مقالات

صور من المحنة–احمد مختار البيت

احمد مختار البيت

صور من المحنة
ما وراء مشاهد الحرب في الفضائيات
احمد مختار البيت
(1)
ما يشاهده العالم في الفضائيات ومنصات السوشل ميديا، عن الحرب المدمرة في السودان هي مجرد مظاهر، ولكن آثار الحرب الحقيقية موجودة في الأرض وفي عيون الأطفال، وفي نفوس الناس، ولن تستطيع كاميرات القنوات الفضائية وأجهزة الهاتف الذكية تصويرها أو الاقتراب من جروحها النازفة..الشعب السوداني البريء المسالم، لم يفق بعد من هول الصدمة، والحرب بلغت يومها السابع، لأنه لم يشهد في تاريخه الطويل ولا في الحروب الحديثة في المنطقة، (حربا بلا سقوف أخلاقية) مثلما يجري الآن في الخرطوم والأبيض ونيالا والفاشر والجنينة.
(2)
الجثث في العراء وغير محصورة، تقديرات المنظمات الدولية أنها بلغت 300 والجرحي أكثر من 1300،وكاذب من يقول أنه وقف على الوضع الميداني للضحايا
39 مستشفى خرجت من الخدمة، والضحايا بينهم أطباء وكوادر طبية، كان يقدمون الخدمة للمصابين.
و المرضي غادروا أسرة المستشفيات تحت نيران القصف كما شاهد العالم، وانقطاع المياه عن جغرافية واسعة من مناطق في الخرطوم وفي الأبيض الجرحى يتم اسعافهم في المنازل، لأن البحث عن مستشفى اليوم ترف إن لم يكن مخاطرة غير مضمونه العواقب، نساء هائمات على وجوههن بلا دليل، وهن يحملن أطفالهن وبعض الأغراض الصغيرة، الدكاكين والبقالات في الأحياء ، ستغلق أبوبها اذا استمرت الحرب أكثر من ذلك، لأن المواد الغذائية فيها ستنفد، مع جشع بعض التجار، الذين ضاعفوا الأسعار أو خزنوا بضائعهم استغلالا لظروف الكارثة.. أسأل ماذا ستفعل إمراة في ظل هذا الوضع، فأجاها المخاض ليلا، أو أي من الأمراض التي تتطلب معاودة الطبيب.. كيف يأكل ويشرب الفقراء والكادحين ملح الأرض الذين يعتمدون على الكسب اليومي في سوق الله أكبر، وستات الشاي وعمال الأسواق والمناطق الصناعية؟
(3)
إذا كانت القنوات الفضائية صورت مشاهد الحرب وأعمدة الدخان وسجلت أصوات الرصاص والمدافع وأزيز الطائرات، فهى عاجرة عن تصوير دواخل هؤلاء الفارين من جحيم الحرب في كل الفضاء المشاع، بحثا عن مكان آمن في أرض المليون ميل مربع، التي تحولت في لحظات إلى مساحة من العذاب الغليظ، من يصور أنين الأطفال وحشرجة أرواحهم، والرعب في أعينهم والهلع في نفوسهم، وأطقم القنوات الفضائية أنفسهم محاصرون في البنايات العالية، هل كل الذي يجري الآن يشاهده السودانيون وسكان الكرة الأرضية ونحن نستقبل العيد لأكثر من مليار مسلم ومسلمة؟ من أين للبلاغة أن تصور ما يحدث في نفوس أهل السودان.. حقا أصبح الوطن (مساحة تجريب لحرب غير أخلاقية) بكل ما تعني الكلمة من معنى
(4)
ورغم كل مشاهد القيامة وأهوالها التي ظلت تعرضها القنوات الفضائية ومنصات التواصل الاجتماعي، منذ صباح السبت 14 أبريل 2023م وحتى لحظة كتابة هذه السطور إلا أن السودانيين لم يتخلوا عن موروثاتهم ومآثرهم وفضائلهم التي ميزتهم في العالمين، فانتخوا على طول طريق الخرطوم مدني وبحري شرق النيل وطريق الخرطوم الدويم وطرق أخرى عديدة، لتقديم العون وإغاثة الملهوف، ودرجوا العاطلة وضمدوا الكثير من الجراح المعنوية لأرواح الفارين من ألسنة النيران والحريق وشظايا القذائف والضرب العشوائي لمختلف أنواع السلاح، ولم يتخلف أهل العاصمة، فقد أفصحت المحنة عن معادن نادرة ومخبوءة لمثل هذه النوازل.
فأهل السودان لسان حالهم اليوم يا الله (نحن نحب الحياة إذا ما استطاعوا إليها سبيلا).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب