ترامب يستبدل بـ “الناتو” حلفا للزعران.. وإسرائيل تدخل من الباب الخلفي: باقون في سوريا ولبنان

ترامب يستبدل بـ “الناتو” حلفا للزعران.. وإسرائيل تدخل من الباب الخلفي: باقون في سوريا ولبنان
الثورات تضرب بسرعة لكنها تهضم ببطء. ما رأيك بالثورة الفرنسية، سُئل رئيس وزراء الصين شو آن لين. “من السابق لأوانه الحكم عليها”، أجاب الزعيم الصيني. تحذيره يحوم منذئذ من فوق كل بحث تاريخي: مطلوب وقت لإدراك الجهة التي تأخذنا إليها الثورات. فكروا بالربيع العربي، الموجة الثورية التي اجتاحت الدول العربية في 2011. الخروج إلى الشوارع للمطالبة بالعدالة والديمقراطية، التي أثارت حماسة هائلة في الغرب، انتجت فوضى وحرباً أهلية مضرجة بالدماء، وسيطرة دينية ودكتاتورية عسكرية، كل دولة ومصيرها. احتلال الحكم في سوريا من قبل مجموعة جهادية، كان الرسالة الأخيرة التي تلقيناها من الربيع إياه.
أو ثورة ترامب. الثورة هي ما يجري في الولايات المتحدة منذ الانتخابات في تشرين الثاني. لا جدال في هذا. الرئيس المنتخب يغير سلم الأولويات من الأساس: القيم، السياسة، قواعد اللعب. مزاجه الثوري يحطم مسلمات، حتى في الجبهتين الداخلية والخارجية. المؤسسة السياسية الأمريكية في صدمة؛ الأسرة الدولية في صدمة. لم يتول في أمريكا رئيس تصرف مثله ولا حتى ترامب نفسه في ولايته الأولى. الجدال على الهدف النهائي: ثمة من يقدر بأن الشيطان ليس رهيباً؛ فخطوات ترامب الفظة هي مواقف مساومة، وطريق واع لتحقيق صفقات أفضل، وللخروج من حرب في أوروبا لا أمل في الانتصار فيها؛ وثمة من يصرخ بأن الشيطان رهيب، ونهايته جلب خراب على أمريكا والغرب، بل وحتى حرب عالمية ثالثة.
زيارة رئيس أوكرانيا البائسة إلى البيت البيض توفر مادة جدال للطرفين. تسلسل الأحداث كما جاء في تقارير السي.إن.إن، يشير إلى كمين مخطط له: عندما خرج زيلينسكي من سيارته مرتدياً ملابس سوداء، تشبه البزات العسكرية، كعادته منذ بداية الحرب، قال ترامب بتهكم للصحافيين: “هو يتخفى حقاً اليوم”. ودفع أتباع ترامب، بخلاف الأنظمة، مراسلاً لشبكة نائية، داعمة لترامب. فقد أرسل المراسل كي يعرض على زيلينسكي سؤالاً من مجال الموضة: “لماذا لا ترتدي بدلة؟”.
كانت هذه محطة الكمين الأولى. وتلتها إهانة على لسان نائب الرئيس فانس ولسان ترامب نفسه. وفي النهاية، طرد الحاشية الأوكرانية من البيت الأبيض بدون وجبة الغداء الموعودة.
من قال إن كل شيء جاء في مجال التكتيك وفي الطريق إلى عقد الصفقات، فقد سجل أمامه أن زيلينسكي أصدر بياناً متملقاً على الفور. وأمس، في لقاء قمة في لندن، عمل على خطة جديدة لوقف نار تعرض على ترامب. ومن قال إنها استراتيجية، عبر خيانة الخلفاء وتغيير موازين القوى في العالم، فقد سجل أمامه فزعاً في أوروبا وفرحاً في موسكو. إيلون ماسك، الطليعي الذي يقفز أمام المعسكر، تبنى تغريدة تدعو إلى حل الناتو. عندما تنسق أمريكا وروسيا بينهما، من يحتاج إلى الناتو؟ خسارة على المال.
ترامب، كما يدعي منتقدوه، يسعى إلى إقامة حلف الزعران: هو، بوتين ورئيس الصين شي. ثلاثتهم سيتقاسمون فيما بينهم مناطق النفوذ في العالم: بوتين يسيطر على شرق أوكرانيا، ولاحقاً على أوكرانيا كلها، وبولندا. وشي يحتل تايوان. وترامب يحصل على غرينلاند. أما الاتحاد الأوروبي فيتقلص أو يختفي. أحزاب فاشية جديدة على نمط هنغاريا أوربان، تسيطر في أوروبا. وهذه تنخرط بسهولة في قارة يكون فيها بوتين وترامب ربي البيت.
هو عالم يمكن لحكومة إسرائيل الانخراط فيه: فهو يحترم القوة، والقوة في هذه اللحظة في أيدينا؛ هو يحترم السيطرة على مناطق، والمناطق في هذه اللحظة في أيدينا؛ هو ينفر من القيم الديمقراطية القديمة ومن حقوق الإنسان ومن المعاناة الإنسانية ومن العدالة والقضاء، والنفور في هذه اللحظة في أيدينا.
وبالفعل، الحكومة تسمح لنفسها باتخاذ خطوات ما كانت لتطرأ على البال في فترات ولاية رؤساء أمريكيين سابقين، ديمقراطيين وجمهوريين. والقائمة طويلة: خرق اتفاق وقعته في إطار صفقة المخطوفين؛ وحيازة نقاط دخل أراضي سوريا وإعلان بقائنا فيها إلى الأبد؛ والتهديد علناً بالتدخل في المواجهة بين النظام السوري والدروز في بلدة جرمانا قبل دمشق (كان هذا تهديداً عابثاً، وعنواناً رئيساً من أجل القاعدة: الطرفان رفضا التدخل الإسرائيلي رفضاً باتاً)؛ وحيازة نقاط داخل أراضي لبنان بخلاف اتفاق وقف النار؛ وطرد آلاف السكان من مخيمات اللاجئين في الضفة، وفي المنطقة “أ” وأمر الجيش الإسرائيلي بالبقاء فيها؛ ومنع المساعدات الإنسانية من الدخول إلى غزة؛ والتنكر للمرحلة الثانية من المفاوضات وترك 59 مخطوفاً لمصيرهم.
قد يكون هذا مجدياً في المدى القصير: ما دام ترامب يساند إسرائيل فهي تتمتع بالحصانة. لكن، مثلما تعلم زيلينسكي، تأييد ترامب موضوع متملص. عندما شاهد نتنياهو بث الكمين والإهانة في البيت الأبيض، أقدر بأن بطنه قرقعت. فقبل بضعة أسابيع، جلس على الكرسي ذاته. حين تغيب القيم المشتركة فالخيانة تنتظر خلف الزاوية.
ربما بسبب بطنه التي تقرقع، يسارع لإقرار حقائق على الأرض، من غزة حتى نابلس، حتى سوريا ولبنان: فمن يدري ماذا سيكون مزاج عظيم أصدقاء إسرائيل غداً.
ناحوم برنياع
يديعوت أحرونوت 3/3/2025