ثلاث فنانات مصريات… رؤى تشكيلية بين الفن والذات والمجتمع

ثلاث فنانات مصريات… رؤى تشكيلية بين الفن والذات والمجتمع
محمد عبد الرحيم
كاتب مصري
القاهرة ـ «القدس العربي»: في أوقات متقاربة أقيمت مؤخراً معارض لـ(3) فنانات مصريات، وهي ليست معارضهن الأولى، فلهن من التجربة والخبرة الفنية ما يمكن قراءة ملمح من التشكيل المصري الآن من خلالهن، وكيف يمكن للمرأة أن ترى نفسها والعالم، وتجسيد ذلك في عمل فني. كذلك هل يحمل الفنان عموماً فكرة أو قضية إنسانية تؤرقه وتشغل تفكيره، ولا يجد إلا عمله الفني للتعبير عنها، أم مجرد اختلاق موضوعات ودعاية لأفكار مُنتَحَلة لا تمت للفنان أو بيئته أو مجتمعه، وكيف يمكن صياغة موضوعات تتماس والمتلقي، وهل يقتصر ذلك على فئة معينة، ناهيك عن وضع الفن التشكيلي في مجتمع تتربص به أعباء الحياة؟
ما بين غاليري (مصر) معرض (أصداء) و(قصائد مرئية)، وغاليري (آرت كورنر) معرض (أسرار صغيرة) تأتي معارض الفنانات أمينة سالم، إيمان حكيم، وهند عدنان ـ حسب الترتيب الأبجدي ـ كل منهن تعبّر عن عالم مختلف بأسلوب ورؤية مختلفة.

إيمان حكيم
أسرار صغيرة
من خلال ثيمة وأيقونة (الدمية) تتلو الفنانة إيمان حكيم لوحاتها، أو حكاياتها تحت عنوان (أسرار صغيرة)، لتتباين الموضوعات والرمز الذي استخدمته الفنانة، وبالتالي الحالات التي تعبر عنها من خلالها (الدمية). ليبدأ الأمر بالطقس وحالاته كدمية مصنوعة في البيت المصري من قِبل سيدات في مقام الجدات، إما لتصبح لعبة للصغيرات، أو تجسيدا لشخص وهمي يتم عمل طقس حوله اتقاء لشر الحسد ـ كانت هذه الدمية سواء القطنية أو الورقية منتشرة منذ زمن في الريف المصري ـ ومن لعبة في يد طفلة إلى أمل ورجاء في يد امرأة، بحيث تصبح تعويضاً عن طفل طال انتظاره، أو حتى مجرد احتفال باقتراب مجيء الطفل.
من ناحية أخرى تبدو النساء في اللوحات متشابهات في تكوينهن وتكوين الدمية القطنية المعهودة، وكذلك الألوان نفسها، كأنهن عالم واحد يختلط فيه الواقعي مع الأسطوري في طقس مستمر لا ينتهي.
ولكن هناك إحساسا خفيا بمأساة ـ ربما يكون ذلك تفسيرا تعسفيا ـ وهناك عدة دلالات في اللوحات توحي بذلك، هناك حالة من الموت والفقد.. كالغراب الذي يعتلي سطح أحد البيوت، والنساء المتشحات بأغطية الرأس، ويستدرن مغادرات المشهد/اللوحة، بينما المرأة المستلقية تلد طفلة تشبه الدمية تماماً، فلا توجد حالة البهجة المعهودة في مثل هذه اللحظات. كذلك في لوحة أخرى تبدو الدمى على الأرض، بينما تتصدر مجموعة من النساء المشهد، وفي الخلفية تبدو شواهد القبور، ولا تختلف هذه الحالة، سواء تم استخدام الألوان الحارة أو الباردة.
قصائد مرئية

أمينة سالم 3
عنوان مجموعة لوحات الفنانة هند عدنان، التي تتخذ من الجسد الأنثوي ثيمة أساسية في كل لوحاتها. وبخلاف إظهار جماليات هذا الجسد وتكوينه من خلال عدة موديلات، إلا أن اللافت هو مجموعة لوحات (تحليق) التي تجسد عدة نساء في حالة من التحليق أو الطيران، في عالم لا يتسع إلا لهن وأحلامهن، وتبدو اختلافات خلفية كل لوحة وكأنها جزء من جسد وملابس المرأة، مع تكوين جسدي يقترب من شكل الدائرة، سواء من حركة الشعر أو الساقين، حالة مستمرة من التحليق الدائم. ولك أن تستنتج حالة هؤلاء وشعورهن بحرية ذواتهن، بعيداً عن أي صخب، متوحدات في أحلامهن، مكتملات ولا ينقصهن شيء. هذا الاكتمال تؤكده أيضاً الحالة اللونية، فليس هناك تداخل لوني ولا ألوان متباينة متنافرة لجذب الانتباه، بل لون واحد تكتفي به صاحبته، يعبّر عنها وعن وجودها.
هذه الثقة تتأكد أكثر في لوحات أخرى تجسد حالة من الاسترخاء، ثقة في الجسد الذي تمتلكه صاحبته، وتعرف مدى جماله وتأثيره. ولكن.. هل الإصرار في كل اللوحات على ثقة هذه الأجساد يعبّر عن ثقة أرواح أصحابها؟
أصداء
ونختتم بمعرض (أصداء) للفنانة أمينة سالم، الذي تم استقباله بحفاوة بالغة من قِبل العديد من الفنانين والنقاد والمهتمين بالشأن الثقافي والتصوير في المناسبات، وكذا الكتابة عنه ـ من النشرة الموزعة نفسها ـ في معظم الصحف السيارة والمتعطلة.
كنا نود الكتابة عن المعرض، ولكن الفنانة ـ كتر خيرها ـ وضعت بجوار بعض اللوحات بعض العبارات الشارحة لتوضح للمتلقي كيف يمكنه استقبال العمل، ولعدم القدرة على مجاراتها في الكتابة، سنكتفي بنقل بعض من هذه العبارات، ومنها.. «يُشير العمل الفني إلى أن القوة تكمن في الداخل، منعكسة في الذات الداخلية والخارجية، دون الحاجة إلى إثبات خارجي. القوة الحقيقية هادئة وواثقة بذاتها، لا تعتمد على إثبات قيمتها للآخرين». وعمل آخر تقدمه الفنانة قائلة.. «يرمز العمل الفني إلى صمود وقوة النساء اللواتي يتحملن الأعباء، ومع ذلك يظللن متأنقات ومُفعمات بالكرامة. تمثل الأبراج من الأشياء فوق رؤوسهن طبقات من المسؤوليات والتحديات والتوقعات. وعلى الرغم من هذه الأثقال، فإنهن يقفن شامخات، متجسدات بالثقة والقوة لتحمل المشاق».
وماذا يمكن أن يقال بعد بلاغة وحكمة هذه العبارات التي تنتمي أكثر إلى المرحوم إبراهيم الفقي، مُصدّر الوهم إلى الوطن العربي، سوى «لله في خلقه شؤون».

هند عدنان