منوعات

العنصرية كوجهة نظر: سوق تريندات رخيص و«نفسنة نسوان»

العنصرية كوجهة نظر: سوق تريندات رخيص و«نفسنة نسوان»

غادة بوشحيط

بين سخرية ترامب ونتنياهو من عذابات سكان غزة، تحرش نائب الرئيس الأمريكي بنظرائه الأوروبيين، وهوس مضمر لـ»رئيس العالم» بالأفكار التوسعية الجديدة، على الأقل من خلال المطالبة بضم كندا، «غرينلاند»، وموافقة بوتين على ضم أراض أوكرانية، تصاعد الأصوات المتطرفة (التي سنرى خلال عقد إن واصلنا بربطها بتجارب سابقة كالفاشية والنازية أو ستظهر لها مسميات أخرى)، تترسخ العنصرية يوما بعد يوم كوجهة نظر، زاوية رؤية، مقاربة، وحتى رأي حر.

تهم جاهزة

لا تزال تصريحات النائب في البرلمان التونسي فاطمة المسدي حول «تناسل» المهاجرين غير الشرعيين في البلاد تثير ردود أفعال متنوعة في تونس. الأمر ليس بالسابقة في تاريخ النائب المثيرة للجدل، فلا يكاد يمر شهر دون أن تتصدر مداخلاتها المشهد التونسي، آخرها مطالبة كفاءات تونس المهاجرة بدفع خمسين في المئة من تكاليف دراستهم التي أتموها في تونس لفائدة الجامعة التونسية التي خولتهم تكوينا مناسبا.
يشهد للسياسية تخصصها في ملف الهجرة غير النظامية الافريقية، لكن مطالبتها السلطات بإيجاد حل جذري لإيقاف نزف الولادات في صفوف الأمهات غير النظاميات، كان أكثر التصريحات التي أثارت ردود فعل متباينة، انشغل بالرد عليها حتى كتاب وحقوقيون تونسيون. التصريحات التي لم تشرح سبل منع «توالد الأفارقة» لم تحمل أيضا ما يمنع كل تأويل ممكن. «ذلك ما أتته الحركات الفاشية والنازية» علق كثر، «تلك صنيعة الاستعمارات.. بالمناسبة حرضت إيطاليا وفرنسا زمن جبروتهما على تعقيم التونسيات»، أشار البعض، «أنتم متأكدون أنها ليست بنائب عن حزب الليكود الإسرائيلي» سخر البعض، «تقدم فواصل ترفيهية مفيدة هذه السيدة»، «ماذا عن المتقاعدين الإيطاليين الذين يأتون للاستقرار في تونس؟ أليسوا مهاجرين غير شرعيين أيضا؟»، تساءل بحيرة بعض التونسيين. لكن ورغم السخط الكبير الذي تسببت فيه، فقد وجدت كثيرا من الأصوات المساندة لها على مواقع التواصل الاجتماعية: «لا يجوز التطرف إلا في حب الوطن»، «أنا أيضا عنصري»، «إنها على صواب وتعبر عن رأي تونسيين كثر»، كانت أكثر التعليقات ترددا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعية.
تصريحات «المسدي» كانت لتقف عند حد لو لم «تتحرش» بجمعية «لينا بن مهني»، الجمعية التي تحمل اسم أيقونة ثورة الياسمين والمناضلة النسوية الراحلة لينا بن مهني، بعد أن أمعنت رئيستها «هندة شناوي» في إبراز الخلفيات العنصرية لأفكار مواطنتها، لتتهمها السيدة النائب بتهديد حياتها وسلامتها من خلال وصفها بـ«الغباء» و«انعدام الإنسانية»، كما اتهمت الجمعية بالعمالة لدول أجنبية لتعاونها مع بعض ممثلي المجتمع المدني لدول غربية… «تهم عربية جاهزة».

تناحر قوى… ناعمة

مما لا شك فيه أن المملكة المغربية قد كسبت خلال العقدين الأخيرين الكثير في معركتها الناعمة، دوليا بفضل السياحة وتظاهرات عالمية أصبحت بمثابة مرجعيات في صناعة الفن كمهرجان موازين وغيره، وعربيا بواسطة نجوم أتقنوا لعبة الأضواء في نسختها المشرقية والخليجية. نجاح الكثير من المواهب المغربية في صناعة اسم لها وسط نجوم عرب، أمر بدا مفيدا للمملكة، التي تسعى إلى مزيد من «الإشعاع» وترسيخ أكبر لـ«علامة» المملكة المغربية بلغة «تسويق المكان».
لكن تأتي أحيانا بعض «الاختبارات» لتقيس مدى فعالية بعض السياسات، وذلك ما اتضح مع أزمة النجمة المغربية «بسمة بوسيل» الأخيرة. إذ لم تكن عقيلة النجم المصري تامر حسني السابقة، ولا جمهورها يتوقعان شراسة ردود الفعل بين محبي زوجها السابق. تسببت تصريحات طالبة الطب السابقة عن معاناتها من الاكتئاب سنوات طويلة، كتبعات لعلاقة حب غير سوية حسب رأيها في برنامج بودكاست «عندي سؤال» في حالة جدل شديد تجاوز حدود جماهرية المشاهير، لاستدعاء أبعاد قومية له.
رغم كمية المحتويات العربية عبر الوسائط المتعددة عن اضطهاد النساء، وحقوق المرأة وتمكينها في العالم العربي، إلا أن كل تلك الخطابات بدت ساقطة في وجه «أصغر شباك». انخراط أسماء معروفة في الإعلام المصري في تعقيب سلبي عن كلام المطربة المغربية كـ«هالة سرحان» مثلا طرح أكثر من سؤال.
لكن الغريب أن تحولت التعليقات بين المشاهير إلى ما يشبه «نفسنة نسوان»، بعد أن انخرطت إعلاميات وفنانات مصريات وغير مصريات في إذكاء محرقة «بوسيل» متهمين إياها بـ»نكران الجميل»، «انعدام الموهبة والفشل». وصلة «النفسنة» لم تتوقف هنا واضطرت الشابة المغربية للرد، ليرد عليها مرة أخرى، ما حول الـ«سوشيال ميديا» إلى حلبة مصارعة عن «الحاضر الغائب» صاحب الشأن تامر حسني. الأغرب أن الأزمة التي لم تكن لتتجاوز حدود التصريحات الإعلامية المثيرة إلى «تناحر قومي» بين المصريين من جهة وأهل المملكة المغربية من جهة أخرى، الذين وجدوا في ردود البعض إساءة لبلدهم، لتحظى الشابة التي بدت لمواطنيها معزولة في بلد غريب (حتى بعد أكثر من عقد من الاستقرار به) بمساندة واسعة من الفنانين المغاربة الذين رأوا في التطاول على مواطنتهم شيئا من «التطاول على البلد»، آخرها إعلان زميلها سعد لمجرد، الذي عرف مسيرة مشابهة لمسيرتها عن موقف مساندة لها.
بعيدا عن مواقف «المشاهير» عدوى التلاسن والتراشق سرعان ما تطورت بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي في البلدين. «الإنسانة المحترمة لا تخطئ في حق زوجها»، «هو من بادر بتركها بعد أن مل كآبتها»، «ظلوا في بلدانكم»، «يبدو أنها ستنزل أغنية جديدة ولن نسمعها هذه المرة أيضا» كانت شيئا من تعليقات كثيرة ومتضاربة بين بعض الرواد الذين اصطفوا إلى جانب الفنان تامر حسني ومريدوه، «غل وحقد وعنصرية»، «المغرب خط أحمر»، «إنهم عنصريون» كرر أولئك الذين اصطفوا إلى جانب الفنانة المغربية.
لم تكن السخرية لتخطئ أكثر المنزعجين من تريند «بوسيل» كاملا: «رجاء أغلقوا هذا التريند، لقد تعبنا»، «لقد تجاوز الموضوع حده تماما»! لكن لا يبدو الأمر كذلك بين الأطراف المستفيدة من سوق التريندات وعوائدها!

 كاتبة من الجزائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب