إيكونوميست: مصر والأردن تحاولان البحث عن مكان في سياسة ترامب المتغيرة من المنطقة

إيكونوميست: مصر والأردن تحاولان البحث عن مكان في سياسة ترامب المتغيرة من المنطقة
إبراهيم درويش
نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا شخصت فيه وضع الأردن ومصر في ظل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكيف أن الدولتين تحاولان أن تكونا مفيدتين.
وقالت المجلة إن دعوة العاهل الأردني، عبد الله الثاني إلى البيت الأبيض في عام 2017 كأول زعيم عربي يقابل الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب كانت تشريفا له. ففي تلك الزيارة، أشاد ترامب بالملك عبد الله ووصفه بـ”المحارب العظيم” ووعد بزيادة الدعم له.
لكن في المرة الثانية، كان الود أقل. ففي 11 شباط/ فبراير، جلس الملك غير مرتاح إلى جانب الرئيس الأمريكي الذي تحدث عن خطته لطرد مليوني فلسطيني من غزة إلى مصروالأردن، وهدد وإن بشكل مبطن، بقطع 1.5 مليار دولار من المساعدات السنوية التي تقدمها واشنطن إلى المملكة.
وتعلق المجلة أن المسؤولين الأمريكيين ظلوا وعلى مدى عقود، يتحدثون عن حكام مصر والأردن كركيزة للاستقرار الإقليمي. وعقد حكام البلدين معاهدات سلام في 1979 و1994 مع إسرائيل، وحاولوا قدر الإمكان تجنب الحروب والانقلابات والثورات. وعملوا على استقرار بلديهما عندما عاش بقية الجوار حالة من الفوضى.
وحتى في النسخة الأولى، أعجب ترامب بزعيمي مصر والأردن. ففي عام 2019، نادى ترامب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بـ”ديكتاتوري المفضل”.
وتعلق المجلة أن التغير المفاجئ نابع من طريقة ترامب ورؤيته للعلاقات عبر منظور الصفقات والشخص الذي يحب الضغط على الحلفاء.
فعندما هدد بأنه يريد وضع تعريفات جمركية على كندا، كان هذا نوعا من التحفيز لها كي ترد على التهديدات وتحاول إقناعه بالتراجع.
لكن الأردن ومصر ليس لديهما ذلك النفوذ لدفع ترامب على التراجع، فالتبادل التجاري مع مصر لا يتجاوز 9 مليارات في السنة، و5 مليارات سنويا مع الأردن. وهما دولتان فقيرتان جدا بحيث لا تستطيعان تقديم الاستثمارات التي يريدها. كما تفتقران إلى الموارد اللازمة للمساعدة في خفض أسعار الطاقة.
وكان دورهما طيلة ستة عشر شهرا من الحرب الإقليمية يتلخص إلى حد كبير في الوقوف على الهامش، والصراخ: “توقفوا!”.
ومع ذلك فالعلاقات ليست بهذه الصورة الفارغة، ذلك أن مصر تمنح السفن الحربية الأمريكية معاملة تفضيلية عندما تحتاج إلى عبور قناة السويس. وانضم الأردن إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. وما يقدمه البلدان بالضرورة لأمريكا هو الوعد بأن الأمور سوف تكون أسوأ بدونهما: ما بعدنا الطوفان.
وبالمقارنة مع وضع مصر والأردن، كان موقف السعودية السريع هو قول لا للسيد ترامب. وشجبت على عجل خطته لطرد أهل غزة من أجل تحويلها إلى ريفييرا الشرق الأوسط. ولم يعد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على عجلة من أمره للتطبيع مع إسرائيل، وهو ما سيحرم ترامب من أهم إنجاز يريد تحقيقه، وربما منحه جائزة نوبل للسلام التي يحلم بها.
ولكن السعوديين وجدوا سبلا لتخفيف الضربة، فهم يحاولون مساعدة أمريكا في جوانب أخرى من سياستها الخارجية، ويتوسطون في محادثاتها مع روسيا هذا الشهر، وربما في المستقبل مع إيران. وفي الشهر الماضي، عرض بن سلمان على ترامب 600 مليار دولار كاستثمارات وتجارة على مدى أربع سنوات. والرقم خيالي، فهو أكثر من الأموال التي استثمرها صندوق الثروة السيادي السعودي في الخارج. ولكنه يؤكد على قوة المملكة المالية.
وفي الوقت الحالي تحاول كل من مصر والأردن تأكيد أهميتهما لواشنطن، فهما تعملان مع دول الخليج الغنية على إعداد خطة إعادة الإعمار والحكم في غزة بعد الحرب. ومن المقرر أن يتم تقديم هذه الخطة في القمتين العربيتين في الرياض والقاهرة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، على الرغم من أن الدبلوماسيين في العاصمة السعودية يحذرون من احتمال تأخيرها.
وتعلق المجلة أن تقديم صياغة للخطة هو الجزء الأسهل، لكن تطبيقها سيكون صعبا. فقد أجّل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو أكثر من مرة، المحادثات مع حماس بشأن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة، والتي من شأنها أن تؤدي إلى نهاية الحرب.
وفي 18 شباط/ فبراير، أعلن نتنياهو أن رئيسي الشاباك والموساد لن يحضرا المحادثات المستقبلية. ويرى العديد من الإسرائيليين في هذا حيلة أخرى لتخريب المفاوضات، كما فعل نتنياهو لعدة أشهر. ولن تكون هناك حاجة إلى خطة لما بعد الحرب إذا استؤنف القتال.
وعلينا ألا ننسى أن ترامب ليس أول من اقترح رمي سكان غزة إلى مصر. فقد اقترح جو بايدن ووزير خارجيته أنطوني بلينكن، خطة مماثلة في بداية الحرب، رغم أن بعض الدبلوماسيين حذروا من أن الفكرة ستزعزع استقرار مصر.
وتذكر المجلة أنه بعد الربيع العربي في عام 2011، الذي شهد سلسلة من الانتفاضات التي أطاحت بخمسة ديكتاتوريين عرب -مصر واحدة منها- كان هناك نقاش في واشنطن حول مزايا دعم الأنظمة العتيقة والمتجمدة. لكن النقاش توقف مع تحول الثورات إلى حروب أهلية وعاد الحكام الأقوياء إلى الموضة.
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ظهر نقد له صلة لهذا الواقع، ويشير إلى أن هوس أمريكا بالاستقرار أدى إلى تفاقم المشاكل، فقد أصبحت الميليشيات المدعومة من إيران قوية وظلت غزة تغلي تحت الحصار الإسرائيلي والمصري. وبعد 7 أكتوبر تم قلب الوضع الراهن الآن. وهذا يشير إلى تغيير أعمق في السياسة الأمريكية، وهو التغيير الذي سيستمر بعد ترامب، وسيتعين على الدول العربية التكيف مع واقع جديد، حيث لم يعد ينظر فيه لوضعية الجمود كعامل قوة وميزة.
– “القدس العربي”: