من جهادي إلى رئيس: تحولات أحمد الشرع وطرقه في مواجهة التحديات في سوريا اليوم

من جهادي إلى رئيس: تحولات أحمد الشرع وطرقه في مواجهة التحديات في سوريا اليوم
إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده بن هبارد، حول الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع وتحولاته من جهادي إلى رئيس.
فباعتباره قائدا لجماعة مسلحة متحالفة مع تنظيم القاعدة خلال الحرب الأهلية الطويلة في سوريا، دعم الرجل الذي كان يعرف باسمه الحركي، أبو محمد الجولاني، الجهاديين الأجانب وأرسل انتحاريين لتفجير المواقع العسكرية وتعهد بإنشاء دولة إسلامية.
وقبل عقد من الزمان، قال لصحافي إنه يجب على المسلمين عدم المشاركة في البرلمان وأداء القسم على دستور كتبه البشر، لأنه يجب عليهم اتباع “حكم الله تعالى”. وأصبح نفس القائد رئيسا جديدا لسوريا بعد أن أطاح تحالف المعارضة الذي قاده بالرئيس بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024.
كان الشرع قد قطع علاقاته مع تنظيم القاعدة منذ سنوات، والآن يستخدم اسمه الحقيقي، أحمد الشرع. وقد استبدل زيه العسكري بالبدلات الرسمية
وكان الشرع قد قطع علاقاته مع تنظيم القاعدة منذ سنوات، والآن يستخدم اسمه الحقيقي، أحمد الشرع. وقد استبدل زيه العسكري بالبدلات الرسمية، وشرع في دبلوماسية وعلاقات عامة تهدف لإقناع الزعماء الأجانب والسوريين بأنه قادر على إصلاح بلده المحطم وقيادته نحو الديمقراطية، أو شيء من هذا القبيل.
وقال الشرع في مقابلة نشرت معه قريبا: “لو كانت الديمقراطية تعني أن يقرر الناس من سيحكمهم ومن يمثلهم في البرلمان، فعندها، نعم، سوريا تسير بهذا الاتجاه”.
ويقول بن هبارد إن التناقض الحاد بين الشرع الجهادي والقومي البراغماتي اليوم ترك العديد من المسؤولين الأجانب في حالة تساؤل عما يؤمن به وكيف سيقود بلدا يقع في قلب الشرق الأوسط.
وأشارت الصحيفة إلى مؤتمر الحوار الوطني الذي بدأ يوم الثلاثاء وبمشاركة مئات الوفود وبهدف بناء إجماع حول المستقبل السياسي والاقتصادي. ولكن المؤتمر استبعد الجماعات الكردية التي تسيطر على شمال- شرق البلاد. ويقول العديد من السوريين، الذين أنهكتهم حرب أهلية استمرت 13 عاما، إن أي شيء يفعله سيكون أفضل من البؤس والدمار الذي أحدثه الأسد.
وفي المقابل يشك السوريون الذين لا يثقون بنهجه الإسلامي بأن وراء خطابه التصالحي ماض شرير لم يتبرأ منه.
فمنذ ظهوره كزعيم جديد لسوريا، زاره كبار المسؤولين العرب والغربيين في دمشق أو استضافوه في عواصمهم للضغط عليه بشأن القضايا التي يهتمون بها، بما في ذلك مكافحة النفوذ الإيراني والحد من الوجود العسكري الروسي، ووقف صادرات المخدرات غير المشروعة، والقضاء على الجهاديين وضمان حقوق المرأة والأقليات الدينية.
وقال بعض المسؤولين الذين التقوه وفي أحاديث خاصة إنهم أعجبوا برسالة الشرع الداعية لشمل الجميع. ولكن قلة منهم وعدته بتنفيذ ما طلب، مثل تقديم الدعم المالي لتقوية الاقتصاد السوري وبداية إعمار البلاد ورفع العقوبات القاسية التي فرضت على نظام الأسد.
قال بعض المسؤولين الذين التقوه وفي أحاديث خاصة إنهم أعجبوا برسالة الشرع الداعية لشمل الجميع. ولكن قلة منهم وعدته بتنفيذ ما طلب، مثل تقديم الدعم المالي
وفي يوم الإثنين أعلن الاتحاد الأوروبي عن موافقته على تعليق العقوبات على قطاعات البنوك والطاقة والمواصلات وتوسيع الإجراءات لتسهيل المساعدات الإنسانية.
وهناك عامل يعرقل التعامل الأجنبي مع الحكومة هو تصنيف الولايات المتحدة والأمم المتحدة ودول أخرى، هيئة تحرير الشام التي يقودها كمنظمة إرهابية، فيما لا تزال دول أخرى تصنفه كإرهابي.
وكانت باربرة ليف، مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط في إدارة بايدن من أول المسؤولين الأمريكيين الذين التقوا مع الشرع في دمشق، العاصمة السورية، بعد سقوط الأسد في كانون الأول/ديسمبر.
وقالت في مقابلة إنه جاء إلى اللقاء جاهزا للاستماع إلى ما ستقوله الولايات المتحدة والرد. وقالت ليف: “وجدته يفكر بطريقة منهجية وبمستوى عال من البراغماتية”.
وأضافت أنها لا تعرف إلى أي مدى يشكل ماضيه الجهاد آراءه كزعيم لدولة تخلصت حديثا من الديكتاتورية وتريد وبشكل ماس الاعتراف والدعم الدولي.
وعلقت قائلة: “إما أنه مجرد ممثل عظيم أو أن لديه شخصية أشبه بالإسفنجة تستفيد من الخبرة والسياق الذي يشكل البيئة الأكبر ويعدل تفكيره بناء عليها”.
ويواجه الشرع تحديات هائلة، فقد قتلت الحرب أكثر من 500,000 شخص، حسب بعض التقديرات. وأجبر ملايين آخرون على الفرار إلى الخارج ودمرت مجتمعات بأكملها، تاركة العديد من اللاجئين بلا منازل يعودون إليها.
وتسعى حكومته لبناء جيش وطني واستيعاب الميليشيات المسلحة، مع أن بعضها يقاوم الفكرة ولا تزال تسيطر على مناطق ومصادر زراعية ونفطية. وخلفت الحرب الكثير من الأرامل والأيتام والمشوهين والمصدومين.
كما وسجل الراصدون للحرب عمليات قتل انتقامية في أنحاء البلد. ومن أجل الحفاظ على ما تبقى من أجهزة الدولة وخدماتها، طلب الشرع من الموظفين المدنيين البقاء في أعمالهم، لكن الرواتب قليلة والاقتصاد ضعيف والكهرباء غير متوفرة إلا لساعات في البيوت.
وحتى قبل اختياره رئيسا الشهر الماضي في لقاء مغلق مع قادة الجماعات المسلحة، كان الشرع يعمل في الداخل والخارج لإعادة تغيير صورته. وقام بجولة في المحافظات السورية والتقى مع ممثلي المسيحيين والعلويين والدروز. ورغم النظرة الإسلامية لحكومته إلا أنها لم تمنع الخمور ولم تفرض زيا على النساء.
وفي جولاته الخارجية كان يرسل في ملابسه رسالة إلى مضيفيه، فقد اختار ربطة عنق خضراء عندما التقى مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وربطة عنق حمراء عندما التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. واصطحب الشرع زوجته لطيفة الدروبي في رحلته إلى السعودية، حيث ظهرت أثناء أداء العمرة. وظهرت مع زوجة أردوغان أمينة، في زيارته لأنقرة.
وتحدث بحذر عن إسرائيل التي احتلت أراضي واسعة من سوريا وطلب منها الالتزام باتفاقية هدنة عمرها نصف قرن، وكذا عن روسيا التي دعمت نظام الأسد وقصف جيشها قواعد المعارضة والمدنيين. ولكنه هاجم إيران لدورها في سوريا وعلاقتها مع الأسد. إلا أنه أكد أن سوريا لن تشكل أي تهديد على جيرانها.
وظلت اتصالاته مع إدارة دونالد ترامب محدودة إلا أنه مدح في مقابلة مع بودكاست “ذي ريست إز بوليتكس- ليدينغ” ترامب واهتمامه بـ “ببناء السلام” و”نهجه الإيجابي للشرق الأوسط ومستقبل السياسة الأمريكية بالمنطقة”. ويتهم نقاد الشرع بأنه يخبر كل من يلتقيه بما يريد سماعه، متجاهلا ماضيه الجهادي وعلاقته بالعنف.
يتهم نقاد الشرع بأنه يخبر كل من يلتقيه بما يريد سماعه، متجاهلا ماضيه الجهادي وعلاقته بالعنف
وكان أحمد الحايس، أحد المتمردين الذين شاركوا في انتخابه رئيسا، قائدا تتهمه الولايات المتحدة بالإشراف على تعذيب وقتل المعتقلين، والاتجار بالنساء والأطفال من أجل الفدية والابتزاز. وتتهم الولايات المتحدة مؤيدا آخر وهو محمد الجاسم، بقيادة قوات شردت السكان للاستيلاء على ممتلكاتهم وخطف الناس للحصول على فدية، “وهو ما من المرجح أن يدر عشرات الملايين من الدولارات سنويا.
وفي عام 2017، شكلت هيئة تحرير الشام “حكومة الإنقاذ” لإدارة الأراضي التي تسيطر عليها في شمال – غرب سوريا. وبعد سقوط الأسد، أحضر الشرع تلك الإدارة إلى دمشق لتكون بمثابة حكومة مؤقتة للبلاد حتى الأول من آذار/مارس، عندما من المفترض أن تتولى حكومة جديدة السلطة.
وقال إنه لا يمكن إجراء انتخابات إلا بعد ثلاث أو أربع سنوات، لأن سوريا في حالة من الفوضى. وتتكون الحكومة الحالية من الموالين للشرع. وكان بعض الأعضاء معه منذ أيامه الجهادية، ووزير الصحة هو شقيقه.
ويقول بن هبارد إن الحكومة في إدلب كان يسيطر عليها المتطرفون، حتى قبل أشهر من انتقالها إلى دمشق.
وفي سيرته تغيرت ولاءات الشرع بشكل مستمر. فقد جاء إلى سوريا من العراق بدعم من تنظيم الدولة الإسلامية، لكنه انفصل عن الجماعة لاحقا ثم تعهد بالولاء لتنظيم القاعدة قبل أن يعلن الانفصال عنه أيضا في عام 2016. وخاضت مجموعته الأصلية، جبهة النصرة، معارك وتحالفت مع متمردين آخرين على مر السنين وأعادت تسمية نفسها مرتين، لتصبح هيئة تحرير الشام في عام 2017.
في السنوات التي تلت ذلك، ركز الشرع على حكم شمال – غرب البلاد وقمع المتطرفين الذين يعتقد أنهم كانوا يخططون لهجمات خارج سوريا.
ويقول عروة عجوب، طالب الدكتوراه في جامعة مالمو في السويد والذي يدرس هيئة تحرير الشام، إن تاريخ الشرع يشير إلى أنه كان يبحث عن السلطة أكثر من تكريس قناعاته الجامدة. وأضاف عجوب: “لقد تغير كثيرا، وهو صادق في هذا التغيير” و”من ناحية، فهناك براغماتية مشجعة وتمنحك بعض الأمل. ومن ناحية أخرى، فالمدى الذي يستعد فيه للبقاء في السلطة مخيف”.
– “القدس العربي”: