مقالات

الغرب المناصر وعقولنا الضيقة!

الغرب المناصر وعقولنا الضيقة!

بكر أبوبكر

من المعلوم أن التأثير بالعقل الغربي وخاصه جماهيره المناصرة لفلسطين يرتبط بقيم الحرية والعدالة والحق والديمقراطية، وليس ببعض قيمنا المشرقية المختلفة بالضرورة تلك المرتبطة بإنكار الكارثة الطامة وتعظيم الشجاعة الفردية، وانكار المأساة أو الموت او الفاجعة وكأنها عيب وعار! ما يجعل حتى البكاء وكأنه شيء منكر من المنكرات ؟! وهكذا من قيم ماضوية بائسة تستغل التراث الحضاري والديني بشكل فاسد، وتطوّعه فقط لخدمة تفاسير الفرقة او الحزب المأسور لصورته أمام مناصريه، وليس أمام الجماهير المطلوب خدمتها واكتساب محبتها، وما يسبق ذلك من أولوية حمايتها، ما تم إهماله عن عمدًا لسنوات طوال.

أنظر للمقاربة التي أشار لها بعض الكتاب خاصة لدى المناصرين الأجانب، وفي ظل استعراضات النصر: كيف لشعب يُباد أن ينتصر؟ هذا غير منطقي؟ وأين مظلومية الشعب العربي الفلسطيني في هذه المعادلة؟

الحرية والعدل وحقوق الانسان والشعوب، وليس قيم شجاعة بطل الشريط (الفلم)، أو ادعاء النجاح والنصر ولو على الأنقاض والأشلاء المقدسة، هي ما يفهمه المناصرون الغربيّون من الجماهير المؤيدة، أي على عكس التبريريون الذي يجعلون من المأساة أو الفشل أو تكاثر الأموات   أوالخسارة الفظيعة نصر من الله!

من المعلوم أن الرواية بأقلام، أو قمرات (كاميرات) مناضلي الاعلام الملتزم، وشهادات الأطفال ذات أهمية كبرى خاصة لدى المجتمع الغربي، لذا كان من الأجدى والأجدر بالإعلامي العربي ومنه الفلسطيني خاصة التبريري التوقف عن آلية التبجح بإظهار علائم النصر التي يظنّها ملهمة لأنصاره وضرورية لصورته، والالتجاء فورًا لتبني إبراز حجم الكارثة العظمى التي طرقت رؤوسنا، وإبراز النكبة الثانية بكل تفاصيلها لكل شهيد أو ناجٍ، التي مازال يعيشها الشعب العربي الفلسطيني في غزة والضفة بل وفي كل مكان مقرونا بالتأكيد الذي يجب ألا يتوقف على محاسبة مجرمي الحرب المعروفين ما لا تفعله أي فضائية عربية حتى اليوم ولا التبريريون المنتصرون أنفسهم!.

إن فكرة البقاء والصمود والثبات بحد ذاته تُعدّ جزءًا من الرباط المطلوب، وهو جزء مركزي من فكرة الثورة والمقاومة والنضال التي تعني كافة أنواع الأسلحة التي منها هذا الثبات في الأرض، واستخدام كل الوسائل بما فيها الاعلام والفكر الناضج والوعي بعيدًا عن التضليل والتهييج والشحن والتطبيل لخرافات تتجاوز وتظلم الناس مرتين الأولى بوقوع الكارثة، والثانية بإنكارها عمليًا!.

لقد استطاعت العقلية الفلسطينية المأسورة لفكرة البطولة الفردية أو الانتصار أن ترسم من مجزرة العصر والإبادة الجماعية وكأنها انتصار فلسطيني لفصيل !؟ وإن كان مثل هذا الخطاب يتم شراؤه من الجماهير المُثارة والمهيّجة من القطيع العربي أو الفلسطيني الذي أجّر عقلَه لقناة الفتنة والتضليل المعروفة، وأشباهها، فإنه خطاب لا يدغدغ الا مشاعر الاستغراب أو الاستنكار لدى الغربيّ المناصر حين يرى حقيقة الإهمال وعدم الاهتمام بحجم المأساة الفلسطينية التي لم يحصل مثلها بالعالم، ويقف متفاجئًا بالقول أين الإبادة الجماعية؟ في صور ومطالبات وروايات الناجين وهي الأوْلَى؟ ولمن كنت أتظاهر؟ ولمن كانت قرارات القمم العربية والعالمية، ومحكمة العدل الدولية التي صنفت العدوان الصهيوني بالإبادة الجماعية وطالبت ضمنه الجنائية الدولية بملاحقة مجرمي الحرب مثل “نتنياهو”!؟

قدمت بعض وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات والمواقع ومنها بعض الغربية المُنصفة قصص إنسانية لنساء ولرجال ولأطفال ناجين أو شهداء ضمن الإبادة الجماعية في غزة ومنها مؤخرًا قصة الطفل عبدالله اليازوري (تم منع الشريط عنه، وغيره من النشر بقوة الضغط الصهيوني على قناة بي بي سي) ومنها قصة الطفلة أسماء تايه، والطفل الشهيد عوني الدوس والمئات أمثالهم ما يستحق أن يعمل لهم آلاف الشرائط (الأفلام) بعيدًا عن استعراضات هوليودية لا تقدم ولا تؤخر بنتيجة المعادلة.

 إن المناصر لفلسطين يقف محتارًا من أفعال هؤلاء المنتكسين بخطاب الذات وتعظيمها، ويقف آسفاً على أولئك المقتولين والمحرومين والناجين من مجزرة العصر عندما يهتف الأتباع لفصيل! فيما الخراب الأعظم يطلّ من كل مكان!؟ وكأن الإنسان آخر همّ هذا الفصيل الذي بانكاره النتيجة، وعدم قدرته على فهم أولوية الانسان على الفصيل ما زال يكابر ويدمّر دلائل المذبحة والإبادة الأعظم بهذا الزمان المنتكس بالعقول الضيقة.

إن القصص الانسانية كانت ومازالت لها تأثير بالعقل والضمير الغربي، ومخاطبته أحد أهم الأسلحة الثورية والمقاومة التي وجب استخدامها بدلًا من العنتريات الفاسدة التي لم تغني ولا تسمن من جوع، بل وتدمر أركان جريمة العصر.

بكر أبوبكر

رئيس أكاديمية فتح الفكرية

رئيس مركز الانطلاقة للدراسات

 فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب