فلسطين

نتنياهو يعرقل الصفقة متذرعًا بـ”طقوس مهينة” و”استغلال ساخر” للمحتجزين

نتنياهو يعرقل الصفقة متذرعًا بـ”طقوس مهينة” و”استغلال ساخر” للمحتجزين

الناصره / وديع عواودة

بعد الإفراج عن ستة رهائن ضمن النبضة السابعة من المرحلة الأولى للاتفاق مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، انتقلت إسرائيل من البكائية إلى الاحتفالية، لكنها تعلّق الإفراج عن 602 أسير فلسطيني وسط تساؤلات: هل هي رغبة في تنغيص فرحة الفلسطينيين، ومحاولة الظفر بمطامع جديدة على شكل تمديد نبضات المرحلة الحالية، وعدم الدخول في المرحلة الثانية من المفاوضات، بسبب استحقاقاتها السياسية التي تهدّد مستقبل حكومة الاحتلال برئاسة نتنياهو؟
في ختام اجتماع أمني عقده نتنياهو الليلة الفائتة، قال بيان صادر عن مكتبه: “الإفراج عن المخربين سيتأخر حتى يتم تأمين بقية المخطوفين دون طقوس مهينة”، وإن القرار جاء عقب “انتهاكات متكررة من قبل حماس، بما في ذلك الاستغلال الساخر للمخطوفين خلال عملية التبادل والتسليم”. وهذه في الأساس إشارة إلى تقبيل أحد الجنود الإسرائيليين الأسرى رأسي مقاتلين من “حماس” على منصة التبادل.

هارئيل: إننا أمام أيام حاسمة في تاريخ الحرب، وربما الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كلّه

من جهتها، تؤكد حركة “حماس” أن هذا انتهاك فظّ للاتفاق، وتدعو الوسطاء إلى التدخل والضغط على حكومة الاحتلال لاحترام الاتفاق وتطبيقه.
ويقضي الاتفاق بتحرير 602 أسير فلسطيني في النبضة السابعة أمس، وتسليم “حماس” أربعة جثامين إسرائيلية يوم الخميس القادم، ضمن النبضة الأخيرة من المرحلة الأولى، وفي المقابل انسحاب جيش الاحتلال يوم السبت من محور صلاح الدين (فيلادلفيا).
جاء انتهاك حكومة الاحتلال هذا متوقعًا حتى لدى أوساط إسرائيلية، منها عائلات الرهائن، التي تتهم نتنياهو بالسعي الدائم لتعطيل الصفقة، أو تأخير تطبيقها كسبًا للوقت لاعتبارات سياسية، وربما التخلص منها ومعاودة الحرب على غزة.
وترى بعض الجهات الإسرائيلية أن نتنياهو يعمل مجددًا للتفلّت من المرحلة الثانية، مستغلًا المشاكل التي تتخلل عملية التبادل، وتوظيف بعض خطوات “حماس” “الاستفزازية”، التي تشكّل “منديلا أحمر” يؤدي إلى هيجان الشارع الإسرائيلي، مثل تسليم رفات بديلة لرفات شيري بيباس، واستعراض قوة “حماس” العسكرية، الضغط على أسرى إسرائيليين للقيام بحركات تهينهم، كما جاء على لسان والدة متان تسانغاوكر، الجندي الأسير في غزة.

الصفقة إلى أين؟

والسؤال اليوم: إلى أين يتجه الاتفاق؟ هل يسعى نتنياهو إلى كسب نقاط سياسية وشخصية من خلال تعليق مؤقت للإفراج عن الأسرى، وكذلك الضغط على الوسطاء للضغط على “حماس” كي تتصرف بطريقة تتماشى مع المقاسات الإسرائيلية في تسليم الجثامين يوم الخميس؟ أم أنه دخل في عملية إسقاط الاتفاق وتجديد الحرب على غزة، كما كان يخطط من قبل طمعًا بالبقاء في سدة الحكم والتاريخ؟
الواضح أن القرار المتعلق بمستقبل الاتفاق لم يعد إسرائيليًا فحسب، بسبب دخول إدارة أمريكية جديدة على الخط، وهي رغم تهديداتها وتصريحاتها العالية، معنية بإتمام الصفقة لحساباتها الخاصة، ورغبتها في صفقة سياسية أكبر ذات جوهر إقليمي يتضمن التطبيع والاستثمارات.
من جهته، قال الرئيس الأمريكي ترامب، أمس، إنه يرغب في عودة كل المخطوفين أحياء وأمواتًا، وقبل ذلك قال، في تصريح آخر، إن نتنياهو يريد معاودة الحرب، وإنه يؤيده في كل قرار يتخذه.

في الوقت نفسه، يستعد وزير الشؤون الإستراتيجية المقرب من نتنياهو، رون درمر، لعقد لقاء ثانٍ مع المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف للنظر في ضوء أخضر من واشنطن لخيار الرجوع للحرب على غزة، وفق تسريبات صحفية تطرقت إليها الإذاعة العبرية، صباح اليوم الأحد، والتي لا تزال تؤكد أن الصفقة في خطر بسبب كل ذلك.

سجال إسرائيلي داخلي

بيد أن ترامب متقلّب المزاج وعجول، ومواقفه متغيرة ومتباينة، كما يتجلى في موقفه من مسألة أوكرانيا، ما يدفع بعض المراقبين الإسرائيليين إلى التحذير من ذلك، وسط سجال متصاعد حول السؤال: ماذا بعد؟
بالنسبة إلى أوساط إسرائيلية غير قليلة، فإن نتنياهو يواصل التهرّب من مفاوضات المرحلة الثانية بسبب مضمونها وطابعها السياسي، فيبحث عن افتعال أزمات وتضخيمها والبحث عن ذرائع جديدة في كل مرة. فهو يستنكف، منذ ثلاثة أسابيع، عن الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية، ومنذ أسبوع يمنع تطبيق بند الاتفاق القاضي بإدخال معدات ثقيلة وبيوت متنقلة للقطاع، والآن يعلّق الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين وكذلك الانسحاب من محور صلاح الدين يوم السبت، كما هو متوقع، لأسباب غير مقنعة.
رسميًا، يدّعي الاحتلال أن “حماس” تنتهك الاتفاق وتستغل التبادلية لأغراض دعائية ساخرة، لكن حسابات نتنياهو على الأرض مختلفة، فهو غير معني بدخول المرحلة الثانية بسبب استحقاقاتها السياسية التي تهدد مستقبل حكومته. ويبدو أنه ينتظر نضوج الضغوط الأمريكية والإسرائيلية على العرب عشية طرحهم خطة خاصة بـغزة ومن يتقبل الحكم فيها، طمعًا في أن تلبي رغباته بتنحي “حماس” عن الحكم وإيجاد حل لسلاحها.
ولذا، ربما يطمع الآن في مساومة الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين بتمديد الجولة الأولى بنبضات إضافية، مقابل طرح الجانب الفلسطيني فكرة تبادل “الكل بالكل” مع وقف الحرب والانسحاب من القطاع، وسط محاولة للاستفادة من دعم ترامب، الذي سبق أن قال: “نتنياهو غاضب ويريد العودة للحرب، ونحن معه في كل خيار”، وبعدها قال إن “صورة الرهائن أمس سيئة، لكن سبقتها صور أسوأ، وإنه يريد إعادة كافة المخطوفين أحياء وأمواتًا”، فيما قال ويتكوف بالتزامن: “نحن ملتزمون بإعادة كل الرهائن”، كما أضاف أنه يأمل بأن “تنتقل النوايا الحسنة من المرحلة الأولى إلى الثانية من المفاوضات”. وهذا يعكس رغبة واشنطن الحقيقية في استكمال الصفقة.
من المرجح جدًا أن تفرج إسرائيل عن الأسرى الفلسطينيين قبل يوم الخميس، لكنه سيواصل المماطلة والاستنكاف عن ولوج المرحلة الثانية، ريثما تنضج الضغوط الأمريكية، وربما يأتيه “فرج عربي” كثمرة التلويح بالحرب وبتهجير غزة. وريثما يتثبت من عدم انهيار ائتلافه، فهو يخلط الحسابات كعادته، ويلتزم دائمًا بمقولة “عصفور في اليد”، أي البقاء في الحكم، بدلاً من “مغامرة الجولة الثانية” التي تهدد مستقبله السياسي والتاريخي.

أغلبية الإسرائيليين مع الصفقة

وتؤجج هذه التطورات السجال الداخلي في إسرائيل حول مستقبل الصفقة، التي يؤيدها ثلثا الإسرائيليين، طبقًا للاستطلاعات. فهناك جهات تخشى استنساخ “النموذج اللبناني”، أي تنحي “حماس” عن السلطة مع احتفاظها بسلاحها، ما يعني الإقرار بالفشل في تحقيق أحد هدفي الحرب المعلنين، مع بقاء تهديد أمني على بعد خطوة من مستوطنات “غلاف غزة”.
في المقابل، يرى مؤيدو الصفقة أن “النموذج اللبناني” ملائم لإسرائيل، فهي قادرة على القصف متى وأين شاءت في القطاع، كما فعلت وتفعل في لبنان رغم اتفاق وقف النار، وذلك استنادًا إلى اتفاق ثنائي مع واشنطن.
في نطاق هذا السجال، يحذر المحامي آفي خالو، رئيس قسم المفقودين والأسرى في الاستخبارات العسكرية سابقًا، من نوايا نتنياهو، بقوله: “المفهومية الفاشلة للمفاوضات قد أبقت الإسرائيليين هشام السيد ومانغستو في القطاع عشر سنوات دون اكتراث بمصيرهما”، ومضى في حملته على نتنياهو: “المفاوضات بدأت متباطئة وبالغمز واللمز وسط محاولات تشويشها، ما يشكل وصمة عار على القيادة الحالية، وفي الأساس تهديدًا لوحدتنا الاجتماعية وهويتنا الوطنية”.
ويرى المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل أنه من الصعب تفادي الانطباع بأن نتنياهو يتدارس إنتاج أزمة أكبر، ربما من خلال تعليق إطلاق سراح الأسرى الذين التزمت إسرائيل بالإفراج عنهم. ويقول إن انتهاكات “حماس” ومحاولات العودة إلى عمليات تفجيرية داخل المدن الإسرائيلية ستعطي نتنياهو مبررًا لوقف الصفقة إن رغب بذلك، منوهًا إلى أن الجيش حاليًا يتدرب على العودة إلى حرب أكثر شراسة.

وطبقًا لهارئيل، فإننا أمام “أيام حاسمة في تاريخ الحرب، وربما الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كله”. ويضيف: “هناك مشاعر انتقام في الجو بشكل غير مسبوق، تتخللها دعوات لتجديد الحرب، وإيقاع نكبة ثانية، وتخريب ما تبقى من غزة، وربما تنتقل هذه الأحداث إلى أماكن أخرى”.

إلى أين نتجه؟

من جهته، وردًا على سؤال إلى أين وجهتنا؟ يرى قائد سلاح الجو سابقًا الجنرال في الاحتياط إيتان بن إلياهو، في حديث للقناة 12 العبرية، أن الرئيس المصري السيسي لاعبٌ مهم، والعرب التفوا حوله، مرجحًا أن يطرح حلاً سيكون مقبولًا على إسرائيل أيضًا، يقوم على إنهاء الحرب دون إبقاء “حماس” في الحكم.
ويرى رئيس قسم الأسرى والمفقودين في الموساد سابقًا، رامي إغرا، في حديث للقناة ذاتها، أن ترامب يريد وقف الحرب، وهذا يعني بالنسبة إلى إسرائيل الانسحاب، معتبرًا أن “حل السيسي غير ملائم لنا لأنه يبقي على سلاح “حماس”… وأمريكا ستضغط علينا للقبول بذلك”.
موقف أغلبية الإسرائيليين
ويقول الضابط السابق في الشاباك، رونين منليس، للقناة 13 العبرية، إن على إسرائيل تطبيق الاتفاق، وإتمام الصفقة، ودفع ثمن فشلها في السابع من أكتوبر، واستعادة المخطوفين، ولاحقًا سد الحساب مع “حماس”. ويضيف: “سنحتفظ لأنفسنا بخيار العودة إلى الحرب، كما فعلنا في لبنان. هناك هدف للحرب يمكن تحقيقه: المخطوفون… أما حسم “حماس”، فهذه، وبخلاف ما يزعمه وزير الأمن، مسيرة طويلة، وليست ضربة واحدة”.
ويتفق معه قائد لواء الجنوب في جيش الاحتلال، الجنرال في الاحتياط طال روسو، الذي قال للقناة ذاتها: “يجب سد الحساب مع القتلة كما فعلنا في ميونيخ”، محذرًا من بقاء “حماس” مسلحة في القطاع، أو في الحكم، لكنه شدد على أنه “علينا الآن، وقبل كل شيء، استعادة بقية المخطوفين بسرعة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب