ثقافة وفنون

فيلم «الضوء»… طرح ملتبس لقضية اللاجئين السوريين والمجتمع الألماني

فيلم «الضوء»… طرح ملتبس لقضية اللاجئين السوريين والمجتمع الألماني

نسرين سيد أحمد

برلين –  في افتتاح مهرجان برلين السينمائي في دورته الخامسة والسبعين (13 إلى 23 فبراير/شباط الجاري)، أتانا المخرج الألماني توم تيكفر صاحب فيلم «اركضي لولا، اركضي» بفيلمه الجديد «الضوء»، وهو فيلم مشوش لحد كبير، تتصارع فيه الأفكار والسرديات، ولا يمنحه الضوء الذي يعنونه أي وضوح أو استنارة. «الضوء» فيلم طويل مجهد، تصل مدته إلى 160 دقيقة، وكنا سنتفهم هذا الطول الذي يقارب الثلاث ساعات، إن كان الإسهاب سيمنحنا وضوحا في الرؤية، أو حتى مشاهدة ممتعة، ولكننا نمضي الوقت متململين على مقاعدنا، ريثما ينتهى الفيلم، أو نحصل منه على رؤية حتى إن كانت ضبابية. هو فيلم يحمل العديد من الرسائل السياسية المبطنة، ولاسيما ما يتعلق بوجود اللاجئين في ألمانيا.
تبدأ أحداث الفيلم في أجواء مطيرة، تسود الفيلم، بامرأة ذات ملامح شرق أوسطية تحدق في ضوء مصباح يضيء على شكل ومضات متقطعة. المرأة هي فرح (تالا الدين)، وهي لاجئة سورية في ألمانيا، تتقاسم منزلا مع العديد من اللاجئات السوريات، وهي لا تعمل، ولكنها تبحث عن فرصة سانحة للعمل. الضوء ذو الوميض الذي تتأمله تالا هو أحد ألغاز الفيلم وأسراره. ثم ننتقل إلى منزل أسرة ألمانية من الطبقة المتوسطة ميسورة الحال. تتكون الأسرة من تيم (لارس أيدنغر) وزوجته ميلينا (نيكوليت كريبيتز)، وابنهما وبنتهما التوأم فريدا ويون. هي أسرة تعيش في منزل بوهيمي الطابع في برلين. يعمل تيم في مؤسسة دعائية لصالح شركات وهيئات حكومية، بينما تعمل ميلينا مع هيئة حكومية تقدم مساعدات ومشاريع ثقافية في افريقيا. أما ابنهما يون (17 عاما)، فهو غارق في عالم من ألعاب الواقع الافتراضي، ولا يكاد يبرح غرفته. أما شقيقته التوأم فريدا، فهي تعيش فترة المراهقة بصخبها، بين أنشطة سياسية احتجاجية، وتجريب للعقاقير المهلوسة والمخدرات والتجريب الجنسي. ولميلينا ابن آخر صغير هو ديو، وهو نتيجة علاقة بين ميلينا ورجل نيجيري. تتقاسم ميلينا العناية بديو مع والده، المقيم في ألمانيا.
هي أسرة يمكننا القول إنها منفصلة/متصلة، يعيش كل من أفرادها في عالمه الخاص، وراء باب غرفته المغلق أو خارج المنزل. هي أسرة ينغمس كل فرد من أفرادها في ذاته، حتى إنهم لا يدركون أن مدبرة شؤونهم المنزلية، المنحدرة من أصول أوروبية شرقية، أصابتها أزمة قلبية وتوفيت في مطبخهم، إلا بعد مرور يوم على وفاتها. إلى هذا المنزل تأتي فرح، وهي التي تختار هذه الأسرة تحديدا. نعلم من كلام فرح مع إحدى المسؤولات عن توظيف اللاجئين، أن بإمكانها العمل في وظيفة أفضل بكثير، فهي تتحدث الألمانية بطلاقة كبيرة وهي ذات خلفية طبية واسعة في مجال الطب النفسي. ولكنها حين ترى صورة تلك العائلة الألمانية التي تبحث عن مدبرة لشؤون منزلها، تقبل على الفور تلك الوظيفة.


تشرع فرح في مهام عملها، ونجدها تكسب ثقة كل فرد من أفراد تلك الأسرة. بعد أن كان الصبي يون وحيدا غارقا بمفرده في عالم ألعاب الواقع الافتراضي، تصبح فرح صديقته وتشجعه على لقاء فتاة تشاركه اللعب الافتراضي على أرض الواقع. نراها أيضا تتقرب من فريدا، خاصة بعد أن مرّت بتجربة حمل وإجهاض، وتكسب ثقتها كأم وصديقة. كما أنها تتقرب لكل من توم وميلينا وتحاول الاستماع لمشاكلهما الزوجية وحلها. ولكن هل فرح حقا تحاول مساعدة الجميع؟ أم لها أهداف أخرى؟ وما هذا المصباح الذي تغمر ذاتها في ومضاته؟ ولم تفعل ذلك؟ نعلم لاحقا أن المصباح يبث موجات تمكن فرح من التخاطر والتواصل مع أفراد أسرتها، الذين لا نعلم في بادئ الأمر ما إذا كانوا في سوريا أم خارجها، أم إذا كانوا على قيد الحياة أم قُتلوا.
على الصعيد السينمائي، يسعى تيكفر لتضمين فيلمه العديد من الأساليب السينمائية، نجد بعض المشاهد الموسيقية الغنائية، وبعض مشاهد الواقعية السحرية، وبعض مشاهد التحريك (الرسوم المتحركة). ولكننا نتساءل عن جدوى هذه المشاهد، فهي لا تخدم الرؤية الكلية للعمل ولا تقدم جديدا، ولا تسعى لتطوير الأحداث. يبدو منها فقط أن تيكفر يود تجريب أدواته السينمائية أو استعراضها، بصورة تثقل كاهل العمل وتطيل مدته، دون أن تكون لها جدوى حقيقية. لا نعرف أيضا أهمية المطر الغزير الذي يغرق برلين طوال مدة الفيلم، وما أهميته الدرامية. كما أننا لا نجد مبررا دراميا للعاصفة الرعدية والمطبات الهوائية التي تواجهها طائرة ميلينا أثناء عودتها من نيروبي. خيوط كثيرة مفككة ومتناثرة يتركها مخرج الفيلم، ولا يحاول الاستفادة منها دراميا. نرى المشهد تلو الآخر والتفصيلة تلو الأخرى، ولكن تيكفر لا يعبأ بتقديم سردية واضحة متماسكة تجمع جميع الخيوط. يبدو لنا أن تيكفر مشغول بصورة أكبر باستعراض أدواته عن تقديم فيلم مترابط.
قد تكون هذه الخطوط السردية المفككة تعبيرا عن الخواء الفكري الذي يعيشه المجتمع الألماني كما يقدمه الفيلم. يتضح لنا مثلا أن ميلينا لا يعنيها تقديم العون حقا للمجتمع الافريقي في كينيا، بل يعنيها ترقيها الوظيفي، واستمرار الحصول على التمويل من الحكومة. أما تيم، فلا يحمل فكرا جديدا في حملاته الدعائية التوعوية، ولا يفقه شيئا عن روح الشباب الذين يفترض أنه يستهدفهم بالتوجيه، بل إنه يستمد كلمات أفضل حملاته الدعائية من حديث ابنته الغاضب أثناء مشاجرة بينهما. أما القضية الأكثر التباسا في الفيلم فهي رؤيته للاجئين، خاصة اللاجئ السوري. فنحن طوال الفيلم نرى لطف فرح ودماثة أخلاقها وتعاطفها وتفهمها. ونرى أنها لا تبخل بالوقت، أو الجهد للاستماع للجميع في عائلة تيم وميلينا ومساعدتهم، ولكن ما هدف فرح من ذلك؟ هل هي حقا شخص محب ومتفان؟ أم أن لها هدفا سريا آخر لا تفصح عنه إلا في نهاية الفيلم؟ هل يسعى تيكفر للقول إن اللاجئ حتى إن اتقن اللغة الألمانية، وتقرب للمجتمع الألماني لا يفعل ذلك إلا لمصلحة شخصية، وهي مصلحة قد تعني فناء المجتمع الألماني متمثلا في تلك الأسرة.
قد يكون مهرجان برلين أكثر المهرجانات السينمائية تسييساً، وقد يكون في دوراته السابقة الأكثر حرصا على الصوابية السياسية، ولكن هذا الفيلم يجعلنا نتساءل حقا عن الرسالة التي يود المخرج إيصالها في ما يتعلق باللاجئين والمهاجرين.

 

كاتبة مصرية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب