمانية في الفكر العربي ( الحلقة 4 – والأخيرة)
عرض : علي رهيف الربيعي
لا يقتصر وجود العلمانيين على المسيحيين وحدهم . ثمة تيارات عريضة من العلمانيين المسلمين قد شقت طريقها وسط فكر عصر النهضة متحدية بذلك الاتجاهات المحافظة والتقليدية . فالعلمانية في تحديها وجوب الفصل بين الدين والدولة مثلت بالنسبة للمسلمين إشكالية من نوع خاص ووضعتهم مباشرة تجاه السلطة المتمثلة بالخلافة ، اي باتحاد الديني مع الدنيوي ، وتجاه المصلحين الآخرين الذين كانوا في الغالبية من علماء الدين ويملكون السيطرة على المؤسسات الدينية الفاعلة كالأزهر مثلا.
فقد أدرك العلمانيون المسلمون ان صراعهم هو صراع مزدوج . صراع مع الاستبداد الذي تمثله الدولة العثمانية بنظامها المطلق . وصراع مع الغرب الذي تمثلت قوته الأساسية في تقدمه العلمي والصناعي والتقني . من هنا كانت الدعوة للاستزادة من العلوم وإطلاق التربية وتنظيمها من الدعوات العلمانية المبكرة سواء كانت دعوة عامة لما لدى عبد الرحمن الكواكبي 1849 – 1920، أو دعوة مبرمجة إلى حد ما، كما نجدها لدى قاسم امين 1863 – 1908 الذي يعتبر من اوائل العلمانيين المسلمين، من رواد التربية الحديثة.
كان قاسم امين جريئا وصاحب حس نقدي متميز. وقد أدرك شأن سائر المتنورين الآخرين ان العلم هو السبيل الوحيد الذي من خلال منهج تربوي متكامل يشارك فيه كل أفراد المجتمع ، بما في ذلك المرأة . ولكي يشارك الجميع في هذه العملية التربوية الشاملة لا بد من مناخ معين تكون الحرية فيه البند الأول .
إن قاسم امين ليس إلا نموذجا معينا من العلمانية الإسلامية التي برزت آنذاك . وهو لم يكن النموذج الوحيد رغم تميزه ، وذلك لتوسع المواضيع التي طرحتها هذه العلمانية . ففي إطار التفكير بالقومية يبرز اسم ساطع الحصري ( 1880 – 1968) كممثل للقومية العلمانية ، بشكل تفوق فيه على الأجيال السالفة من العلمانيين المسيحيين . وقد وضع الحصري نظرية منهجية منسجمة في بحثه في القومية العربية ، إذ أدرك وبتجربته ان الدين ليس بالضرورة الرابط الأول الذي تقوم على أساسه القوميات . بل ان رابط اللغة والثقافة المشتركة والمتميزة عن ثقافات الجوار لمن أقوى الروابط ومن اشدها لحمة. فالعرب أو الشعب العربي ، هم من يتكلم لغة واحدة حتى لو بدت هذه الأمة في مرحلة ما من تاريخها مجزاة إلى أوطان . كذلك رفض الحصري النظرية العرقية في تكوين القومية ، إذ لا وجود لأمة صافية العروق.
ومن الأسماء البارزة في إطار العلمانية الإسلامية يطالعنا اسم علي عبد الرازق 1888 – 1966 الذي يعتبر من أشد الأسماء بروزا لما التصق باسمه من ثورة اعتبرت في حينها ثورة على الإسلام بالذات . وكان السبب في ذلك وضعه لكتابه، الإسلام وأصول الحكم الذي الفه بعد اعلان النظام الكمالي في تركيا فصل الدين عن الدولة وإنهاء الخلافة رسميا . فظهرت محاولة علي عبد الرازق بمثابة تبرير لهذه الدعوة ومحاولة نظرية أراد من خلالها الإثبات ان الخلافة ليست ضرورية لأنها ليست من صلب الإسلام. وقد حاول عبد الرازق إثبات ذلك بكل الوسائل ، وخاصة بالرجوع إلى المصادر عينها التي استعملت سابقا لتبرير الخلافة ، اي بالعودة إلى النص والحديث وهما مصدرا كل تشريع في الأساس . أما فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية فيرى عبد الرازق ان ذلك قد تحقق فعلا بعد وفاة الرسول . فرسالة النبي الدينية انتهت بوفاته وانتخاب ابي بكر كان سابقة ارسلت الحياة السياسية ، ومركز الخلافة كان سياسيا ولم يكن دينيا.
لم يكن تيار العلمنة القاضي بهذا الفصل التام بين الدين والدولة على الشيخ علي عبد الرازق وإن كان أكثرهم دقة وجراة . فالدعوة هذه قد استمرت بعده وإن اتخذت أشكالا اقل تماسكا . نشير هنا إلى طه حسين 1889 – 1974 الذي شكك بانماط الفكر التقليدية حتى في كتابه المبكر . اعتمد طه حسين اسلوب الشك الديكارتي ومنهجية ديكارت التي تقضي بأن لا يسلم الإنسان بشيئ حق ما لم يبدو له بسيطا مقنعا ويقينا..
أهم العلمانيين المسلمين ( عن هشام شرابي ، المثقفون العرب والغرب ، ص 152) قاسم امين، عبد الرحمن الكواكبي، ولي الدين يكن، محمد كرد علي، شكيب أرسلان، رفيق العظم، احمد لطفي السيد، محمد حسين هيكل، معروف الرصافي، وصدقي الزهاوي، يضاف إليهم ساطع الحصري ، علي عبد الرازق، طه حسين، اسماعيل مظهر، عبد الرازق السنهوري.
انتهى..
المصادر :
(1) الموسوعة الفلسفية العربية، المجلد الثاني، معهد الإنماء العربي.
(2) حوراني، ألبرت، الفكر العربي في عصر النهضة، بيروت 1977.
(3) شرابي، هشام، المثقفون العرب والغرب، دار النهار، بيروت، 1981
2025 /01 /31

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب